صحافة

"المشهد اليوم"…التوتر الايراني - الاميركي في ذروته وترّقب للمفاوضاتاعتداءات "اليونيفيل" تتصدّر المشهد اللبناني ونتنياهو يسعى لـ "مفاوضات سلام" مع سوريا

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يطلع على نماذج من أجهزة الطرد المركزي في معرض للبرنامج النووي الشهر الماضي (الرئاسة الإيرانية)

كل المعطيات حتى الساعة تشي بأن الاتفاق الايراني - الأميركي قد دخل في مرحلة حاسمة وشديدة التعقيد، لاسيما أن العقبة الرئيسية أمام التوصل الى صفقة لا تزال في المربع الاول مع تعنّت كلا البلدين في مواقفهما المتعلقة بمسألة تخصيب اليورانيوم، الى جانب التحريض الاسرائيلي الذي لا يوفر اي فرصة من أجل ابداء الاستعداد لتوجيه ضربات عسكرية الى طهران ومنشآتها النووية. وعلى الرغم من المحاولات الاميركية المستمرة للّجم اندفاعة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، الا ان خواتيم الامور مرتبطة بقدرة الوسطاء على تقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران وردم الهوة.

وهذه الوساطات، تشمل الى جانب سلطنة عُمان روسيا التي دخلت على الخط لما تملكه من علاقات. ويكمن التحدي الحقيقي بإقناع طهران بضرورة "تليين" مواقفها ازاء التمسك الاميركي بالشروط القاضية بمنعها من امتلاك سلاح نووي من خلال تخصيب اليورانيوم، وهو ما يعتبره النظام الايراني حقًا وطنيًا ويرفض كل محاولات المساومة عليه أو التخلي عنه. وعليه تقف ايران، حكومة وشعبًا، أمام منعطفات مفصلية، فإما ان تهادن وتخفف من حجم الضغوط الاقتصادية والمعيشية التي تخنق سكانها نتيجة العقوبات المتواصلة وإما أن تعلي سقف المواجهة وتدخل المنطقة برمتها في مرحلة الخطر والتهيّب من حرب لن تستثني أحد.

فدوافع الحرب موجودة وتتعاظم يومًا بعد يوم نتيجة المخططات الاسرائيلية التوسعية والدعم الاميركي اللامتناهي سواء عبر حرب غزة، التي تفشل حتى الساعة كل المقترحات وجولات المفاوضات بالتوصل الى هدنة ما، او في الضفة الغربية النموذج الحقيقي لمشاريع الاستيطان والتغيير الديمغرافي، ولبنان حيث اعتداءات قوات الاحتلال تشهد المزيد من التصعيد الميداني وسط اتهامات للبنان بالتقاعس عن حل مسألة سلاح "حزب الله" وصولًا للغارات المستمرة على اليمن والتهديد بفرض حصار جوي وبري عليها. هذه المستجدات تجعل الشرق الاوسط في مرحلة "الغليان" وتدفع نحو سيناريوهات عدة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب بأن إدارته تقوم بنقل موظفين أميركيين من الشرق الأوسط لأنه قد يكون مكانًا "خطرًا" في ظل التوترات الراهنة مع ايران.

كلام ترامب عن اجراءات الاخلاء الاحترازية جاء بالتزامن مع منح وزير الدفاع بيت هيغسيث أذنًا بالمغادرة الطوعية لأفراد أسر العسكريين الأميركيين من مواقع في أنحاء الشرق الأوسط. فيما قال مسؤول أمني عراقي ومصدر أميركي، في وقت سابق اليوم، إن السفارة الأميركية في بغداد تستعد لإخلاء منظَّم نظرًا لتزايد المخاطر الأمنية في المنطقة. وتأتي هذه الخطوات المتسارعة مع تهديد وزير الدفاع الإيراني، عزيز ناصر زاده، باستهداف القواعد الأميركية في المنطقة، إذا فشلت المحادثات النووية أو اندلع صراع مع واشنطن. في حين أعلن قائد "الحرس الثوري" حسين سلامي أن القوات البحرية الإيرانية على أهبة الاستعداد القتالي للردّ على أي تهديد والتعامل مع أي سيناريو، مشددًا على ان بلاده "تبذل جهودًا جادة للحفاظ على مصالحها الإقليمية والبحرية".

من جهتها، سارعت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية الى التحذير من أن "تصاعد التوترات في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى تصعيد النشاط العسكري مما يؤثر بشكل مباشر على العمليات البحرية"، داعية السفن الى اتباع كل معايير الحذر عند المرور عبر الخليج وخليج عُمان ومضيق هرمز. الى ذلك، تتوجه الانظار الى الجولة السادسة من المباحثات الايرانية - الاميركية بوساطة عُمانية، والتي من المتوقع أن تُعقد هذا الاسبوع، وما سيرشح عنها من معطيات ووقائع. وتنتظر اسرائيل فشل هذه المفاوضات وتتحين اللحظة المواتية منذ العام 2009 من اجل توجيه ضربة عسكرية على إيران، خاصة بعد تراجع نفوذها الاقليمي واضعاف أذرعها في المنطقة، ولاسيما "حزب الله".

ومنذ بدء التفاوض الايراني - الاميركي دفع الرئيس ترامب نحو الحلول الديبلوماسية رغم وضعه التهديد العسكري على الطاولة، ولكن رفع وتيرة التهديدات بهذا الشكل يمكن وضعه في اطار الضغوط المكثفة التي تمارسها الادارة الاميركية على ايران لدفعها نحو القبول بالعرض الأميركي المقدم على طاولة المفاوضات. في سياق متصل، عبّرت الدول الغربية عن قلق متزايد من تطور البرنامج النووي الإيراني، في اجتماع مجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" الذي عُقد في فيينا، على ضوء تقرير المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، الذي سلّط الضوء على استمرار تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%. وكانت جلسات مجلس المحافظين التابع للوكالة أجرت مداولات حثيثة بشأن اعتماد مشروع قرار "يوبخ" طهران ويعيد طرح ملفها على مجلس الأمن.

في سياق منفصل، فشلت المعارضة في تمرير مشروع قانون حل البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بعدما صوت 61 عضوًا ضد المشروع غداة التوصل إلى اتفاقات مبدئية حول قانون التجنيد الإجباري لأحزاب "الحريديم". وكانت هذه الخطوة ستسهم في اجراء انتخابات مبكرة يمكن أن تنهي حكم نتنياهو الذي حاول في شتى السبل والطرق منع حل البرلمان خاصة ان الانتقادات الداخلية له بدأت تتعاظم نتيجة فشله في تحقيق الأهداف التي اعلن عنها منذ بدء الحرب على غزة قبل اكثر من 20 شهرًا، وعلى رأسها اطلاق سراح المحتجزين لدى "حماس". ويفاضل رئيس الوزراء الاسرائيلي بين بقائه في السلطة وبين حياة الرهائن الذين باتوا "كبش فداء" بحسب عائلاتهم التي ما انفكت من توجيه اصابع الاتهام له بالمماطلة والتسويف.

وفيما تتعالى الاصوات الداعية الى ابرام صفقة فورًا وانهاء الحرب، تسير المعركة العسكرية في اتجاه أخر نتيجة التصعيد المستمر والغارات المكثفة وتوسيع نطاق السيطرة على أراضٍ في القطاع وذلك على وقع التجويع الممنهج و"تقطير" ادخال المساعدات الانسانية التي تحولت الى "كمين" اسرائيلي جديد حيث تعمد قوات الاحتلال الى فتح النار بشكل مباشر على طوابير "المجوَعين"، فيما اتهمت "مؤسسة غزة الانسانية"، التي تشرف على التوزيع والمدعومة أميركيًا، مسلحين من حركة "حماس" بمهاجمة حافلة أمس الأربعاء تقل فلسطينيين يعملون مع المؤسسة، ما أسفر عن مقتل خمسة على الأقل وإصابة آخرين. وتنتشر اساليب السرقة والفوضى في القطاع، والتي تغذيها اسرائيل من خلال توفير الدعم لميليشيات وعناصر فلسطينية مناوئة لحركة "حماس" والسلطة الفلسطينية، وهذا ما يعمّق معاناة الفلسطينيين الذين يعانون الأمرين فيما تفشل المفاوضات في التوصل الى هدنة ينادي بها سكان القطاع لوقف حمام الدم المستمر منذ 7 تشرين الاول/ أكتوبر 2023.

ويأتي هذا في وقت تتزايد فيه الاصوات المطالبة بكسر الحصار المفروض على غزة، فبعد سفينة "مادلين" التي فشلت في مهمتها الانسانية، تتحضر "قافلة الصمود" للقيام بالامر عينه بعدما انطلقت برًا من الجزائر وتونس بهدف الوصول إلى معبر رفح. وتضم القافلة، التي دخلت الأراضي الليبية أمس، نحو 20 حافلة و350 سيارة تقل أكثر من 1500 من المتضامنين مع غزة. بدورها علّقت وزارة الخارجية المصرية على هذه المبادرة بالترحيب "بكل الجهود الدولية الداعمة للقضية الفلسطينية"، لكنها اشترطت "الحصول على موافقات مسبقة لتنظيم زيارات للحدود المحاذية لغزة، فضلًا عن ضرورة الحصول على تأشيرات لدخول مصر أولًا". واذ لا يتوقع أن تصل هذه القافلة الى وجهتها، تسلّط هذه المبادرات والتحركات الضوء على الاجرام الاسرائيلي الذي يستخدم التجويع كسلاح أساسي في حرب الابادة التي يشنها ضد الفلسطينيين بهدف تهجيرهم من أرضهم.

لبنانيًا، تستمر حوادث التعرض لقوات "اليونيفيل" في تصدّر المشهد السياسي خاصة انها تتزامن مع رغبة اميركية - اسرائيلية بإنهاء مهامها. وتتعرض هذه القوات الاممية لضغوط متزايدة من جانب تل أبيب التي تتهمها بعدم القيام بالمهام المنوطة بها، كما من جانب "حزب الله" الذي يتستر خلف الاهالي والتحركات الشعبية في عدد من البلدات الجنوبية ويدعو الى انهاء عمل لجنة الاشراف على وقف اطلاق النار. ويلتزم الحزب، حتى الساعة، "سياسة الصبر" وعدم الرد على الاعتداءات الاسرائيلية المتفاقمة ويضع الكرة في ملعب الحكومة اللبنانية، التي تبدو عاجزة عن ردّ العدوان. هذا وكان قتل شخص واصيب ثلاثة اخرون نتيجة غارة من مسيّرة اسرائيلية على بلدة بيت ليف قضاء بنت جبيل.

أما سوريا، فليست بعيدة عما يجري من حولها في المنطقة، فبحسب موقع "اكسيوس" فقد طالب نتنياهو من المبعوث الأميركي لسوريا توماس براك، توسط الولايات المتحدة في مفاوضات سلام مع دمشق. بينما صرح مسؤول إسرائيلي كبير بأن نتنياهو يرغب في التوصل إلى مجموعة من الاتفاقيات، بدءًا باتفاقية أمنية مُحدّثة تستند إلى اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، مع بعض التعديلات، وانتهاءً باتفاقية سلام بين البلدين. ومنذ سقوط نظام بشار الاسد، تشهد سوريا على الانتهاكات الاسرائيلية ومحاولات التوغل البري وتوسيع المنطقة العازلة في ظل ادانات رسمية مع التأكيد على عدم رغبتها في الدخول بأتون حرب بينما تولي الاهتمام للداخل وفرض الامن وتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية.

في جولة اليوم الصباحية على الصحف العربية نرصد أبرز العناوين والتحليلات:

اعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن "الدول الغربية بدأت تعي مخاطر السياسة الإسرائيلية، وتتخذ خطوات تدريجية باتجاه تصحيح سياساتها التقليدية المؤيدة لإسرائيل، من خلال إجراءات سياسية واقتصادية عقابية ضدها"، واصفة هذا التحرك في مواجهة حرب الإبادة بأنه "أول الغيث من أجل التخلي عن ازدواجية المعايير، وتصويب البوصلة باتجاه تصحيح خطأ تاريخي لمصلحة الحق والعدالة والقانون الدولي الإنساني".

وأشارت صحيفة "الوطن" القطرية الى أن "القضية الفلسطينية وجريمة غزة تحولتا إلى قطب الصراع السياسي داخل فرنسا بين اليمين واليسار وصارت تستقطب كل الخطاب السياسي والإعلامي بشكل جعل السلطة السياسية في موقف حرج أمام تغول اللوبي الصهيوني من جهة وعدالة القضية الفلسطينية من جهة ثانية"، لكنها لفتت الى أن "الغائب الأكبر تقريبًا عن هذا الصراع هو المكوّن العربي الإسلامي في فرنسا، فرغم عدد المسلمين والعرب الذي يتجاوز عدة ملايين فإنهم ظلوا كما كانوا دائمًا عاجزين عن تشكيل قوة ضغط سياسي واجتماعي مناصرة لقضاياهم"، بحسب قولها.

صحيفة "الراية" القطرية، من جانبها، دعت العالم اجمع الى "ان يجبر الاحتلال الوحشي الدموي على إيقاف جرائمه وحرب الإبادة التي يقوم بها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يتعرض لأبشع حرب تصفية عرقية عرفها التاريخ منذ أكتوبر 2023". وقالت "اسرائيل تعرف ان العدوان على القطاع لن يؤدي لتحرير الاسرى ما لم يكن هناك اتفاق سياسي يوقف إطلاق النار ويسمح بتبادل للأسرى والسجناء، ،كما ان تعنت الحكومة الإسرائيلية وعرقلتها للمفاوضات بوضع شروط تعجيزية لن تساهم ابدا في تحرير الاسرى".

وفي الموضوع عينه، رأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "إسرائيل تدرك جيدًا خطورة فرض عقوبات بريطانية على وزرائها وما يمكن أن يمثله من حافز لآخرين لاتخاذ الموقف نفسه". وأردفت "ليس سهلا على الحكومة البريطانية إغضاب "بلفور" في مرقده كونه صاحب الوعد الذي بموجبه أنشئت إسرائيل. وليس سهلًا على إسرائيل إغضاب أحفاد بلفور برد متهور ليس فقط لقرارهم فرض عقوبات على وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ولكن، وذلك هو الأهم أن سبب فرض تلك العقوبات، هو تحريضهما على العنف ضد الفلسطينيين".

وأدانت صحيفة "الوطن" العُمانية ما يجري في غزة والذي "تجاوز كل احتمالات التحليل السياسي، ووصل إلى منزلق سحيق من الإجرام الفجِّ الممنهج. فهذا الاحتلال بات يصنع تفجير الأوضاع في كل بلدة وقرية ومخيم؛ غزة تنهار تحت وطأة القصف، والضفة تُسحق تحت أقدام المستعمِرِين". واضافت "أن يُترك رئيس حكومة متهم بارتكاب جرائم حرب يصول ويجول في العواصم وكأنه رجل دولة محترم (في اشارة الى نتنياهو)، هو إهانة للعدالة قبل أن يكون دعمًا للقتل..".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن