بصمات

قصة "الرأسمالية ونقّادها"!

يجادل جون كاسيدي في كتابه الجديد "الرّأسمالية ونقادها"، بأنّ التحدّي الرئيسي، هو أن أي شخص تقريبًا، عندما يواجه اليوم عبارة "تأثير الرّأسمالية"، وكتابًا ضخمًا من 600 صفحة عنها، يبدأ بالتساؤل عمّا يمكن أن يشغله أكثر من موضوع هذا التاريخ الطويل تحديدًا، حيث تقوّضت الرّأسمالية وحلّ محلها نظام جديد من القيم والمعايير والخلقيات، مختلفةً عن تلك التي صنعت معًا ما سمّي "عصر رأس المال، الثقافة البورجوازية، والتقدّم الاجتماعي".

قصة

هناك تحذيرات كثيرة في الكتابة عن الرأسمالية، كما يرويها معارضوها، فاصلًا، لا في تاريخ أميركا فحسب، بل في تاريخ العالم، حيث كل شيء يتحوّل إلى تجارةٍ كبيرةٍ، والمُمارسات المُغايرة وضحاياها الجدد في الديموقراطيات القسريّة.

السؤال عن الشيء الذي سقط لتوماس سويل، أحد أسوأ المبشّرين بها، وما كان أحد يتوقّع هذا، والكلّ يظنّ أنّ العقلانية الاقتصادية ستستقرّ. كان هذا خطأ آدم سميث، من الأوائل الحقيقيين، الذي ظل متمسكًا بها في ممارسته.

كلمة "الرّأسمالية" نادرًا ما يستخدمها الرّأسماليون لوصف جانب من اقتصاد السّوق لا يروق لهم في عصر سيادة التقنية

اعتقدت روزا لوكسمبورغ أنّ الرّأسمالية تغذّي الٳمبريالية والعنف. كره كارل ماركس كلّ ما يتعلق بها، واعتقد جون ماينارد كينز، أنّ بقاءها يعتمد على ٳعادة صياغة النظام بأكمله، حيث يواجه العالم طريقًا مسدودةً في مواجهة تنامي التفاوتات، ركود الدخل، المديونيّة، وأضرار الكوكب الأرضي.

كتب جورج أورويل عام 1946، أنّ "كلمة الفاشية لم يعد لها معنًى إلّا بقدر ما تدلّ على شيءٍ غير مرغوبٍ فيه". ربما نلاحظ اليوم شيئًا مشابهًا بشأن كلمة "الرّأسمالية"، التي نادرًا ما يستخدمها الرّأسماليون سواء في اليسار أو اليمين، لوصف جانبٍ من اقتصاد السّوق لا يروق لهم في عصر سيادة التقنية.

لطالما كانت الرأسمالية "مغيّرةً للشكل"، من نظام القرن الثامن عشر القائم على الاحتكارات الاستعمارية، مثل احتكار "شركة الهند الشرقية"، ٳلى تراث الرأسمالية الصناعية في القرن التاسع عشر، ورأسمالية "المُزارع"، التي استعبدت الأفارقة ونقلتهم لحصاد قصب السكر في منطقة البحر الكاريبي.

لا يبدو اليوم، أنّ أيًّا من ذلك يشبه الرأسمالية التي تحرّرت في الثورة الصناعية من السلطة السياسية، وبدأ الحديث عن عصر ما بعد التّكنولوجيا عام 2025. ويجاهد العالم وهو يتطوّر فيها للٳفلات منها وبناء ذاته في لحظةٍ قويةٍ من التغيير السياسي الحرّ بسيولته، بهذا القدر أو ذاك من النجاح أو الفشل في احتوائها وتوجيهها، بين إقالة وزير أو تغيير حكومة أو رئيس، أو مراجعة دستورية، أو خفض أسعار الفائدة أو حتى تخفيض أسعار الخبز.

كان كارل ماركس قد هاجم بقوة تملّك وسائل الإنتاج، بينما توجد في اقتصاد المعرفة أهمّ هذه الوسائل في عقول العمّال المتعلمين. ليست المسألة التي يطرحها كاسيدي، أن يصنع الكثير من الحبر عن معنى الرأسمالية، بل يروي القصة بأسلوبٍ مفصّلٍ، مشحونًا باعتقادات منتقديها على مرّ القرون من أنّ الفاشية، كالاشتراكية، نشأت في مجتمع السوق الذي رفض أن يؤدّي وظيفته.

كان ويليام طومسون، معاصِر جون ستيورات ميل، قد دعا ٳلى" التعاونيّات"، وفلورا تريستان شنتّ حملةً في بريطانيا لإنشاء نقابةٍ عماليةٍ عالميّة. ثم هناك مَن أدرك جيدًا كيف استخدمت الرّأسمالية الصناعية الموارد الأولية والمعادن في مستعمراتها، بينما أفقرت السكّان المحليين الثوّار في العالم، أداةً فعّالةً جعلتها تتحكّم بالعالم.

إلقاء اللّوم على الرّأسمالية التي كانت في أساس التطوّر خطأ

يجادل إريك وليامز، أول رئيس وزراء لترينيداد، بأنّ العبودية ساعدت على تحريك الرأسمالية الصناعية من خلال تطوير أسواق جديدة للسلع المُصنّعة توفّرُ المواد الخامّ. ومع ازدياد شعبية الفكر "الكينزي" بعد الحرب العالمية الثانية تعرّض النظام الاقتصادي لانتقاداتٍ من اليمين. اعتقد ميلتون فريدمان أنّه يجب خفض الإنفاق العام لترويض التضخّم. وفي تسعينيّات القرن الماضي، وضع أوغستو بينوشيه ديكتاتور تشيلي نظرية "العلاج بالصدمة" لقمع ارتفاع الأسعار على حساب ركودٍ عميقٍ وقتل الناس للحفاظ على النظام. وكان فريديريش هايك تمكن من اقناع مارغريت ثاتشر في ثمانينيّات القرن الماضي بتدمير جزءٍ كبيرٍ من سلطة النقابات العمّالية.

الكلام لمنتقدي الرّأسمالية في الماضي وليس في الحاضر مع تقدّم العوْلمة عام 1980، التي مكنّت مئات الملايين من الناس من الفرار من الفقر. لكن يأتي بنقاشٍ مُقلقٍ حول ضغوطٍ اقتصاديةٍ هائلة. إلّا أن إلقاء اللّوم على الرّأسمالية التي كانت في أساس التطوّر سيكون خطأً بالتوازي مع القوى المجتمعيّة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن