صحافة

"المشهد اليوم"...ترامب يطالب ايران برفع "الراية البيضاء" والاخيرة تتوعّدمؤشرات متزايدة على دخول واشنطن الحرب وعداد موت الفلسطينيين في ارتفاع يومي

عمال الإنقاذ الإيرانيون يحاولون إطفاء النيران ورفع الأنقاض في موقع مبنى متضرر من جراء الغارات الإسرائيلية على طهران (رويترز)

تتجه الانظار حاليًا الى الولايات المتحدة الأميركية لمعرفة المسار الذي ستسلكه المواجهة المستمرة بين ايران واسرائيل لليوم السادس على التوالي. ويلوح في الأفق سيناريوهان لا ثالث لهما، فإما رضوخ طهران وقبولها الجلوس الى طاولة المفاوضات والتوصل الى اتفاق نووي جديد بالشروط الأميركية الواضحة منذ اليوم الاول لانطلاق المباحثات بينهما بوساطة عُمانية وإما تعنت طهران ورفضها رفع "راية الاستسلام" وبالتالي المزيد من التصعيد العسكري والاستهدافات التي ستؤثر على المنطقة برمتها لان ما يجري اليوم لن تكون أي دولة بمنأى عن تداعياته وتأثيره.

ويبدو لافتًا في هذا الاطار المواقف العالية اللهجة للرئيس دونالد ترامب وانحيازه التام الى جانب اسرائيل التي تسعى لجرّه الى المواجهة المفتوحة مع طهران، وهو امر ستؤكده الساعات القليلة المقبلة مع بروز مؤشرات عديدة بأن واشنطن ستدخل الحرب الى جانب تل أبيب. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل ستقوم الولايات المتحدة بضربات عسكرية محددة الاهداف فقط (كمنشأة فوردو النووية على سبيل المثال لا الحصر) أم ستنجر الى المبارزة بكامل عتادها وعتيدها وبالتالي الدخول في أتون نفق طويل قد يزعزع الاستقرار ويؤدي الى المزيد من الصراعات في المنطقة، خاصة ان حلفاء ايران الإقليميين والدوليين، الذين لا يزالون يلتزمون الحياد يمكن ان يتدخلوا في حال توسعت دائرة الاستهداف وبدأت عملية قلب الموازين.

كما انه لا يمكن فهم ما يجري حاليًا بمعزل عما طرأ على الشرق الاوسط بعد أحداث عملية "طوفان الأقصى"، والتي أدت الى تغيرات جذرية، لا نزال نعيش تداعياتها وما أفرزته من انهيار المحور التقليدي الذي لعبت فيه طهران الدور الابرز من خلال تغلغلها في قلب العواصم العربية واستخدام اذرعها لتقويض سيادة هذه الدول وزرع الفوضى فيها. فعلى مدار السنوات الماضية، كانت طهران تخطط وتُسكت اي صوت معارض لها وتقف الى جانب الانظمة التي تضمن "التمدّد الشيعي" وتنفذ مخططاتها التوسعية. ولكن ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ليس كما بعده لان ما نشهده من تبدلات عميقة تعطي الاولوية المطلقة لاسرائيل ومشاريعها دون قدرة أي أحد على ردعها او منعها.

وهذا التوسع لم يكن ليحصل لولا الموافقة الاميركية وتوفير الارضية المناسبة له عسكريًا وسياسيًا والتخبط الذي تعيشه الدول الاوروبية المنقسمة على نفسها ازاء ما يجري من أحداث دراماتيكية، خاصة ان الحرب المستمرة في اوكرانيا تخيم على أجوائها المتلبدة بتحديات عميقة. وقد وجدت إسرائيل بدورها في الظرف الإقليمي الحالي فرصة سانحة لها لتوجيه ضربات نوعية لاضعاف البرنامج النووي الايراني وبنيته العسكرية، ضمن تصور يرى أن المعركة الحاسمة ستكون مع طهران بعد تقليم يد وكلائها في المنطقة. وانطلاقًا من هذه التحليلات والمعطيات، تبدو ان المعارك على الارض تسير بوتيرة مرتفعة جدًا خاصة ان طهران مستمرة بردها القوي وتوجيه ضربات نوعية في العمق الاسرائيلي ملحقة اضرار جسيمة في البنى التحتية كما تنشط في مجال توقيف العملاء والكشف عن مقار سرية مرتبطة بالموساد.

في وقت تواصل فيه اسرائيل قصفها العنيف للعاصمة طهران وتوجيه تحذيرات جديدة للسكان والعاملين في مربع 18 وسط طهران ومطالبتهم بالإخلاء. وشملت عمليات أمس مواقع في أصفهان ونهاوند وتبريز وسط مشاهد تبرز مغادرة الاف الايرانيين ونزوحهم الى شمالي البلاد وبعض المناطق الداخلية بظل مخاوف متعاظمة من توسع دائرة الحرب. وقد تزامن ذلك مع منشور للمرشد الايراني قال فيه "يجب التعامل بقوة في مواجهة الكيان الصهيوني.. لا مساومة مع الصهاينة أبدًا". أما الرئيس ترامب فقد رفع مؤشر التهديد إلى سقف غير مسبوق ولا يراعي ابدًا الاصول والاعراف الدبلوماسية، وطالب إيران بالاستسلام "غير المشروط"، ملوحًا بإمكانية قتل خامنئي الذي قال "نعرف تمامًا أين يختبئ في إيران وهو هدف سهل ولكننا لن نقضي عليه على الأقل في الوقت الحالي". وأضاف "صبرنا ينفد.. لا نريد استهداف جنودنا".

هذه التصريحات العالية اللهجة قابلها تحريك الولايات المتحدة العديد من قِطعها العسكرية الى المنطقة او بالقرب منها، خصوصًا ان دخول واشنطن المباشر في الحرب يجعل قواعدها العسكرية في العراق والخليج هدفًا مشروعًا للايرانيين من جهة والاذرع المحسوبة عليها من جهة أخرى. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين قولهم "إنه في حالة وقوع هجوم، يمكن أن تبدأ إيران في زرع الألغام في مضيق هرمز، وهي إستراتيجية تهدف إلى محاصرة السفن الحربية الأميركية في الخليج العربي". وأوضحت الصحيفة عينها أن القوات الأميركية وضعت في حالة تأهب قصوى بالقواعد العسكرية في جميع أنحاء المنطقة، والتي ينتشر فيها أكثر من 40 ألف جندي. وبحسب الكثير من المحللين، لا تزال ايران تحتفظ بالكثير من صواريخها التي لم تستخدمها في الحرب الدائرة حاليًا ربما بانتظار ما ستؤول اليه المعركة المحتدمة بين الجانبين. وكان "الحرس الثوري الايراني" لفت أمس، الثلاثاء، الى دخول صواريخ "فتاح 1" لأول مرة في عمليات استهداف اسرائيل.

من جهته، لا يترك رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اي فرصة الا ويبرر فيها توجهاته العسكرية معلنًا وقوفه الى جانب الشعب الايراني "المضطهد والمقموع". واذ يطرح نفسه كمحرر للفرس، قال "خلال 5 أيام قلبنا الموازين وفتحنا طريقًا جويًا إلى إيران"، مجددًا الحديث عن الشرق الأوسط الجديد "الذي سيبدو مختلفًا كما لم نره من قبل"، معتبرًا أن "أهم قرار اتخذه في هذه الحرب هو اغتيال الامين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصر الله، هذا الاغتيال فتح الطريق نحو إيران"، بحسب تعبيره. الى ذلك، تنشط المحاولات الدبلوماسية لضبط الاوضاع ومنعها من التفاقم رغم ان المعطيات الميدانية لا تشي بإمكانية تحقيق خرق ما حتى الساعة، لان صوت المعارك يطغى على المسار التفاوضي الذي وضع "على الرّف".

ومع ما يجري بين اسرائيل وايران بدعم اميركي واضح، يعيش قطاع غزة ابادة جماعية ولكن "بصمت" خاصة ان كل المناشدات الدولية لم تفلح بإعادة فتح المعابر ودخول المساعدات الانسانية بعدما بات مشهد استهداف "طوابير" الفلسطينيين اعتياديًا ومألوفًا. وارتكبت قوات الاحتلال أمس مجزرة مرّوعة ذهب ضحيتها 93 شهيدًا، بينهم 60 من منتظري المعونات الغذائية في خان يونس ورفح جنوبي القطاع، بحسب ما أعلنته مصادر طبية في مستشفيات القطاع. وتستخدم اسرائيل سياسة التجويع في حربها الهادفة الى تهجير الفلسطينيين حيث يعيش ما يقارب مليوني شخص في حالة من الجوع والعوز والفقر. في وقت جددت الأمم المتحدة تحذيرها من أن سكان غزة "يتضورون جوعًا ويحتاجون بشدة إلى مياه نظيفة".

وتحرّف الاحداث السياسية الاخيرة النظر عما يجري في غزة خاصة ان "جهود الوساطة مستمرة ولكن لا مؤشرات إيجابية"، وفق ما جاء على لسان المتحدث بإسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري. وفي هذا الصدد أيضًا، نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي قوله إنه لا يوجد تقدم في مفاوضات الصفقة مع حركة "حماس". وكان المقترح الاميركي الأخير لاقى تأييدًا اسرائيليًا مقابل تحفظ من الحركة التي طالبت بادخال بعض التعديلات عليه خاصة ما يتعلق بضرورة وجود ضمانات بإنهاء الحرب وتحقيق الانسحاب الاسرائيلي واعادة إدخال المساعدات وفق الآلية القديمة وبعيدًا عن "مؤسسة غزة الانسانية".

ولا يهتم نتنياهو لمصير الاسرى المحتجزين في القطاع منذ أكثر من 20 شهرًا ولا لكل الاصوات الداخلية المطالبة بابرام صفقة فورًا فهو يسعى لتمكين حكمه السياسي والاستمرار بالتهرب من المحاكمة في قضايا الفساد المتهم بها. وتعقد الحرب الاسرائيلية - الايرانية المشهد في غزة الذي دخل "الثلاجة" - ان صح التعبير - خاصة ان نتنياهو ووزراء حكومته اليمنية المتطرفة لا يسعون الى اي حل ويعرقلون المفاوضات.

وتغلب التطورات السياسية والميدانية المتعلقة بالحرب الاسرائيلية - الايرانية على ما عداها في الصحف العربية. اذ في جولتنا الصباحية لمسنا تركيزًا متزايدًا على الاحداث وتداعياتها الحالية والمستقبلية، واليكم أبرز ما ورد:

شددت صحيفة "الخليج" الاماراتية على أنه "لا شك في أن هذه المرحلة الحساسة والخطِرة التي تمر بها منطقتنا جراء الاستهداف الإسرائيلي لإيران، تتطلب رباطة جأش وحنكة دبلوماسية تساعد على تجاوز هذا الظرف، وتعيد الأمن والاستقرار إلى هذه المنطقة التي ذاقت ويلات الحروب والصراعات منذ عشرات السنين"، معتبرة أن "المواجهة بين إيران وإسرائيل، يجب أن تتوقف قبل فوات الأوان، وعلى الأطراف المنخرطة فيها أو ذات الصلة أن تتحلى بضبط النفس، وتبحث عن طريق أسلم لتصفية الخلافات، فالحرب لا تحل المشاكل، بل تؤسس لأخرى، ولو بعد عقود من الزمن".

وكتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "لن يكون ما بعد هذا الصدام الإيراني الإسرائيلي مثل ما قبله، فنحن أمام تحوّل ضخم تشهده المنطقة، بدأت فصوله منذ عملية 7 تشرين الاول/ أكتوبر، وهو تحوّل متسارع شهد سقوط "حزب الله" ونظام الأسد خلال فترة زمنية قصيرة!. وأردفت قائلة "المتأمل في مواقف السياسة السعودية يجد أن الوقوف مع الحق والعدالة ركيزة أساسية؛ لذلك وجدناها تُغلّب وتدعم الحوار منذ اللحظة الأولى لارتفاع وتيرة الصدام الإيراني الإسرائيلي داعية إلى التهدئة والتزام الحلول الدبلوماسية إدراكًا لمخاطر الصراعات المسلحة وتأثيراتها على استقرار المنطقة ومصالح دولها!".

الموضوع نفسه تناولته صحيفة "الوطن" البحرينية التي رأت أن "المفارقة أن الحرب لا تُخاض على أراضي الطرفين فقط، بل تتوسع في ساحات الآخرين: سوريا، لبنان، العراق، وربما الخليج. والخاسر الأكبر، كما جرت العادة، ليس طهران ولا تل أبيب، بل الشعوب المستضعفة، والأنظمة التي تحاول الحفاظ على سيادتها واستقرارها وسط النيران المتقاطعة"، لافتة الى أننا "لسنا أمام صراع بين حق وباطل، بل أمام تصادم بين مشروعين يحمل كل منهما تهديدًا مختلفًا للمنطقة: مشروع احتلالي استيطاني تمثله إسرائيل، وآخر توسعي أيديولوجي تتبناه إيران".

صحيفة "الراي" الكويتية، بدورها، أوضحت أنه "لايزال حلم الصهاينة في إقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات حاضرًا في عقولهم ومناهجهم ومناقشاتهم وخططهم". وقالت "وهم إن تمكّنوا من إسكات إيران وتدميرها، فإنهم سينتقلون إلى باكستان النووية حتى ينزعوا عنها سلاحها، وإلى تركيا التي تطورت كثيرًا في إنتاج سلاحها حتى يحيدوها…وما تصريح نتنياهو، الأخير بأن إعادة الخلافة العثمانية أصبح بعيد المنال في الوقت الحاضر، لهو مؤشر خطير على نياتهم السيئة!".

أما صحيفة "الأهرام" المصرية، فتطرقت الى وعود الرئيس الأميركي بإنهاء الحروب "فقد كان في إمكانه منعها إلى أن تتضح إمكانات إبرام اتفاق مع إيران، ولكنه لم يفعل بل دعم العدوان الإسرائيلي. ويبدو أن "حرب ترامب" هذه ستكون الأخطر على الإطلاق فى العالم وليس في منطقة الشرق الأوسط فقط". وأضافت "فهي لا تُقارن حجمًا ونوعًا بالهجمات المحدودة المتبادلة التي حدثت بين إيران والكيان الإسرائيلي في العام الماضي. كما أنها من نوع الحروب التي يُقال عنها إنه من السهل أن تبدأها، ولكن من الصعب أن تُنهيها، حتى إذا لم يتوسع نطاقها وتتكاثر الأخطار التي يمكن أن تترتب عليها".

وشنّت صحيفة "الصباح" العراقية هجومًا حادًا على كل من ينتقد ايران "إن موقف طهران من الكيان الصهيوني ليس موقفًا طائفيًا أو دعائيًا كما يحاول البعض تصويره، بل هو نتاج فهم عميق لطبيعة الصراع في المنطقة: صراع بين مشروع ينهب الثروات، ويزرع القواعد العسكرية، ويقسم الشعوب، ومشروع يسعى لاستعادة القرار والسيادة والكرامة". وخلصت الى أننا "اليوم، ونحن أمام مشهد واضح لا يحتاج الى تأويل، تبرز الحقيقة من بين الركام: الكيان الصهيوني مشروع عدواني لا يتوقف، ومن يقف الى جانبه هو جزء من الجريمة، ومن يواجهه اليوم بصوت واضح وفعل حقيقي هو الجمهورية الإسلامية ومن معها من قوى المقاومة الحقيقية"، على حدّ وصفها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن