سلبت الحرب الاسرائيلية غزة بهجة العيد وحرمت أطفالها من متعة الفرح والاحتفال. فعيد الأضحى المبارك يحلّ هذا العام على القطاع، للمرة الثانية، وسط دمارًا واسعًا وأوضاعًا كارثية جراء الابادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل بحق الفلسطينيين منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. ورغم جهود ومساعي الوسطاء لارساء هدنة، الا ان التباعد الحاد في وجهات النظر بالتزامن مع التصعيد العسكري الاسرائيلي وتبني حركة "حماس" العمليات النوعية ضد جيش الاحتلال ساهم في تعميق الخلافات وتوقف المبادرات ريثما يتم العمل على مقترحٍ جديد بعد "ملاحظات" حركة "حماس" على مقترح المبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط ستيف ويتكوف.
وهذه "الملاحظات" التي لم تلقَ قبولًا من الجانبين الاسرائيلي والأميركي تعتبرها الحركة منطلقًا رئيسيًا لاطلاق سراح الرهائن المحتجزين لديها، لانها تسعى الى وقف القتال وارساء هدنة طويلة الامد ووقف تهجير الفلسطينيين وتحقيق الانسحاب الاسرائيلي واعادة تدفق المساعدات عبر الامم المتحدة والصليب الاحمر وذلك بعيدًا عما يُسمى "مؤسسة غزة الانسانية" التي تزيد من معاناة سكان القطاع وتجعلهم يعانون الامرين في رحلة الحصول على المعونة الغذائية. بينما يصرّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على مواصلة القتال ضاربًا عرض الحائط بكل مطالب وتظاهرات اهالي الاسرى الذين احتشدوا أمس، السبت، في تل أبيب مطالبين بعقد اتفاقًا شاملًا يعيد لهم الأسرى على قيد الحياة.
وجددت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين موقفها الداعي الى وقف "المخاطرة" بحياة الرهائن والجنود، معتبرة أن إنهاء الحرب هو السبيل الوحيد ليس لإنقاذ الأسرى فقط، بل "لإنقاذ إسرائيل". وتتزامن هذه التحركات الشعبية مع توجيه الناطق الرسمي بإسم "كتائب القسام" أبو عبيدة "نداء" حذر فيه من محاولة استعادة الأسير الإسرائيلي متان تسنغاوكر، وذلك بعد محاصرة قوات الاحتلال مكان احتجازه برفقة خاطفيه. هذا وبدا واضحًا ان اسرائيل تسعى الى تحرير الاسرى واستعادة الجثث بعيدًا عن المفاوضات، في محاولة جديدة من قبل نتنياهو لتبرير الحرب المستمرة منذ 20 شهرًا. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أعلن، السبت، استعادة جثة الرهينة التايلاندي ناتابونغ بينتا في "عملية خاصة"، وذلك بعد يومين من استعادة جثتَي رهينتين تحمل كل منهما جنسية إسرائيلية - أميركية.
وتأتي الوقائع الميدانية بالتوازي مع تحركات ومواقف سياسية داعية لانهاء القتال فورًا ووقف حرب التجويع بحق سكان القطاع عقب تحذيرات اممية جديدة من "مرحلة مميتة" تهدد 71 ألف طفل فلسطيني جراء منع ادخال المساعدات. وترفض تل أبيب هذه الاتهامات وتضعها في سياق تبني سردية "حماس" رغم تعالي الاصوات المندّدة في الاعلام الغربي لما يجري في غزة ووصفه بـ"الابادة" بالتزامن مع مظاهرات حاشدة تشهدها العواصم الأوروبية بشكل شبه يومي. وهذا الانتقاد المتزايد وتغيّر النظرة الغربية الى اسرائيل والمخاوف من تزايد "عزلتها" مع تكرار حوادث استهداف اسرائيليين في عدة عواصم وبلدان، يفضح تعنت نتنياهو واعضاء حكومته اليمنية المتطرفة التي ترفض تبني اي خيار تفاوضي وتنادي باحتلال كامل القطاع وتهجير الفلسطينيين بل وتسلح "عصابات" فلسطينية مناوئة لـ"حماس" والسلطة الفلسطينية، على حدّ سواء، ضمن خطتها لليوم التالي في غزة.
هذا وتستمر واشنطن في موقفها المنحاز للكيان الاسرائيلي حيث أكد وزير الخارجية الاميركي ماركو روبيو أن الولايات المتحدة تدعم جهود إسرائيل ضد حركة "حماس"، مجددًا الالتزام بتحرير جميع الرهائن. أما نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس فحاول تبرير قتل اسرائيل للفلسطينيين، قائلا "لا أعتقد أنها تحاول عمدًا قتل كل فلسطيني، لذلك لا أرى أن ما يحدث ابادة جماعية". وقال "نحاول إيقاف الصراع والقضاء على مصدره (في اشارة الى "حماس") حتى نتمكن من تحقيق بعض السلام وتقديم المساعدات الإنسانية للناس". وهذه التصريحات تترافق مع موقف سعودي واضح أعلن عنه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان الذي شدد على دور المجتمع الدولي في إنهاء "التداعيات الكارثية" للعدوان الإسرائيلي، مطالبًا بـ"حماية المدنيين الأبرياء، وإيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية".
في سياق متصل، تواصل السفينة "مادلين" المحملة بالمساعدات وعلى متنها 12 ناشطًا محاولتها لكسر حصار غزة رغم التهديدات الاسرائيلية باستهدافها واعتقال من على متنها. ووصلت السفينة، أمس، الى قبالة السواحل المصرية، وفق ما أعلن منظمو الحملة، الذين توقعوا الوصول الى القطاع بحلول صباح الاثنين. وتعد "مادلين" السفينة رقم 36 ضمن سلسلة سفن تحالف "أسطول الحرية" وأتت ردًا على اخفاق محاولة سابقة بسبب الهجوم الاسرائيلي قرب مالطا أوائل شهر أيار/مايو الماضي. وفي حال نجحت سيشكل ذلك سابقة ويعيد الامل الى الفلسطينيين الذين ينتظرون ايجاد حل دائم يوقف عداد الموت مع استمرار الغارات العنيفة واصدار أوامر جديدة بالاخلاء في عدد من مناطق القطاع المنكوب.
ومن الاجرام والوحشية الاسرائيلية في غزة الى لبنان، الذي كان عشية عيد الاضحى، على موعد مع تصعيد عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت لم يشهده منذ دخول اتفاق وقف اطلاق النار حيّز التنفيذ في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وبحجة وجود مصانع مسيّرات ومخازن اسلحة لـ"حزب الله" شنّت قوات الاحتلال غارات عنيفة ادت الى دمار مخيف وخسائر مادية جسيمة بعدما استهدفت اكثر من 9 أبنية وشردت عائلاتها. وقد سارع المسؤولون اللبنانيون الى ادانة ورفض الاعتداءات الاسرائيلية داعيين الى وقفها فورًا ورافعين الصوت الى الولايات المتحدة لثني اسرائيل عن ممارساتها الساعية الى الاخلال بالامن والاستقرار. ورغم المواقف الرسمية الواضحة، الا ان ذلك يفتح الباب عريضًا حول ضرورة ايجاد حل لسلاح الحزب وسحب الذرائع الاسرائيلية التي تلقى دعمًا اميركيًا واضحًا.
ويعاني لبنان من ضغوط هائلة سياسيًا وأمنيًا من اجل تفكيك بنية "حزب الله" العسكرية والتسليحية وهو ما لا يزال دونه الكثير من العقبات، خاصة أن المسؤولين في الحزب يرفضون المسّ به ويربطون أي حديث باعادة الاعمار، التي بدورها تعتبر عملية معقدة مع رفض الجهات الداعمة تقديم اي مساعدة الى لبنان قبل حل السلاح. وهذا ما يضع الحكومة اللبنانية في موقف صعب ويعمق الانقسامات الداخلية بين الأفرقاء السياسيين وبالتالي ينعكس على الجو المشحون في البلاد على الرغم من ان الاجواء كانت تبشر بصيف واعد وموسم سياحي عامر بعد القرارات الخليجية برفع الحظر عن مواطنيها والخطوات التي اتخذتها الدولة من اجل توفير العوامل المساعدة والمشجعة على ذلك.
الا ان الاعتداء الاسرائيلي يطرح الكثير من علامات الاستفهام لاسيما انه اتى بعد ايام قليلة من زيارة وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي بيروت في وقت تتواصل فيه المحاولات لتدوير الزوايا بين طهران وواشنطن بشأن ابرام اتفاق نووي جديد. ولا تحظى هذه الجهود الديبلوماسية برضى اسرائيل التي تعول على فشلها وبالتالي توجيه ضربات عسكرية الى ايران، وهو ما ترفضه الادارة الاميركية حتى الساعة بانتظار ما ستؤول اليه الوساطات في هذا الشأن. في غضون ذلك، أفادت إيران بأنها "استحوذت على وثائق إسرائيلية حساسة تتعلق بمنشآتها النووية"، واصفة العملية اياها بـ"بالإنجاز الاستخباري الكبير". وبموازاة الغموض حول كيفية الحصول عليها، أوضحت وكالة "مهر" الحكومية أنه "حدث منذ مدة، لكن حجمها الكبير وضرورة نقل جميع الشحنات بشكل آمن، استدعيا تدابير سرية لضمان وصولها إلى المواقع المحمية".
دوليًا، تستمر الهجمات العسكرية الاوكرانية - الروسية وترتفع وتيرتها مع استمرار "التلبد" بالمفاوضات بسبب الاختلاف الشاسع بين الجانبين. ففي الميدان، أعلن مسؤولون روس أن مسيرات أوكرانية استهدفت خلال الليل العاصمة موسكو ومناطق أخرى وتسببت في حريق مصنع للكيماويات في منطقة توزلا غرب البلاد بينما تشنّ روسيا منذ يوم الجمعة الماضي، هجمات مكثفة بالصواريخ والطائرات المسيّرة على العاصمة الأوكرانية كييف. أما سياسيًا، فقد دعا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة من دول غير منخرطة في الحرب الروسية الأوكرانية وتكليفها السعي لإيجاد حلّ لهذا النزاع، من دون أن يسمي دولًا بعينها.
المستجدات المحلية والاقليمية عكستها ما صدر اليوم من صحف عربية. ففي الجولة الصباحية تركيز على اهم ما ورد:
أكدت صحيفة "الوطن" القطرية أن "ما يجري في غزة هو عملية إبادة متكاملة تنفذ أمام أعين المجتمع الدولي، الذي يرى الأطفال الفلسطينيين يموتون جوعًا أو يستهدفون بالصواريخ، وهم يبحثون عن الطعام دون أن يتخذ موقفًا جادًا لوقف هذه المأساة الإنسانية". وأردفت "عدم قدرة المجتمع الدولي العمل على لجم الاحتلال الإسرائيلي، وإيقاف الحرب بات يشكل خطرًا إضافيًا على حقوق الشعب الفلسطيني ويستدعي يقظة سياسية، وتحركًا عاجلًا لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في صدارة المشهد الدولي، من منطلق إنساني وقانوني وأخلاقي".
ورأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن الفيتو الأميركي في مجلس الامن ضد قرار لوقف الحرب على غزة "ليس جديدًا، لكنه محبط، وذات معانٍ، ودلالات مخيفة لنا، وللعالم والمستقبل الإنساني، كما أنه (الفيتو) يعني إعطاء مزيد من الوقت لإسرائيل لممارسة العربدة، والقتل، والإبادة في قطاع غزة، علاوة على أنه إضافة جديدة للممارسات الأمريكية ضد العرب". وأضافت "على أمريكا أن تتراجع عن هذا "الفيتو" قبل أن تفتح أمام العالم لغة الغاب والهمجية، لأن أمريكا التي كانت لها إسهاماتها ما بعد الحرب العالمية الثانية في إنشاء المؤسسات وحماية العالم، هي نفسها الآن التي تهدمها ما بعد حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة".
من جهتها، تناولت صحيفة "عكاظ" السعودية ما أسمته "التدهور الملحوظ في العلاقات التركية- الإسرائيلية"، عازية السبب الى الوضع في غزة كما سقوط نظام بشار الاسد في سوريا "فكما هو معرف، تسعى إسرائيل بقوة لإضعاف سوريا، تمهيدًا لتقسيمها الى دويلات وكيانات، طائفية، ومذهبية، وعرقية، متنافرة…ومن ضمن الوسائل القذرة التي تتبعها إسرائيل لتفتيت سوريا، هي دعم بعض الأقليات، وفي مقدمتها الأقلية الكردية. ووعد الأكراد بمساعدتهم في إقامة دولة خاصة بهم.. في إطار تقسيم سوريا، وابتزاز تركيا"، وفق تعبيرها.
بدورها، ركزت صحيفة "الخليج" الاماراتية على "أن التطورات المتسارعة للصراع بين روسيا وأوكرانيا لا تشير إلى انفراجة قريبة، في ظل تصاعد تبادل الهجمات غير المسبوقة بين الطرفين، وتعثر الجهود الدبلوماسية، ومنها وساطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتوازي مع موقف أوروبي متشدد في دعم أوكرانيا حتى لا تلحق بها هزيمة ذات تداعيات خطيرة إقليميًا ودوليًا"، معتبرة أن "نهاية هذا الصراع مازالت بعيدة ولم تغادر بعد مربعها الأول".
(رصد "عروبة 22")