فلسطين مجدداً في الواجهة

جملة من الأحداث، أخذت مكانها بالأيام الأخيرة، أكدت حضور القضية الفلسطينية بقوة، في اهتمام المؤسسات الدولية. من ضمنها قرار لمجلس الأمن الدولي، بوقف حرب الإبادة الدائرة، منذ أكثر من سنة وثمانية شهور في قطاع غزة. وقد تزامن ذلك، مع تغيير لاسم أحد أشهر ميادين العاصمة النمساوية، فيينا من ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، إلى مسمى ساحة غزة.

من جهة أخرى، قررت منظمة العمل الدولية، بالإجماع في الثالث من هذا الشهر، رفع عضوية فلسطين، من حركة تحرر، إلى دولة مراقب، ورفع العلم الفلسطيني، في مؤسساتها. إن ذلك يمنح، من غير جدال، السلطة الفلسطينية، حقوقاً موسعة، بما في ذلك المشاركة في اجتماعات مجلس الإدارة والمؤتمرات الاقليمية واللجان الفنية، بما يتماشى مع مكانة فلسطين بالأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، مثل اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية.

إن هذه التطورات تعكس تصاعد عزلة إسرائيل، في المجتمع الدولي، وتأتي متماهية مع قرارات محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الخاصة بجرائم الحرب ضد الإنسانية. في مجلس الأمن الدولي، صوت جميع أعضاء المجلس، بما فيهم الأعضاء الدائمون، مطالبين إسرائيل، بوقف حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل، ضد سكان غزة، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، التي استخدمت "الفيتو"، حق النقض ضد القرار. الذريعة التي تعللت بها الإدارة الأمريكية، لاستخدام "الفيتو" ضد مشروع القرار الأممي، بزعم أن إسرائيل تدافع عن نفسها. ومثل هذا القول، يتناسى عن عمد التدمير الممنهج للقطاع، الذي طال أكثر من تسعين في المئة من مناطقه السكنية، وبنيته التحتية، بما في ذلك الكهرباء والماء والطرق، والصرف الصحي، والمستشفيات والمؤسسات الصحية والتعليمية.

لقد اعترف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سابقاً أن قطاع غزة، لم يعد صالحاً للسكن. وقد ذكر ذلك، في معرض دعوته لتهجير الفلسطينيين من القطاع إلى الدول المجاورة. وفاته أن يتساءل عن الأسباب الحقيقية لهذا التدمير، ومن يقف خلفه. ولا شك أن المواقف القومية الجماعية، للدول العربية، تجاه مخطط تهجير الفلسطينيين، وبشكل خاص السعودية ومصر والأردن، قد حالت دون تمكين ترامب من تنفيذ مشروعه.

إن وقوف الولايات المتحدة الأمريكية، بالضد من القرار الأممي بوقف حرب الإبادة، لا يغير من الواقع كثيراً. فقد عبّرمشروع القرار الأممي عن موقف أخلاقي واضح تجاه حرب الإبادة، واعتبرها جريمة حرب بحق الإنسانية. وجاء منسجماً مع جملة أخرى من القرارات التي فرضت العزلة على إسرائيل، كقرارات المحكمة الدولية، وقرار محكمة الجنايات الذي أمر باعتقال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. وقد أجبر ذلك المسؤولين الإسرائيليين، المطلوب اعتقالهم ومثولهم أمام المحكمة، إلى تغيير خط سير رحلاتهم الجوية، لتجنب ذلك.

القضية باختصار، تختزل، في الالتزام بالقوانين الدولية، وشرعة الأمم المتحدة، التي منحت الشعوب التي تقع تحت طائل الاحتلال، مقاومة المحتل، إلى أن تتمكن من تحقيق صبواتها في الحرية والاستقلال، وتقرير المصير. وهو حق ضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، منذ أكثر من قرن من الزمن. ولن يكون بمقدور غطرسة القوة، مهما كان جبروتها، تحدى إرادة الشعوب واعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

لقد قدم الفلسطينيون، تنازلات كبرى، لمصلحة نجاح عملية السلام، في فلسطين. وبموجب اتفاقية أوسلو، عام 1993، اعترف الإسرائيليون، بحتمية وجود دولتين على أرض فلسطين التاريخية: إسرائيل، بالأراضي التي استولى عليها اليهود في حرب النكبة، عام 1948، ودولة فلسطينية، بالضفة الغربية، وقطاع غزة. وقد شمل الاتفاق تأجيل قضيتي القدس الشرقية وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، للمرحلة النهائية من المفاوضات، التي كان من المفترض أن تجري عام 1997 بعد أربع سنوات من توقيع الاتفاقية. لكن ذلك بقي مؤجلاً حتى يومنا هذا بسبب تصاعد دور أحزاب اليمين الإسرائيلي، وقدرتها على الوصول باستمرار، لرئاسة الحكومة.

لقد صدر قراران أمميان عن مجلس الأمن الدولي، حملا رقمي 242,338، وكلاهما نصا على عدم شرعية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بالقوة. وقد ارتبط الأول، بنكسة حزيران/ يونيو عام 1967، والآخر، ارتبط بقرار وقف إطلاق النار بعد معركة العبور في تشرين/ أكتوبر عام 1973، لكن تطبيقهما ظل معلقاً، تجاه المسألة الفلسطينية حتى يومنا هذا. وإذا ما أخذنا بمبادئ الأمم المتحدة، وشرعة الكون، التي تكفل حق الأمم في مقاومة الاحتلال، بمختلف الوسائل، وتم ربط ذلك بالقرارين الأمميين، المشار إليهما، فإن هناك قاعدة عملية وأخلاقية، لتحشيد المجتمع الدولي، ومساندة الدول العربية مجتمعة، لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، فوق ترابهم الوطني.

ولن يكون تحقق ذلك ممكناً، إلا بمراجعة شاملة تجريها مختلف الفصائل الفلسطينية، واجتماعها تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، على قاعدة الحوار ورفض الإقصاء، والاحتكام للقرارات الدولية، وتحقيق الوحدة الفلسطينية، بما يسهم في تجريد إسرائيل، من مختلف الذرائع التي تتعلل بها، لاستمرار هجماتها الوحشية بحق الفلسطينيين، ليس في القطاع وحده، ولكن في جميع الأراضي المحتلة. وحين يجتمع الفلسطينيون، على كلمة حق، سيكون لذلك، دون شك، تأثير كبير في رفع وتيرة التضامن الدولي، على الصعيدين الشعبي، والرسمي، بما يسهم في تحقيق هدف الاستقلال، وإقامة دولة فلسطين، فوق ترابها الوطني.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن