تعني الحروب التجارية والنّفوذ الاقتصادي، مع تصاعد السياسات الحمائية لأميركا، فرضَ قيودٍ على التجارة الدولية من خلال أدواتٍ مثل التعريفات الجمركية المرتفعة والقيود على الواردات، وذلك بهدف جعل المنتجات المحلية أكثر تنافسية. إذ إنّ هذه السياسات، على الرَّغم من أنها تهدف لحماية الاقتصاد الوطني، تؤدّي إلى ارتفاع الأسعار واندلاع حروبٍ تجاريةٍ مع الدول الأخرى، واستمرار الحروب التجارية بينها وبين الصين، إذ سيواجه الاقتصاد العالمي مزيدًا من التباطؤ. كما أنّ "منظمة التجارة العالمية" تفقد بعض تأثيرها نتيجةً لهيمنة أميركا على السياسات المالية، ممّا يُعزّز الحاجة إلى نظامٍ عالميّ أكثر توازنًا وعدالة.
ويشكّل استمرار الحرب بين أوكرانيا وروسيا، والصّراعات في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى التوتّرات في آسيا، عبئًا هائلًا على الاقتصاد العالمي، إذ إنّ العراق، كبلدٍ يقع في قلب منطقة الشرق الأوسط، سيكون عرضةً لتأثيرات هذه الصّراعات. ويشهد العالم ثورةً تقنيةً مُتسارعةً، لكنّ هذه التطوّرات قد تزيد من الفجوة بين الدول المتقدّمة والنّامية، ممّا يضع العراق أمام تحدٍ كبيرٍ للاستفادة من هذه التحوّلات من دون الوقوع في دائرة التخلّف التكنولوجي.
على العراق أن يصبح جزءًا من الثورة التّكنولوجية العالمية والاستثمار في التعليم والتدريب في مجالات الذّكاء الاصطناعي
في مواجهة هذه التحدّيات العالمية، يجب على العراق أن يتبنّى سياساتٍ اقتصاديةً مُبتكرةً، للحفاظ على استقراره الاقتصادي والاجتماعي، ولعلّ أبرز هذه التحدّيات، التأثّر بتقلّبات أسعار النفط، إذ إنّه مع استمرار الاعتماد على النّفط كمصدرٍ رئيسيّ للإيرادات التي تُشكّل أكثر من 95%، يُصبح الاقتصاد العراقي عرضةً لتقلّبات الأسواق العالمية، بخاصة في ظلّ التوتّرات الجيوسياسية والرّكود الاقتصادي المحتمل.
وتؤثّر تداعيات النّزاعات الإقليمية في موقع العراق الجغرافي، ما يجعل منه لاعبًا مركزيًا في أي صراعٍ إقليميّ، وبالتالي فإنّ استمرار النزاعات في الشرق الأوسط يؤثر في أمنه واستقراره، ممّا ينعكس سلبًا على اقتصاده. ومع تزايد الهجرة العالمية والقيود الصارمة من قبل الدول الأوروبية والأميركية، قد يصبح العراق بلد عبورٍ أو مقصدًا لبعض المهاجرين، ممّا يضيف عبئًا على اقتصاده.
العراق يمتلك مقوّمات النجاح والتقدّم لكنه بحاجة إلى إرادة سياسية قوية وخطط إقتصادية واضحة
وعلى الرَّغم من الجهود الحكومية لتحسين البنية التحتيّة، ما زال العراق بحاجةٍ إلى استثماراتٍ ضخمةٍ لتحسين قطاعاته الأساسية مثل الطاقة والنقل والزراعة والصناعة والتجارة والتنمية المُستدامة. ولعلّ النجاح في مواجهة هذه التحدّيات، يوجب على العراق تبنّي مجموعةٍ من السياسات والإجراءات منها تنويع الاقتصاد، إذ إنّ الخروج من عباءة الاقتصاد الريعي المُعتمِد على النّفط ضرورة قصوى، ما يستدعي الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
كما يجب على العراق أن يلعب دورًا فعّالًا في تعزيز التعاون مع دول الجوار والمنظّمات الدولية لتحقيق استقرارٍ اقتصاديّ وسياسيّ، وأن يصبح جزءًا من الثورة التّكنولوجية العالمية من خلال بناء شراكات مع الدول المتقدّمة، والاستثمار في التعليم والتدريب في مجالات الذّكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة، وإصلاح النّظام المالي والإداري ومكافحة الفساد وإصلاح المؤسّسات الحكومية، إذ يُشكّل ذلك عوامل أساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق التنمية الاقتصادية.
يُمثّل عجز العراق عن تنويع وارداته غير النفطية عبئًا ثقيلًا على موازنة البلاد
ولا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية من دون بيئةٍ مستقرّةٍ وآمنةٍ، وعلى الحكومة تعزيز الأمن الوطني ومكافحة أي تهديدات قد تُعيق النموّ الاقتصادي. غير أنه وعلى الرَّغم من التحدّيات الكبيرة التي يواجهها العالم، يحمل عام 2025 فرصًا للنّهوض الاقتصادي إذا تمّ التعامل مع التحدّيات بحكمةٍ وإبداع، فالعراق يمتلك مقوّمات النجاح والتقدّم بما يملكه من موارد طبيعية وبشرية، لكنه بحاجةٍ إلى إرادة سياسية قوية وخطط إقتصادية واضحة، إذ إنّ مواجهة الحروب التجارية والصراعات العالمية تتطلّب من العراق أن يكون لاعبًا مَرِنًا وذكيًا في الساحة الدولية، ويعمل على تعزيز مكانته كدولة ذات سيادة وقوة اقتصادية قادرة على تحقيق الاستقرار لشعبها والمساهمة في استقرار المنطقة.
في الختام، وفي ظلّ مواجهة العراق التحدّيات والاستحقاقات المالية، سيكون توفير السيولة النقدية الكافية لسداد مرتّبات الموظفين والمستحقّين، تحدّيًا أساسيًا أمام الحكومة العراقية التي تتعرّض سياساتها الاقتصادية لانتقادات، بحيث يُمثِّل عجْز العراق عن تنويع وارداته غير النفطية والتي انتقلت عبر الحكومات المُتعاقبة، والتي يتضاعف تأثيرها مع توقّعاتٍ متضاربةٍ حول أسعار النفط خلال العام الحالي والأعوام السابقة، عبئًا ثقيلًا على موازنة البلاد، لأنّ أبرز المؤشرات أعلنتها وزارة المالية مطلع هذا العام 2025، بقرارها الامتناع عن تزويد إقليم كردستان بمرتّبات الموظفين، ما يفتح الباب لنزاعٍ مُتنامٍ تجنَّبته الحكومة العراقية العام الماضي 2024، بدفع المستحقّات المالية.
(خاص "عروبة 22")