من أبرز التطورات / الصدمة في حاضرنا العربي والمستقبلي، أثر الذكاء التوليدي والروبوتات على أنماط التديّن الشعبي الوضعي النقلي في عالمنا العربي.
الحالة الفكرية العربية في حالة توهان تاريخي وفق وصف أنور عبد الملك عن الحالة السياسية المصرية، حيث يسود الفشل والعجز عن مواجهة مركبات التخلّف التاريخي وفوائضه والعقل السياسي اللاتراكمي أحادي البعد المسيطر. في ظل هذه الحالة المأزومة، ما أثر عالم الروبوتات والذكاء الاصطناعي التوليدي وروبوتات المحادثة على أنماط التديّن الشعبي السائدة؟.
التطوّر غالبًا ما يحفر مساراته ويفرض تحوّلاته وينقل الحياة الإنسانية إلى مسارات مختلفة
ثمة اتجاه سائد يرى أنّ الذكاء الاصطناعي التوليدي سيظلّ تحت السيطرة، وأنّ المسألة لا تتجاوز البيانات الضخمة التي تمتح منها وما تنطوي عليه من أخبار كاذبة ومعلومات وأخطاء وكتابات ورغبات وتوجهات!. هذا النمط من الاستجابات والتحفظات على التطورات والاكتشافات العلمية كان ولا يزال جزءًا من التحفّظات والمخاوف في كل مراحل التطور العلمي والخشية من آثارها، والتحريض على فرض القيود القانونية والأخلاقية عليها، إلا أنّ التطوّر غالبًا ما يحفر مساراته ويفرض تحولاته بعيدًا عن هذه المخاوف وينقل الحياة الإنسانية إلى مسارات مختلفة.
تشير روبوتات المحادثة وتطوراتها المحتملة على التديّن الوضعي إلى إضعافها للدور الوظيفي للمؤسسات الدينية التابعة للسلطان المتغلب - الملكي والمشيخي والأميري والجمهوري – في عالمنا العربي، ومعه العقل الديني النقلي الساكن، والحلول التدريجي محلها في مجال طرح الأسئلة الدينية عمومًا في كافة الأديان والمذاهب، ويجد صبية وشباب العالم العربي إجابات على أسئلتهم في مختلف مناحي الحياة والدين وسردياته وشروحه على المتون والسرديات التاريخية حولها في المرحلة الراهنة بقطع النظر عن بعض أخطاء البيانات الضخمة Big Data، ويمكن لروبوتات المحادثة أن تجيب على أسئلة غير مألوفة في الحياة الدينية السائدة وحول طابعها التاريخي الميتاوضعي أو الوضعي! وهل هي نصوص آلهية مقدّسة أم تاريخية وضعية؟ وهي أسئلة صدمة في عالمنا العربي؟! وفق دراسات تاريخ الأديان المقارنة، وهو ما يشكّل صدمة للسلطات الدينية أيًا كانت دياناتها ومذاهبها!، ومن هم واضعو متونها وسردياتها وشروحها التاريخية!.
انتشار هذا النمط من الأسئلة والإجابات سيتمدّد مع تزايد أعداد اللاإدريين والملحدين ضمن بعض الشرائح الشابة عربيًا وآخرين سيتعاملون مع الأديان والمذاهب كمعطى تاريخي لا ميتاوضعي! هذا النمط من الإجابات على روبوتات المحادثة يمكن الحصول عليه الآن وليس غدًا!.
هل يمكن توقّع توليف وابتداع أديان روبوتية جديدة؟!
في ظلّ التطوّر المحتمل للروبوتات، يمكنها أن تبلور إجابات مختلفة عن السائدة في إطار العقل النقلي السائد ونمط التعليم والحفظ والتكرار السائد في غالب التعليم الديني ومؤسساته غير المتطوّرة! ومن المحتمل أن تنتج إجابات روبوتات المحادثة رأيًا مخالفًا لما هو سائد في إجابات النقل لا العقل السائدة في غالب رجال السلطات الدينية التابعة! هذا السيناريو محتمل في ضوء التطوّر المحتمل لروبوتات المحادثة.
ثمة سؤال صادم يطرحه بعضهم: هل يمكن توقّع توليف وابتداع أديان روبوتية جديدة؟! يذهب بعضهم إلى إمكانية تحقّق هذا السيناريو المستقبلي، وإنتاج ديانة تقوم على التركيب والتوليف بين المعتقدات في المشتركات بين الأديان والمذاهب السائدة، أو القيم المشتركة بينها، وتحريرها من بعض قيودها وهندستها الدينية والتأويلية الوضعية، وتركيزها على الحرية الفردية للإنسان، الدينية والعقلية والروحية والحواسية.. إلخ.
قد يجد بعض هذه الأديان الوضعية الروبوتية الجديدة قبولًا من بعض الأجيال القادمة كجزء من عمليات التحرّر من القيود الدينية التاريخية الوضعية أو المقدّسة، وذلك كبديل عن الإيمان الإلحادي إذا جاز التعبير، ومن أجل تحقيق توازن سوسيو – نفسي في عالم تسيطر عليه الروبوتات في مختلف مناحي الفعل والعمل والتفكير الإنساني، وهو ما سيحدث في ظلّ عدم حوكمة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
لا شكّ أنّ حلول الأديان الروبوتية المخلقة، لا تعني أنّ الأديان السماوية المقدّسة أو الوضعية ستنتهي في الحياة الإنسانية، لأنّ الهيمنة الروبوتية الذكية والتوليدية في مجالات الحياة المختلفة، العقلية والأدبية والعلمية والطبية والفيزياء والبحث.. إلخ، ستؤدّي، لا سيما في عالمنا العربي، إلى نكوص وتمسك بها والدفع نحو تحريرها من بعض سردياتها الوضعية والدفع نحو إعلاء سلطان العقل الحرّ والحرّية الدينية.. إلخ، من الأجيال الشابة القادمة.
دخول الروبوتات إلى الأسواق الدينية سيؤدي لحالة من التعبئة الدفاعية والهجومية
هذه الحالة سوف تكون تعبيرًا عن سعي الجموع الغفيرة الرقمية والفعلية إلى التوازن السوسيو - نفسي في ظل أنماط حياة غير مألوفة في تاريخنا الإنساني وخاصة من لن يجدوا عملًا وهم مئات الملايين- ثلاثمائة مليون عاطل عن العمل عام 2050، ولا يمكن إعادة تأهيلهم لسوق العمل، وهو رقم أولي وربما يتزايد في السنوات القادمة.
دخول الروبوتات إلى الأسواق الدينية، وتحدّي المؤسسات الدينية ومذاهبها على تعدّدها سيؤدي لحالة من التعبئة الدفاعية والهجومية إزاء التحوّلات الجديدة، ومحاولة ممارسة الضغوط لمنع التطورات في الذكاء الاصطناعي التوليدي إلا أنها لن تستطيع ذلك! وقد يدفع ذلك بعض جماعات العنف الديني إلى القيام بعمليات ضدّ شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي أو إنتاج برامج مضادة لدور الروبوتات في مجال السوق الديني، لكن ذلك لن يوقف التطورات العلمية نحو ما بعد الإنسان.
هذا التحوّل الكبير يحتاج إلى تجديد في الفكر الديني السائد، والتحوّل من النقل الاتباعي إلى العقل الإبداعي. دخلنا عالمًا مختلفًا ونحن عالقون في النقل والاتباع الماضوي.
(خاص "عروبة 22")