صحافة

"المشهد اليوم"...الحرب الايرانيّة - الإسرائيليّة تتسع ومجازر غزّة مستمرةنتنياهو يتعهد بـ"تغيير الشرق الأوسط" وألمانيا تنتصر لضحايا الأسد

من آثار الدمار في اسرائيل والناتج عن الصواريخ الايرانية (وكالات)

لا يفوت رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أي فرصة إلا ويُبشر بـ"الشرق الأوسط الجديد"، طارحًا نفسه كمخلّص للبشرية ضد ما يسميه "محور الارهاب". ففي غضون أسبوع واحد فقط، وسعت اسرائيل من عملياتها العسكرية واستهدفت عدة جبهات من غزّة الى الضفة الغربية وصولًا الى لبنان وسوريا واليمن والآن ايران. ما يعني أن المنطقة يُعاد رسمها وفق مصالح اسرائيلية - اميركية وسط مخاوف حقيقية من اتساع رقعة الحرب في المستقبل القريب لتشمل جبهات جديدة خارج ما يتم قصفه حاليًا.

وتقف واشنطن في هذه المعارك الى جانب اسرائيل، حيث لطالما كانت في "نفس الخندق" انطلاقًا من التزامها التاريخي بدعم تل أبيب وحقها في الدفاع عن نفسها. ومن هنا يأتي الدعم عبر صفقات الاسلحة المتطورة واستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي ضد اي قرار ينتقد اسرائيل بالتزامن مع غض النظر عن مجازر تل أبيب وتجاوزاتها في المنطقة رغم ان الرئيس دونالد ترامب كان قد وعد بارساء "السلام" ووقف الحروب. ولكنه، حتى اللحظة، فشل في اطفاء حربي غزّة وأوكرانيا بل وسع دائرة القتال لتشمل ايران ومنشآتها النووية. ويعتمد ترامب سياسة تقوم على حشر الطرف الاخر ومحاصرته الى حين دفعه نحو توقيع اتفاق جديد يتماشى مع المصالح الاميركية، تمامًا كما حصل في اليمن، حيث فرض معركة عسكرية "مباغتة" خلصت بشكل مفاجىء الى وقف عمليات الحوثيين ضد السفن الاميركية.

هذا تمامًا ما يحصل في ايران اليوم، فبعد فشل مهلة الشهرين التي حددها للمسار التفاوضي الديبلوماسي اعطى "الضوء الاخضر" لنتنياهو لشنّ ضربات عسكرية ضد طهران لاخضاعها ودفعها للعودة الى طاولة المفاوضات ولكن وفق الشروط الخاصة به والتي تضمن أمن اسرائيل ومصالحها. ومن هنا يمكن فهم تصريحه الاخير الذي أعرب فيه عن ثقته "العارمة" في أن إيران ستوقّع في نهاية المطاف اتفاقًا بشأن برنامجها النووي، داعيًا طهران الى اجراء محادثات فورًا "قبل فوات الآوان"، مؤكدًا انها "لن تربح هذه الحرب". كما بدا لافتًا دعوته الايرانيين الى مغادرة العاصمة طهران دون تقديم المزيد من التفاصيل حول الاسباب الكامنة خلف هذا التحذير. ويعيش في طهران ما يزيد عن 10 ملايين شخص في وقت يواجه فيه النظام الإيراني معضلة عدم وجود ملاجىء آمنة تحمي السكان من الضربات الاسرائيلية وهذا ما يؤدي الى ارتفاع الخسائر البشرية بين المدنيين ويجعل المعركة "غير متكافئة" لجهة تحصّن الاسرائيليين بأماكن آمنة تحت الارض.

اما بالنسبة الى اليوم الرابع من الحرب المستمرة بين اسرائيل وايران، فقد شهدت على مزيد من التصعيد بعدما تسببت غارة جوية اسرائيلية بمقتل عدد من العاملين في التلفزيون الرسمي الايراني والتسبب بخسائر جسيمة. وحاولت طهران التأكيد بأن "صوتها لن يخفت" عقب اعلانها، بعد وقت قصير، بمعاودة البث المباشر. ويأتي هذا الاستهداف بعد ساعات من تهديد وزير الدفاع يسرائيل كاتس بتدمير المبنى الذي وصفه بأنه "بوق الدعاية والتحريض الايراني"، وذلك في اعقاب إنذارًا لسكان "المنطقة 3" بالعاصمة الإيرانية لإخلائها. كما شنّت المقاتلات الاسرائيلية عدة غارات على أهداف عسكرية وحيوية إيرانية مختلفة في وسط ايران وغربها، فيما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن تل أبيب بحاجة إلى قرار من الرئيس ترامب بمساعدتها في تدمير منشأة فوردو النووية.

وتمثل هذه المنشأة أهمية قصوى لانها مُحصنة بشكل كبير تحت الارض وتملك الولايات المتحدة وحدها المقدرات العسكرية التي يمكن ان تسهم في الحاق الضرر بها. وتحاول ايران، التي فرضت عليها هذه المعركة، الى خلق نوعًا من التوازن العسكري حيث أطلقت دفعات صاروخية أدت الى انفجارات متتالية في تل أبيب ومنطقة وسط اسرائيل، كما أعلنت عن قصفها بالصواريخ والمُسيرات مواقع إنتاج وقود الطائرات المقاتلة وإمدادات الطاقة الإسرائيلية. من جهته، أعلن "الحرس الثوري الإيراني" تنفيذ الموجة التاسعة من عملية "الوعد الصادق 3"، محذرًا بأن إسرائيل "لن تنعم بالهدوء والاستقرار". أما الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، فأعاد التأكيد بأن بلاده لا تنوي تطوير أسلحة نووية، لكنها تسعى للحفاظ على حقها في الطاقة والأبحاث النووية.

ورغم ان اسرائيل دخلت المعركة من اجل القضاء على مقدرات ايران النووية، الا ان هناك غايات أبعد من ذلك وقد تصل الى حدود التهديد بالاطاحة بالنظام نفسه. وقد برز ذلك عبر تصريح نتنياهو الذي اعتبر فيه ان اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي "لن يتسبب في تصاعد وتيرة الصراع بل سيضع نهاية له". وتعتمد تل أبيب الاستراتيجة عينها التي نفذتها في لبنان، وتحديدًا ضد "حزب الله"، وتقوم على تصفية القيادات البارزة الايرانية والقضاء على المقدرات الامنية والعسكرية. ففي غضون الايام الماضية، قتلت اسرائيل وجوه وشخصيات بارزة مقربة من الدائرة الضيقة لخامنئي كما علماء نوويين لديهم ادوار رئيسية. ويمكن القول ان الانظار في هذه المواجهة العنيفة تتجه الى واشنطن والدور الذي ستضطلع به لجهة منح المزيد من التفويض لاسرائيل لاستكمال حربها او الحدّ من عملياتها وكبح جموحها.

الى ذلك، اكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، على هامش مشاركته في قمة مجموعة السبع بكندا، أن الدول الأوروبية مستعدة للمشاركة في مفاوضات نووية جادة مع إيران في حالة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، معتبرًا أن "الرغبة في تغيير النظام في إيران بالقوة ستكون خطأ إستراتيجيًا". بالتزامن تنشط التحركات الديبلوماسية لمنع تفاقم الامور ووصولها الى نقطة اللاعودة، حيث اكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أنقرة على استعداد للتوسط لحل الصراع بين إسرائيل وإيران واستئناف المفاوضات النووية. وكانت الرئاسة التركية قالت، في بيان، إن الرئيس أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين اتفقا، خلال اتصال هاتفي، على ضرورة وقف الأعمال القتالية وتسوية الخلافات بشأن برنامج إيران النووي سلميًا. وتسعى كل من تركيا وروسيا، الى جانب سلطنة عُمان وقطر، الى لعب دور الوساطة بظل معلومات متضاربة عن الرغبة الاسرائيلية بذلك.

وفي المحصلة يمكن القول ان واشنطن وطهران تعولان على العودة الى المفاوضات، كل من أجل غاياته ومصالحه، فيما يبدو أن نتنياهو يغرد "خارج السرب" اذ يطرح العديد من الخطط الانقلابية التي من شأنها أن تدخل الجميع في صراع دموي خطير. فمنذ أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 شهدت المنطقة تغيرات عميقة ادت الى تبدل في قواعد الاشتباك وتغيير في موازين القوى لصالح التمدد الاسرائيلي بعد الضربات القاصمة التي تلقتها أذرع ايران في المنطقة، وتحديدًا "حزب الله" ناهيك عن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، والذي كان يشكل دعامة أساسية لايران وخط إمدادها العسكري. في حين رسمت حرب غزة، المتواصلة منذ أكثر من 20 شهرًا، صورة مُغايرة لاسرائيل لجهة الحرب الطويلة الأمد و"التضحية" بالرهائن مقابل تحقيق مكاسب سياسية عسكرية.

