تتعامل إسرائيل مع المؤتمر المرتقب التي دعت إليه الأمم المتحدة، وبرئاسة فرنسا والسعودية، والذي سينعقد في 17 يوينو الجاري في نيويورك في الأمم المتحدة، انطلاقاً من ثوابتها الراهنة في التعامل مع التطورات الفلسطينية. إسرائيل تتعامل دون إنصات أو استماع إلى المطالبة بالدخول في مقايضة محددة، وترفض التركيز على فكرة القبول بدولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية، مقابل إتمام التطبيع مع الدول العربية والإسلامية في صفقة شاملة، وعلى غرار ما طُرح سابقاً في المبادرة العربية التي سبق، أن طُرحت في القمة العربية منذ سنوات، وظلّ المشروع العربي الوحيد المقدم لإسرائيل للتعامل.
الملاحظ أن الجهد الفرنسي والعربي يمضي في سياق ضرورة استثمار مؤتمر حل الدولتين للانخراط في عمل شامل وتسوية حقيقية، وعدم الانتظار لمزيد من الاحتقان والتوتر، والذي سيؤدي إلى مزيد من الارتدادات على أمن الشرق الأوسط، وإلى مزيد من المواجهات العسكرية، التي لا تزال مندلعة، حيث لم يتم وقف إطلاق النار، ولم يتم التوصل لاتفاق محدّد، وظلّت الأمور تمضي في سياقات مرحلية وتدريجية، بل وتتعثر نتيجة للسلوك الإسرائيلي القائم على استخدام القوة العسكرية للحسم في ظل شروط واضحة لإسرائيل بعدم وجود لا لحركة "حماس" في قطاع غزة مع استمرار أعمال الاقتحامات، واستئناف تشييد مستوطنات جديدة في إطار اتفاق تم بين مكونات الائتلاف الحاكم.
وكل التفاصيل تشير بقوة إلى استمرار التباين والاختلاف بين الرؤيتين العربية والإسرائيلية، إضافة للمقاربة الأميركية التي تعمل على التوصل لحلول جزئية، كما اتضح من مواقف المبعوث الأميركي ستيف وتكوف. هذه الأجواء التي سيعمل عليها مؤتمر حل الدولتين، والسعي إلى فرض حل نهائي، يراها الجانب الإسرائيلي جهداً ضائعاً لا معنى له من خلال تصريحات قيادات الدولة، ورؤساء الأحزاب والذين يرون أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من أي دولة سيكون اعترافاً شكلياً أو حبراً على ورق ما يؤكد أن إسرائيل لن تقبل بالفعل التعامل مع فعاليات المؤتمر، وسترفض الاعتراف بمخرجاته من الآن.
وقد سبق أن قامت فرنسا بإفشال مؤتمر باريس لسلام الشرق الأوسط، بل وعطلت عن عمد العمل على "مؤتمر باريس 2"، والتي حاولت فرنسا العمل على تلافي سلبيات ما جري في "باريس 1" الأمر، الذي يعني أن الحكومة الإسرائيلية التي تسعى إلى التعامل مع واقع راهن في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان لن تقبل بالتعامل مع مؤتمر دولي يحاصر السياسة الإسرائيلية الراهنة، أو يحاول الحصول علي تنازلات مسبقة، خاصة أن الموقف الإسرائيلي يتماهى، وعن قرب مع الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل ما برز في مجلس الأمن بصرف النظر عن أية تباينات في الرؤية بين الجانبين في التعامل العسكري الراهن تحديداً في غزة.
في هذا السياق يجب التأكيد على أن إسرائيل لم يسبق لها أن طرحت رؤية أو مقاربة للحل أو التسوية وأن ما جرى في أوسلو -وفي ظل واقع مختلف وقتها في إسرائيل- لا يمكن أن يتكرر لاعتبارات متعلقة بالداخل الإسرائيلي، وتأهب الدولة العبرية بأكملها للتعامل من منطق رفض الآخر تماماً، وعدم التعامل معه، بل والاتجاه إلى اتباع استراتيجية الحسم، حيث بدأ تنفيذ مخطط التهجير على الأرض، والعمل على فتح كل المسارات في ظل الإمعان في تكريس استراتيجية الأمر الواقع، وتكثيف العمل العسكري لتغيير المكون الديمغرافي، خاصة أن الحكومة الإسرائيلية بكل مكوناتها ترى أنه لا وقت لإدارة الصراع، وأن الوقت الراهن للحسم، وإنهاء الصراع بحل إسرائيلي على كل الأطراف.
وهو ما برز في تنامي النزعة العسكرية بصورة كبيرة، ما يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية لن تقبل أي طرح سواء في مؤتمر "حل الدولتين" أو خارجه، وهذا غير واقعي، ولن يتم بل وسيكون السلوك الإسرائيلي في التعامل قائماً على الرفض بل والتهديد بالتصعيد في مواجهة الدول الأوروبية، والتي تتعامل انطلاقاً من قيم سياسية وليبرالية أكثر منها اتخاذ مواقف حادة أو مباشرة، كما يمكن تفهم السلوك الأوروبي تجاه الشرق الأوسط ضمن باقة قضايا أخري متعلقة بنمط العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل وحلف الناتو والأمن الأوروبي، ومسألة مفاوضات أوكرانيا والمفاوضات مع ايران، وفي إطار تخوفات أوروبية من نهج الرئيس ترامب القائم على فكرة أن على الأوروبيين أن يدفعوا ثمن الدفاع عن أنفسهم.
ومن ثمَّ فإن رد الفعل الإسرائيلي لن يكون خارج سياق ما يجري، وفي ظل مسعاها لتطويق أية مخطط لمحاصرتها دولياً، ومثلما تعاملت مع تحركات الدول الأوروبية في محكمة العدل الدولية وملاحقات الجنائية الدولية، ما يؤكد أن إسرائيل ستظل تبحث عن خياراتها انطلاقاً من حساباتها الأمنية والعسكرية في المقام الأول، ودون استماع أو إنصات للتفاوض على المصالح المشتركة مع رفضها أي تفاوض نهائي في ظل الواقع الراهن.
وبالتالي فإن الرهان على أن الحكومة الإسرائيلية ربما تنحني للعاصفة لكي تمر لن يحدث، بل ستعمل على شيطنة السلوك الأوروبي، ورفض ما قد يصدر من إجراءات، أو توصيات في هذا التوقيت لاعتبارات متعلقة بأمنها في المديين المتوسط والطويل الأجل، وستعمل مع إدارة الرئيس ترامب من أجل التأكيد على أن أي تسوية أو حل مطروح يأتي خارج السياق الراهن سياسياً أو استراتيجياً لا يمكن قبوله، إلا بعد أن تحقق إسرائيل أهدافها المخطط لها.
(الاتحاد الإماراتية)