الاجتماع كان في الكويت، وترأسه جاسم البديوي، أمين عام مجلس التعاون، وحضره وزراء خارجية دول الخليج الست، وكأنّه يقول إنّ مجلس التعاون يسعى في طريق الاتحاد بين أعضائه الى آخر ما يجب أن يذهب إليه، حتى وإنْ بدا أنّه متأخر بعض الشيء في هذا الذهاب.
فلقد أعلن البديوي أنّ التأشيرة الموحّدة بين الدول الست ربما يتمّ إنجازها قبل نهاية هذه السنة. وهذا خبر من الأخبار السارّة عربيًا وسط أخبار لا حصْر لها لا تسرّ أحدًا في أنحاء أرض العرب. فأينما تتلفّت لا تجد تقريبًا إلا ما يدعو إلى الحزن والأسى. ولكن الأمر لا يخلو مع ذلك من شيءٍ هنا أو هناك يبعث بعضًا من الأمل في نفوس الناس.
تأخُّر مجلس التعاون الخليجي في الذهاب إلى ما يتعيّن عليه أن يذهب إليه ليس في صالح دوله
صحيح أن التأشيرة الموحّدة خطوة انتهى إليها الاتحاد الأوروبي بين أعضائه ولم يجعلها في البداية، ولكن لا مشكلة في أن يقدّمها مجلس التعاون الخليجي على سواها من الخطوات التي من الأفضل أن تسبقها. فالمهمّ أن ترى هذه التأشيرة النور في المدى الزمني الذي حدّده الأمين العام للمجلس وهو يتحدّث أمام الاجتماع الوزاري.
والغالب أنّ التأشيرة الخليجية الموحّدة سترى النور في القريب، وإذا لم تتيسّر عند آخر هذه السنة، فمن الممكن أن تتمّ في السنة المقبلة، لأنّ ما يعيشه العالم من حولنا، وما تعيشه المنطقة من وراء العالم، يقول إنّ تأخُّر المجلس في الذهاب إلى ما يتعيّن عليه أن يذهب إليه بهذا الشأن، ليس في صالح الدول الأعضاء مجتمعة، وبالطبع ليس في صالح كلّ دولة منها على حدة.
نحن نذكر أنّ اقتراحًا استقبله المجلس في 2009 بإنشاء خطّ سكة حديد يربط الدول الأعضاء الستّ، بدءًا من الكويت في الشمال، وانتهاءً بسلطنة عُمان في الجنوب، ومرورًا بالمملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات، وقطر، لولا أنّ هذا الخط بقي فكرةً لم يتحقّق منها شيء. بقي مجرّد فكرة على الرَّغم من أنّ التصوّر فيه كان واضحًا كما يظهر لنا من التفاصيل المعلنة عند طرح الاقتراح لأوّل مرة قبل 16 عامًا، وعلى الرَّغم من أنّ الكلام يتكرّر عنه كلما جاء مايو/أيار من كل سنة، لأنّ مايو كان هو الشهر الذي شهد خروج الاتحاد إلى النور.
لأنّ مجلس التعاون قام في الأصل على قاعدة المصالح المشتركة فإنّ هذا هو ما حفظ له أن ينهض
لقد قيل إنّ خط السكة الحديد المقترح سيمتدّ بطول 2177 كيلومترًا، وإنّ تكلفته تصل إلى نحو 250 مليار دولار. وعلى الرَّغم من ضخامة المبلغ المطلوب، إلّا أنّه عند توزيعه بين الدول السّت لا يكاد يُمثّل أيّ شيء، والغالب أنّ التكلفة لم تكن هي العقبة التي وقفت في طريقه، ثم الغالب أيضًا أنّ العقبة كانت سياسية الطّابع لا اقتصادية.
لقد جاء وقتٌ وقعت فيه قطيعة بين قطر من ناحية، وبين عددٍ من دول المجلس من ناحيةٍ ثانيةٍ، وتردّدت مخاوف وقتها عن أنّ القطيعة التي دامت سنوات يمكن أن تُلقي بظلالها على المجلس نفسِه، وعلى قدرته على أن يتماسك ويصمُد، بل وحتى على قدرته على أن يبقى. كانت مخاوف حقيقية لأنها أظهرت المجلس غير قادرٍ على احتواء خلافٍ عابرٍ بين عددٍ من الدول الأعضاء.
ولا بدّ أنّنا نذكر أنّ الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت السابق، كان قد آلمه أن يكون هذا هو حال المجلس الذي تتمتّع الكويت بعضويته، فقام بعددٍ من الجولات المكّوكية بين أطراف الخلاف، وعندما انتهى الخلاف فإنّ انتهاءه لم يكن يخلو من بصمات الشيخ صباح.
الانتهاء من التأشيرة الموحّدة ربّما يُحرّض على عمل يسعى لتشكيل كيانات اتحادية عربية أخرى
لقد كان الرّجل يتمتّع بحسٍّ عروبيّ قوميّ جعله يواصل مسعاه ولا ييأس، وعلى الرَّغم من أنّه كان وقتها في سنٍ متقدمة، إلّا أنّ السن المتقدّمة لم تؤثر بشيء على رغبته بإنهاء قطيعةٍ ما كان لها في الأصل أن تتمّ أو تقع. ولولا مسعاه لربما كان عقد المجلس قد انفرط، ولربما كان كيانٌ اتحاديٌ عربيٌ مثلُه قد أصبح شيئًا من الماضي. ولكن لأنّ المجلس قام في الأصل على قاعدة المصالح المشتركة بين الدول الأعضاء، ثم بينها وبين بقية الدول في المنطقة وفي العالم، فإنّ هذا هو ما حفظ له أن ينهض محتوِيًا أزمة القطيعة وعابرًا إياها إلى ما بعدها على الطريق.
ولا بدّ أنّ نبأ التأشيرة الموحّدة المرتقبة دليل على ذلك، كما لا بدّ أن الانتهاء منها ربّما يُحرّض دولًا عربية أخرى على أن تغار منها، وأن تترجم غيرتها إلى عملٍ يسعى لتشكيل كيانات اتحادية عربية أخرى، فتكون نواةً لتجربةٍ من العمل المشترك أكبر وأوسع بين عواصم العرب.
(خاص "عروبة 22")