وقد استطاع نتنياهو، المتهم بقضايا فساد والمحشور داخليًا بسبب فشل الحرب على غزة، بتحريف الانظار عن الأسرى المحتجزين لدى "حماس" وما يجري في القطاع من عملية ابادة وتطهير عرقي وتجويع ممنهج. وتواصل القوات الاسرائيلية عمليتها العسكرية التوسعية وتستهدف خيم النازحين ومراكز الايواء وسط مشهد مأساوي يتكرر يوميًا ويبرز حالة اليأس والعجز الذي وصل اليها سكان القطاع الباحثين عن الغذاء والطحين تحت وابل من الرصاص والاستهداف المباشر. وقد أسهمت آلية توزيع المساعدات عبر ما يُسمى "مؤسسة غزة الانسانية"، المشبوهة الأهداف، بتعميق مأساة الفلسطينيين بعد تحديد 4 مراكز توزيع فقط كما بفتح النار بشكل مباشر على الجموع المحتشدة ما حولها الى أشبه بـ"مصائد للموت" تغيب فيها كل المعايير الانسانية والأخلاقية.

وتتزامن هذه التطورات الميدانية مع اعلان الجيش الاسرائيلي مقتل ضابط برتبة نقيب وإصابة عدد من الجنود في تفجير استهدفهم شرق خان يونس وتبنته "كتائب القسام". وبذلك، ارتفعت الحصيلة المُعلنة لقتلى الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب إلى 869 ضابطًا وجنديًا، بينهم 426 قُتلوا منذ بدء الاجتياح البري للقطاع في 27 من الشهر ذاته. هذا وأدانت منظمة "هيومن رايتش ووتش" قرار المجر الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، معلنة أنه يمثل "إهانة للضحايا والناجين من أسوأ الجرائم في العالم". وحذرت من أن هذه الخطوة تعزز مناخ الإفلات من العقاب وتضعف العدالة الدولية. وجاء هذا القرار بعد اعلان رئيس الوزراء فيكتور أوربان، في الثالث من نيسان/أبريل الماضي، عن نية بلاده الانسحاب خلال زيارة نتنياهو إلى بودابست، بالرغم من صدور مذكرة توقيف بحقه بتهم ارتكاب جرائم جسيمة في غزة.

في سياق منفصل، أعلنت وزارة الداخلية السورية، ضبط مستودع يحتوي على صواريخ من طراز "غراد" بريف درعا الغربي في جنوب البلاد. وتجهد الادارة السورية الجديدة الى ضبط الأمن واستعادة السيطرة على كامل اراضيها ووضع حد للتفلت الذي كان سائدًا ابان الحرب التي عصفت بالبلاد. وبينما يبقى مطلب العدالة يعلو فوق الهموم الاقتصادية والمعيشية في بلد لا يزال عدد المختفيين قسرًا والمفقودين مرتفع، مثل ما جرى أمس، الاثنين، خطوة في طريق طويل لاعادة الحق لاصحابه وذلك بعدما حكمت محكمة فرانكفورت الاقليمية العليا في ألمانيا على الطبيب السوري السابق علاء موسى بالسجن المؤبّد، بعد ثلاث سنوات ونصف من الاجراءات الاثباتية المُكثفة، بتهمة ارتكاب "جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية"، وذلك خلال فترة عمله كطبيب وعضو في جهاز المخابرات السورية إبان حكم بشار الأسد.

الاوضاع المتأزمة في المنطقة عكستها الصحف العربية الصادرة اليوم. وفي الجولة الصباحية رصد لأهم ما ورد من عناوين وتحليلات:

تناولت صحيفة "الوطن" البحرينية ما يجري بين اسرائيل وايران من مواجهات عسكرية لا تزال فيها "الولايات المتحدة، من جهتها، في موقع المتفرج الداعم، وهو موقف يبدو أقل صلابة مع كل يوم جديد تتغير فيه معطيات الميدان وتتعاظم فيه ضغوط الحلفاء"، موضحة أن "ما يهمنا نحن في الخليج العربي يتجاوز حسابات الأطراف المتصارعة. القلق الحقيقي، لا يكمن فقط في توسّع رقعة الحرب باتجاه حدودنا، بل في التهديد الصامت الكامن في الأفق، وأعني هنا الخطر النووي…فاستهداف المنشآت النووية الإيرانية، سواء أُنجز بدقة أو أخفق، يحمل في طياته احتمال كارثة بيئية عابرة للحدود".

وتساءلت صحيفة "الجريدة" الكويتية "لابد أن هناك هاجسًا يشغل الكويت وجميع الدول العربية المطلة على الخليج العربي، وإن كان بدرجات متفاوتة، وهو ماذا لو قامت إيران، ولسبب ما، بغلق مضيق هرمز؟!". وتابعت "الهاجس الآن أصبح أقرب لأن يكون حقيقة، فإيران من جهتها هددت بغلق مضيق هرمز، وهو إن تم فسيكون عملًا متهورًا وخطيرًا، فهو من جهة سيضر بشريان حياة دول عربية ليست لها ناقة ولا جمل في تلك الحرب الدائرة مع إسرائيل (في اشارة الى الكويت)، ومن جهة أخرى فهو سيؤلب العالم بأجمعه ضدها. بمن فيه الصين وروسيا، فمضيق هرمز ممر دولي حيوي ليس من حق أي كان غلقه".

بدورها، شددت صحيفة "الأهرام" المصرية على أن "المنطقة ليست فى حاجة ولا تتحمل حربًا جديدة تتصاعد يوميًا، ومن المتوقع أن تستمر لفترة طويلة...ومن هنا تبرز أهمية التحرك الدولي لوقف الحرب بين إسرائيل وإيران قبل أن تتفاقم وتتوسع إلى حرب شاملة سيكون عواقبها أشد على المنطقة وعلى العالم"، معتبرة أن "الرد الإيراني واستهداف الصواريخ الإيرانية للعمق الإسرائيلي قد أثبت، أن منطق القوة والعدوان لا يمكن أن يحقق أي أهداف وفي الحروب الكل خاسر، ولابد من تحقيق التهدئة ووقف تلك الحرب وتسوية القضايا العالقة، خاصة الملف النووي الإيراني عبر المفاوضات".

وتحت عنوان "كي لا تنفجر المنطقة"، كتبت صحيفة "الغد" الأردنية "إسرائيل المتمردة في هذا الإقليم، هي فقط من تريد تأمين مصالحها عبر الحرب والعدوان، حيث يتباهى قادتها بخوض الحرب على عدة جبهات في نفس الوقت"، مؤكدة أن "الجهود الدبلوماسية الجارية حاليًا تكتسب أهمية استثنائية، ولا بد من مضاعفتها، خاصة على الساحة الأميركية، حيث مركز التأثير الأكبر على قادة إسرائيل المهووسين بالخيار العسكري. فلا يمكن لمنطقتنا أن تتحمل هذا القدر من الضغوط، فقد تحملت الكثير خلال السنتين الأخيرتين، وإذا ما استمر الوضع الحالي، فإن الانفجار الكبير قادم لا محالة".

في اطار متصل، تطرقت صحيفة "عُمان" العُمانية الى المحاولات الساعية لكسر الحصار الاسرائيلي المفروض على قطاع غزة حيث رأت أن "قافلة الصمود تؤكد في رمزيتها المهمة على العروبة الشعبية، المنطلقة من الداخل، لا العروبة الرسمية المنطلقة من البراغماتية السياسية والواقع والعلاقات الدولية"، منوهة بأنه "بهذا يُمكن أن تعود للشعوب العربية الثقة أن لها صوتًا عالميًّا مسموعًا، وجسدًا قويًّا وإن ملأته الجروح، ورؤية استقلالية ومستقبلية متقدمة لا يُمكن لأحد أن يفصلها أو يضرّ بها"، على كذّ قولها.

واشارت صحيفة "الرياض" السعودية الى أن "ما يحدث في عالم اليوم هو تطوير السلاح كمًا وكيفًا، وأن مفاوضات السلام يتحكم فيها من يملك حق "الفيتو"، أما حقوق الإنسان فالتقييم يخضع لعوامل سياسية، أما الديموقراطية فهي نظام حكم له ما له وعليه ما عليه، ونجاحه في بلد لا يعني نجاحه في بلد آخر، فهو ليس معيارا موضوعيا لتقييم السلام". واضافت "هذا المعيار (الديموقراطية) كأنه يقول تلميحًا إن الدول التي تطبق هذا النظام هي من أنصار السلام وبعيدة عن الحروب، وهذا لا يتفق مع الواقع"، وفق تعبيرها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن