جهود كل من قطر والسعودية لنهوض سوريا ولنجاح مهمة الرئيس أحمد الشرع، أساس المساهمة الدولية لاستعادة سوريا وشعبها الباسل عافيته بعد حرب بشار الأسد الوحشية، التي دمَّرت البلد وأسقطت نصف مليون من الضحايا وهجّرت الملايين. إن رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن الشرع وبلده لما حصلت بهذه السرعة دون التشجيع السعودي والقطري لهذه الدول الغربية، التي أصبحت تولي اهتمامًا كبيرًا في نهوض البلد منذ سقوط بشار الأسد وتسلّم أحمد الشرع الرئاسة.
أول من استقبل الشرع في الغرب هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تربطه علاقات وثيقة بالقيادتين القطرية والسعودية، ولو لم ينسق مع شركائه الخليجيين لما استقبل الشرع، وتعجّل في إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق وأعلن رفع العقوبات عن هذا البلد. في السياق نفسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التقى الشرع في الرياض قائلًا -علنًا- إنه التقاه بطلب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وقرر رفع العقوبات عنه وأوكل صديقه توماس باراك بالملف السوري إضافة إلى مهمته كسفير أمريكا في تركيا.
كل ذلك من شأنه أن يساعد البلد على استعادة عافيته بعد أن حوَّل نظامُ الأسد بلدَه إلى عامل اضطراب وزعزعة للاستقرار وإرهاب لسنوات طويلة . فاليوم مع السلطات الجديدة بإمكان سوريا أن تعتمد على دعم كبير من الشقيقتين قطر والسعودية، وأهم الدول الغربية أمريكا وفرنسا مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا التي رفعت العقوبات عن سوريا رغم أن الغرب يرى حاليًا أن سوريا مع الشرع مزيج من الأمل مع كثير من الأسئلة حول التحديات والمخاوف التي يواجهها هذا البلد. فهي تحديات داخلية من بقايا النظام الماضي وفساده وإجرامه والتحدي الاقتصادي، والتحديات الخارجية والإقليمية .
فإسرائيل ترى بقلق دعم الإدارة الأمريكية ورفعها العقوبات عنه لأن إسرائيل لا تحبذ انتعاش ونهوض الدول المجاورة، لا سوريا ولا لبنان، والدليل أنها ما زالت تقصف وتدمر لبنان فقد اختارت قصف أربعة مبان فارغة في الضاحية الجنوبية في بيروت عشية عيد الأضحى المبارك للتهديد والضغط والتذكير بأنها المُخرب الأول في المنطقة. وإسرائيل قلقة من التأثير التركي في سوريا، وعلى الصعيد الاقتصادي فإن سوريا منهارة، حوالي 10 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر ورفع العقوبات من شأنه أن يساعد بشكل كبير لإعادة الإعمار، ودعم الاقتصاد.
إن الجانب الأمني أيضًا أساسي للنهوض إذ لا تزال التهديدات قائمة وخطيرة كتهديد إرهاب داعش والتهديدات المُرتبطة بالمقاتلين التابعين للنظام السابق. على الصعيد السياسي تم اتخاذ قرارات مُهمة كتشكيل الحكومة ووضع دستور مؤقت والخطوة المُستقبلية هي إنشاء البرلمان الذي ينتظره الغرب كخطوة إيجابية. لا شك أن جميع التحديات التي تواجهها سوريا الشرع -اليوم- كبرى وصعبة لكن الدعم الخارجي له من دول الخليج والغرب في طليعته الولايات المتحدة وباريس وألمانيا ضمانات لإنجاح الشرع وفريق عمله، بوجه التحديات الكبرى.
فنجاحه ليس فقط خبرًا جيدًا للشعب السوري أنه تمكن من التغلب على التحديات، لكنه خبر أيضًا جيدٌ لمصلحة الدول التي تستضيف النازحين السوريين الذين غادروا بالملايين إلى تركيا والأردن ولبنان. فهم أصبحوا عبئًا على دولة مثل لبنان التي تعاني من انهيار مالي إضافة إلى دمار نتيجة الحرب الإسرائيلية والفساد الذي أهلك الدولة والشعب اللبناني. فلبنان لم يعد يتحمل اقتصاديًا ولا اجتماعيًا النزوح السوري وقياداته تكرر باستمرار: "يجب عودتهم إلى بلدهم" علمًا بأن البعض غادر لكن في المقابل هناك نزوح جديد من الطائفة العلوية والمسيحيين إلى لبنان لأسباب أمنية واجتماعية.
فالمطلوب من الشرع أن يطمئن الطوائف الأخرى في سوريا من أنها لن تتعرض إلى جرائم انتقامية، وإن ضمان الأمن هو أول شرط للاستقرار. لكن في مثل هذه الظروف لا أحد يمكنه الاطمئنان إذا لم يتم إعادة بناء الدولة، خصوصًا قطاع العدل فيها لمحاكمة المجرمين والفساد. فأمام الشرع فرصة نجاح ولكن مع خطر وتهديدات مُختلفة ومساعدة قطر والسعودية وتركيا والإدارة الأمريكية وفرنسا ثمينة لنهوض سوريا مجددًا.
(الراية القطرية)