صحافة

رفع عقوبات أميركا على سوريا... وحدودها؟

سركيس نعوم

المشاركة
رفع عقوبات أميركا على سوريا... وحدودها؟

إلغاء العقوبات الأميركية على سوريا سيفتح باب الاستثمارات الخليجية والعربية فيها، ومن شأن ذلك بدء عملية إنهاض اقتصادها وحضها على تطبيع العلاقة مع لبنان، وبدء محادثات التطبيع مع إسرائيل، والإفساح في المجال أمام حكومتها لجمع القاعدة الشعبية المتناحرة والمنقسمة حولها. في أي حال، إن بطء وتيرة التعافي والتقاتل، أو بالأحرى التناحر الداخلي والاعتداءات الإسرائيلية وعودة الدولة الإسلامية إلى الحياة، يعوق التقدم في سوريا.

دونالد ترامب كان أول رئيس للولايات المتحدة منذ 25 سنة يلتقي قائداً أو زعيماً سورياً في المملكة العربية السعودية. كان ذلك بعد يوم من إعلانه رفع العقوبات المتنوعة كلها عن سوريا. وقد أكد ذلك بيان أصدره البيت الأبيض وأشار بوضوح إلى الاجتماع الذي ضم ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الشرع. قال البيت الأبيض أيضاً إن ترامب طلب من الشرع ترحيل المقاتلين الفلسطينيين من سوريا وتطبيع العلاقات مع إسرائيل ومساعدة الولايات المتحدة في محاربة "الدولة الإسلامية" وتحمّل مسؤولية مراكز احتجاز مقاتليها وعائلاتهم في شمال شرق سوريا. وقال ترامب على ما نقلته وسائل الإعلام إن واشنطن ستنظر في تطبيع علاقات بلاده مع سوريا.

ما العوامل التي دفعت ترامب إلى اتخاذ المواقف المذكورة أعلاه؟ يجيب باحث جدي في مركز أبحاث أميركي لديه القدرة على الوصول إلى المعلومات من مصادرها في بلاده والخارج: "أتى إعلان ترامب بعد أشهر من إقدام حلفاء أساسيين للولايات المتحدة مثل العربية السعودية وتركيا وسوريا نفسها على التحرّك الجدي للوصول إلى النتائج المذكورة أعلاه. فأنقرة والرياض اضطلعتا بدور أساسي في الضغط من أجل الحصول عليها. وقالت الأولى إن رفع العقوبات الساحقة عن سوريا سيدعم الاستقرار الإقليمي، وسيمكّن اللاجئين من أبنائها من العودة، ويضغط على نفوذ الانفصاليين في منطقة نفوذهم جنوب سوريا.

فضلاً عن أن ذلك يفتح الباب لعلاقات تجارية أكثر عمقاً مع سوريا. والرياض وضعت "التطبيع" مع سوريا جزءاً من خطة استقرار أوسع يقودها العرب، وتعد بإعادة بنائها وإزالة ديونها للبنك الدولي، ولكن طبعاً إذا سهّلت واشنطن ذلك. في الوقت نفسه أظهرت سوريا إرادتها التعامل مع الشروط الأميركية للتطبيع، ومن بينها طرد المقاتلين الأجانب وخصوصاً الذين منهم "يخدمون في الجيش السوري"، وترحيل المقاتلين الفلسطينيين، ومنع عودة الدولة الإسلامية"، إضافة إلى السيطرة على أماكن احتجاز أعضاء "الدولة الإسلامية" وعائلاتهم، وأخيراً الانضمام إلى "اتفاقات أبراهام" التي وُقّعت عام 2020 بين إسرائيل ودول عربية عدة وطُبّعت العلاقات بينها.

وفي التصريحات الحديثة للشرع تعهد بحل تدريجي للميليشيات الموجودة في مؤسسات الدولة السورية وإعادة المحادثات الدستورية مع الأمم المتحدة. والشرط الوحيد لذلك هو امتناع إسرائيل عن تفخيخ سياسة سوريا أو تقويضها، كما عن متابعة هجماتها العسكرية عليها. إلى ذلك كله، يقول الباحث الأميركي نفسه إن تركيا وقطر، إضافةً إلى السعودية، تبدو الداعم والسند الأكبر لسوريا مالياً وعسكرياً. وهي كانت موّلت ودعمت الشرع "هيئة تحرير الشام".

ويقول أيضاً إن اتفاق الولايات المتحدة وسوريا كان تاريخياً على علاقات ثنائية مضطربة فيها الكثير من "التشاغب". لكنهما حسّنتا علاقاتهما عام 1990 عندما انضمت سوريا إلى التحالف الذي قادته أميركا في حرب الخليج، وشاركت في مؤتمر مدريد للسلام بين إسرائيل والدول العربية. إثر ذلك تدهورت العلاقة ولا سيما بعد الـ2000 جرّاء دعم سوريا "حزب الله" والمجموعات العسكرية الفلسطينية، كما جرّاء تورّط سوريا الملمّح إليه في قتل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري عام 2005، ودعمها المتمردين في حرب العراق.

إزداد "الشق" الخلافي بين واشنطن ودمشق بين 2011 و2014 في أثناء الحرب الأهلية السورية، إذ فرضت الولايات المتحدة عقوبات كاسحة وشاملة على سوريا ودعمت القوات المعارضة لها. عزّز ذلك مقولة إن سوريا دولة إرهابية وتدعم الإرهاب ووضعها في إطار ديبلوماسي شبه محكم. فترامب الأول أمر بضربات جوية لسوريا مرتين عام 2017 و2018 جراء استعمالها أسلحة كيميائية في الحرب الأهلية. أما "قانون قيصر" لحماية المدنيين الصادر عام 2019، يتابع الباحث الأميركي نفسه، فكان جزءاً من نظام عقوبات أميركي أوسع على سوريا ونظامها السابق.

كان هدفه وقف الاستثمارات الأجنبية في سوريا، وعنى ذلك أن أي شركة عربية أو تركية تستثمر في سوريا ستواجه عقوبات ثانوية من بينها إخراجها من النظام المالي الأميركي. وقد شمل النظام المذكور قطاعات مهمة مثل الدفاع والطاقة والبناء والمصارف والتمويل. هل تساعد إزالة العقوبات عن سوريا في إطلاق تعافيها الاقتصادي؟ 

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن