صحافة

العدوان الإسرائيلي ضدّ إيران: خمسة أبعاد ومعادلة واحدة

صبحي حديدي

المشاركة
العدوان الإسرائيلي ضدّ إيران: خمسة أبعاد ومعادلة واحدة

لا يصحّ، إنسانياً في مستوى أوّل وأخلاقياً في استقراء تالٍ، ملامة مواطنة أو مواطن سوري، فُجع بعزيز أو بمسكن أو ببلدة جراء الانخراط العسكري الإيراني لصالح نظام آل الأسد، إذا غمرته مشاعر الابتهاج الشخصي، أو أحاسيس إنزال عقابٍ من طراز ما؛ عند استقبال أنباء تفيد بمقتل أو إصابة عدد من كبار رموز النظام الإيراني، أمثال حسين سلامي ومحمد باقري وعلي شمخاني.

بُعد ثانٍ لهذه المعادلة يبيح للسورية والسوري، ذاتهما، أن يدينا بلا تحفظ العدوانَ الإسرائيلي الأخير ضدّ منشآت صناعية وتكنولوجية تخصّ الشعب الإيراني قبل أن تكون ملكية لآيات الله وأجهزة الاستخبارات وضباط "الحرس الثوري". ويتيح التضامن، من باب اليقين بخسران علمي ووطني للشعوب قبل الحكام، إزاء مقتل علماء في الذرّة أمثال فريدون عباس دوائي ومحمد مهدي طهرانجي وأحمد رضا ذو الفقاري.

بُعد ثالث يتمثل في أنّ روحية المعادلة قد لا تبدو مختلة إلا عند سورية أو سوريّ يعتمد المبدأ الشهير (الأشدّ اختلالاً)، القائل بأنّ عدوّ عدوي صديقي بالضرورة؛ فكيف إذا كان المعنيّ بالعلاقة التبادلية ليس سوى الكيان الصهيوني إياه: دولة الاحتلال والاستيطان والعنصرية؟ هذه التي لا تواصل احتلال مساحات واسعة من الجولان السوري والاستيطان فيه فقط، بل اتخذ أحد أبرز ردودها على انحلال نظام "الحركة التصحيحية" منحى التوغل داخل مناطق سورية وقصف المواقع وخطف الأفراد.

بُعد رابع هو أنّ قياسات مماثلة يمكن أن تسري على قراءات لبنانية أو عراقية أو يمنية، أو حتى سعودية وإماراتية وكويتية وبحرانية، كان لنظام آيات الله تدخلات مباشرة أو غير مباشرة في إفساد معمارها الوطني، أو "تصدير الثورة" والعسكر والميليشيات المذهبية إلى بلدانها، أو احتلال جُزُر تحت سيادتها، أو الزعم بأنها "محافظات" تابعة للوليّ الفقيه.

وبُعد خامس، ضمن مبدأ أعرض هو التمييز بين الشعب والنظام والمحكوم والحاكم، تفضي إلى قراءة البرنامج النووي الإيراني من زاوية أولى مشروعة، على صلة بحقّ الشعوب في التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية؛ ومن زاوية ثانية، هي (رغم فتوى الإمام الخميني بتحريم إنتاج القنبلة النووية!) ، مطامع آيات الله في امتلاك شوكة الردع الذريّ؛ ومن زاوية ثالثة، هي كيل نادي القوى النووية الغربية (ودولة الاحتلال ضمنها، بالطبع) بمكيالين: حلال لهم، وحرام على سواهم.

وفي يقين هذه السطور كان مقدّراً للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الـ 5+1 أن يسير لصالح الشعب الإيراني في المقام الأوّل، قبل النظام عموماً ومؤسسة ولاية الفقيه خصوصاً، لأنّ بعض بنوده رفعت عن كاهل المواطن الإيراني العادي أثقال سنوات طويلة من عقوبات اقتصادية واصلت ــ على غرار سائر هذا الطراز من "العقوبات" ــ الإضرار بالمحكوم وليس الحاكم. كما أنّ المليارات التي أُنفقت على الجوانب العسكرية من البرنامج النووي انتظر المواطن المعذّب نفسه أن تُنفق على تشييد مشافٍ ومدارس ومعامل وبنى تحتية…

صحيح أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الذي نقض اتفاقاً سهر على إبرامه سلفُه باراك أوباما، ولكن الصحيح المكمّل هو أنّ نظام آيات الله نقض الاتفاق على طريقته أيضاً؛ سواء بعدم توظيف ثماره في خدمة التنمية وحاجات الشعب الإيراني، أو في تبديد المليارات لمساندة أذرع ولاية الفقيه في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

كذلك فإنّ السنوات الثلاث التي انقضت بين توقيع الاتفاق وانسحاب واشنطن منه لم تسجّل في إيران تطورات ملموسة، من أيّ نوع في الواقع، على مآلات الإصلاح وحقوق الإنسان؛ بقدر ما بقيت الأوضاع على حالها، أو ازدادت سوءاً في ميادين عديدة. وبذلك فإنّ الضحية الأولى للعدوان الإسرائيلي الراهن هو المواطن الإيراني، أولاً وثانياً وعاشراً؛ وهذا اعتبار أوّل جوهري، يستوجب التضامن معه.

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن