صحافة

"المشهد اليوم"…التصعيد بين طهران وتل أبيب يستعر وقرار واشنطن "مُعلّق""حزب الله" يؤكد وقوفه الى جانب طهران ومرشدها واستهداف يومي لجموع المجوَعين في غزّة

نتنياهو خلال تفقده مستشفى سوروكا في بئر السبع بعدما أُصيب بصاروخ إيراني أمس (أ.ب)

تصعّد ايران من عمليتها العسكرية "الوعد الصادق 3" وتشنّ ضربات صاروخية على مناطق مختلفة في اسرائيل وشمالها وجنوبها، وذلك في اطار محاولة لـ"تغيير قواعد الاشتباك" عبر استخدام أنواع جديدة من الصواريخ الباليستية والمُسيّرات التي تضرب العمق الاسرائيلي مخلّفة قتلى وجرحى، فضلًا عن دمار واسع داخل تل أبيب. فبحسب حصيلة رسمية، فإن 24 اسرائيليًا قد قتلوا منذ بدء المواجهات الى جانب سقوط 2,245 جريحًا وتشريد ما لا يقلّ عن 5,110 أشخاص نتيجة تعرّض منازلهم وممتلكاتهم لاضرار مباشرة.

وكانت العمليات الايرانية أمس أصابت أهدافًا حيوية داخل اسرائيل فيما استقرت احدى الصواريخ في مستشفى سوروكا في بئر السبع، والذي يعمل على إسعاف الجنود المصابين في غزة، ما أدى لانهيار مبنى فيه بالكامل. وسارع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الى "التباكي" على ضرب المستشفى، وهو الذي ما برح يدكها ليل نهار في حربه المتواصلة على قطاع غزة ناهيك عن اعتقال الكوادر الطبية والاسعافية. وفيما توعّد نتنياهو بالرد القاسي وجعل طهران "تدفع الثمن"، رفض وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي التهم الموجهة لبلاده، موضحًا بأن الضربات استهدفت مقر القيادة والاستخبارات الكبرى للجيش الإسرائيلي الواقع قرب المستشفى المذكور.

أما اسرائيل فقد أعلنت عن استهداف موقعيّ نطنز وأصفهان النوويين الإيرانيين، فيما أفاد الجيش الإسرائيلي بأن 60 طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو ضربت أكثر من 20 هدفًا عسكريًا في طهران خلال الساعات الماضية. وذكر الجيش أن من بين الأهداف التي تعرضت للقصف "منشآت لتطوير الأسلحة النووية" و"منشآت لإنتاج الصواريخ". وتتستر طهران على خسائرها الاقتصادية، كما البشرية، وتفرض قيودًا صارمة واجراءات استثنائية في هذا المجال. من جانبها، حذّرت روسيا الولايات المتحدة من التدخل عسكريًا لمصلحة إسرائيل، واصفة تلك الخطوة - في حال تمت - بأنها "خطرة للغاية وذات عواقب سلبية لا يمكن توقعها". وكان الرئيس فلاديمير بوتين في صدارة الرؤساء الذين أعلنوا عن استعدادهم للتوسط بين الجانبين، الا انه وفق المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف فقد لاقى عرضه رفضًا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي دعاه الى حل النزاع مع أوكرانيا أولًا.

هذا وكانت معلومات اعلامية راجت عن منح واشنطن الضوء الأخضر لتنفيذ خطط هجومية ضد إيران، الا ان ذلك قوبل بالنفي تمامًا. في وقت أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت بأن قرار الحسم العسكري سيتخذه الرئيس ترامب خلال الأسبوعين المقبلين. ويبدو أن ترامب لا يزال يعول على امكانية تحقيق خرق ما في المفاوضات أو تليين الموقف الايراني، ومن هنا كانت مهلة الاسبوعين، كفرصة أخيرة قبل دخول واشنطن بشكل رسمي الحرب الى جانب اسرائيل وتنفيذ ضربات ضد المنشآت النووية الايرانية. وتحتل منشأة "فوردو" النووية سلّم الاهتمامات حيث يرّكز عليها الاعلام الاسرائيلي نظرًا لدورها في تخصيب اليورانيوم كما لموقعها الجغرافي فهي مخبأة تحت صخور صلبة ومغطاة بخرسانة مسلّحة تجعلها بعيدة عن مرمى نيران أي من الأسلحة الإسرائيلية المعروفة للعامة. ومن هنا كان تعويل نتنياهو على جرّ واشنطن للحرب لانها الوحيدة التي تملك المقدرات العسكرية على اختراق هذه المنشأة الاكثر تحصينًا مقارنة بمثيلاتها.

وبانتظار ما ستتخذه ادارة ترامب من قرارات، لان دخولها الحرب يعني المزيد من التعقيدات في المشهد العام وتفجير فتيل الازمة في المنطقة. اعتبر وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن الوقت لا يزال متاحًا للتوصل إلى حل دبلوماسي مع إيران. وقال "لا يزال الوضع في الشرق الأوسط محفوفًا بالمخاطر. نحن مصممون على ألا تمتلك إيران سلاحًا نوويًا أبدًا". كلام الأخير يأتي على وقع لقاء سيُعقد اليوم، الجمعة، بين فرنسا وبريطانيا وألمانيا ووزير الخارجية الايراني في جنيف من أجل البحث بالتطورات الراهنة وسط معطيات بأن هذه الدول ستسعى للضغط على طهران لخفض التصعيد فورًا والعودة الى طاولة المفاوضات. وتتخوف الدول الاوروبية من اتساع رقعة المواجهة وتداعيات التوترات العسكرية على الاستقرار الإقليمي والدولي.

أما الخطر الحقيقي فيكمن في تحريك جبهات جديدة محسوبة على ايران من أجل تخفيف الضغوط عنها وتحسين شروطها التفاوضية. وفي هذا السياق، برز تهديد المسؤول الأمني في "كتائب حزب الله العراقي" أبو علي العسكري بإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب في حال قررت الولايات المتحدة دخول المواجهة الحالية. بينما تتجه الانظار الى "حزب الله" في لبنان والخطوات التي يمكن أن يتخذها خصوصًا انه يُعرف بأنه الذراع الطولى لطهران في المنطقة. وعلى الرغم من ان الحرب الاسرائيلية الاخيرة قضت على معظم القدرات التسليحية والعسكرية للحزب، الا انه لا يزال يتمتع بالامكانيات وهو ما صرّح به مسؤول ايراني رفيع المستوى في وقت سابق. ولكن الملاحظ ان "حزب الله" نفسه، وعبر قياداته، يكتفي فقط بدعم ايران والتنديد بالعدوان الاسرائيلي عليها دون اي اشارة الى دخوله معترك المواجهة.

ففي أحدث تصريح له قال الأمين العام للحزب نعيم قاسم "نقف إلى ‏جانب إيران ومعها بكل أشكال الدعم التي تساهم في وضع حدٍّ لهذا الجبروت والطغيان". وأضاف "من حق إيران أن تدافع عن نفسها، ومن حق شعوب المنطقة وأحرار العالم أن ‏يكونوا مع القائد العظيم ومع إيران في خندقٍ واحد". وتسعى الحكومة اللبنانية الى تجنيب دخول البلاد في أتون حرب جديدة خصوصًا انها لا تزال تعاني من آثار الحرب الاخيرة والتي خلّفت خسائر مادية جسيمة. بيد ان ضغوط واشنطن تتواصل حيث كانت زيارة متوقعة، سبق وتم الاعلان عنها اعلاميًا، للسفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص للرئيس ترامب إلى الملف السوري، توماس باراك الذي قام بجولة على الرؤساء الثلاثة مستطلعًا الأجواء على ضوء الوقائع المستجدة. واذ جدّد خلال تصريحاته وقوف الولايات المتحدة الى جانب لبنان وجيشه، نبه الى أن "تدخّل "حزب الله" في الحرب سيكون قرارًا سيئًا"، على حدّ وصفه.

وبدا باراك متفهمًا للواقع اللبناني والحساسيات الموجودة على الساحة ناهيك عن استمرار الاعتداءات الاسرائيلية بشكل شبه يومي رغم توقيع اتفاق وقف اطلاق النار. وتمثل هذه المسألة معضلة حقيقية تلقي بثقلها على لبنان وتمنعه من توفير الاستقرار واستعادة الامان بعد فشل كل الاتصالات مع الدول المعنية بوضع حدّ للانتهاكات السافرة بحق سيادة لبنان واستمرار احتلال تل أبيب لخمس مواقع استراتيجية على طول الحدود. وفي معطيات أمس، فقد استهدفت مسيّرة إسرائيلية سيارة على أطراف بلدة حولا في قضاء مرجعيون (جنوب لبنان) كما دراجة نارية في منطقة كفرجوز- النبطية ما رفع عدد الضحايا الى ثلاثة اشخاص، بحسب ما أفادت به وزارة الصحة اللبنانية. من جانبه، أعلن المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أنّ قواته "قضت على محمد أحمد خريس، قائد وحدة الصواريخ المضادّة للدروع في مجمّع شبعا التابع لـ"حزب الله" في غارة النبطية.

ومنذ عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تدأب تل أبيب على فرض نفسها كقوة عسكرية ذات هيمنة ونفوذ، اذ توسع من نطاق سيطرتها سواء في لبنان او في سوريا كما توجه ضربات للحوثيين في اليمن ناهيك عن تهجير أهل الضفة الغربية المحتلة لصالح مخططات الاستيطان ومواصلة حرب غزة الدموية وسط غياب اي افق للحل. وبينما حالت الظروف المشتعلة في المنطقة من عقد مؤتمر دولي حول فلسطين كان من المتوقع ان يشهد على الاعتراف بالدولة الفلسطينية وبحث سبل التوصل الى حل الدولتين، تؤكد فرنسا عزمها على المضي قدمًا بالخطوة فور توافر الظروف الملائمة. وحرّفت الحرب الايرانية - الاسرائيلية الانظار عن الوضع المأساوي في غزة مع  استمرار قوات الاحتلال بارتكاب أبشع المجازر، حيث استشهد 34 شخصًا منذ فجر اليوم الجمعة، بينهم 23 من منتظري المساعدات، وأصيب آخرون بنيران الاحتلال الإسرائيلي قرب محور نتساريم وسط القطاع.

من جهة أخرى، رسم مكتب الامم المتحدة للشؤون الانسانية مشهدًا قاتمًا مما يجري ميدانيًا، مشيرًا الى أن مستشفيات القطاع تغرق في الظلام، وأن المياه توشك على النفاد وسيارات الإسعاف عاجزة عن نقل المصابين. وتستمر اسرائيل في فرض الحصار وتضيق الخناق على الفلسطينيين الذين يواجهون الموت في شتى أنواعه. والوضع في الضفة الغربية ليس أفضل حالًا، حيث عمليات التهجير تسير على قدم وساق فيما أغلقت سلطات الاحتلال معظم المدن الفلسطينية وشنّت حملات مداهمات واعتقالات واسعة النطاق. وكانت المحكمة العليا الاسرائيلية أجازت تنفيذ هدم جماعي لمنازل فلسطينيين بمخيم جنين للاجئين شمال الضفة.

دوليًا، عيّن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي غينادي شابوفالوف قائدًا للقوات البرية، بعدما استقال سلفه إثر ضربة روسية على معسكر تدريبي للجيش أوقعت قتلى وجرحى. ولم تشهد المفاوضات المُجمدة حاليًا أي تقدم في اطار وقف الحرب مع روسيا رغم الضغوط الاميركية وقبول كييف بالحوارـ ولكن العقدة تكمن لدى الجانب الروسي الذي يرى ان الفرصة سانحة له لتحقيق المزيد من المكاسب الميدانية العسكرية خاصة ان القوات الروسية تحرز تقدّمًا واسعًا في الخطوط الأمامية منذ أكثر من عام، ولاسيما في منطقة سومي الأوكرانية التي تسعى لاحتلالها منذ بداية الحرب.

وفي الجولة الصباحية على الصحف العربية الصادرة اليوم رصدٌ لاهم العناوين والمقالات:

رأت صحيفة "عكاظ" السعودية "أننا أمام خطر وجودي يهدد كل القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. خطر يوجب التنسيق والتعاون مع كافة الدول الإسلامية والعربية الفاعلة للوقوف أمام الأساطير الإسرائيلية والدعم اللامحدود الذي تحصل عليه من كافة القوى الغربية". وقالت "العملية العسكرية التي قامت بها إسرائيل ضد ايران تُظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل تعتبر نفسها القوة الوحيدة التي لها الحق في السيطرة والهيمنة، وأن زمن القوى القديمة قد ولّى بلا رجعة".

بدورها، نبهت صحيفة "الجريدة" الكويتية الى أنه "لم تعد الحرب بين إسرائيل وإيران مجرّد اشتباك عسكري أو نزاع حدودي يمكن احتواؤه. بل هي صورة مركّبة لصراع تتداخل فيه الجغرافيا بالعقيدة، والسياسة بالأمن القومي، والهيمنة بالنفوذ الرمزي، لتصبح واحدة من أعقد النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط وأكثرها تشابكًا وامتدادًا"، جازمة "أنها ليست حرباً تقليدية، إنما حرب متعددة الأبعاد تتوزع فيها خطوط المواجهة بين العمليات السيبرانية، واغتيالات دقيقة، وتحالفات غير معلنة، وواجهات إعلامية تغذّيها آلة الدعاية في كلا المعسكرين".

صحيفة "الأهرام" المصرية، من جهتها، اعتبرت انه "لا يمكن التكهن في الوقت الراهن بملامح واضحة لمستقبل المشهد المتأزم في المنطقة، وسط استمرار الضربات المتبادلة بين الكيان المحتل وإيران"، لافتة الى أن "وجود كيان مثل إسرائيل في قلب المشرق العربي لا يمكن أن يستقر إلا إذا احتفظ بتفوق نوعي مطلق في أدوات الردع، فوجوده لا يمثل مجرد دولة، بل هو – في التصور الغربي – التعبير المادي عن مركزية الحضارة الغربية في منطقتنا، و"قدس أقداسها" السياسية والأيديولوجية، على حدّ تعبيرها.

ولم يختلف الموضوع المتناول في صحيفة "القدس العربي" التي أوضحت بأنه "بإطلاقه العدوان على إيران تمكن نتنياهو من شد ترامب من الطائرة الرئاسية المنطلقة لإنجاز الصفقات، والتفاوض على تسويات تنهي الحروب، إلى "طائرة القيامة" التي تتورّط فيها أمريكا في حروب عبثية مدمّرة، كما حصل في أفغانستان والعراق". وقالت "وبدلا من "جعل أمريكا عظيمة مجددا"، فعلى الأغلب أن ترامب، إذا دخل الحرب فعلا ضد إيران، سينتهي، إلى عكس هذا الشعار".

في سياق متصل، اشارت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى أننا "نشهد نقطة تحول في تاريخ الأمم المتحدة، حيث تتعمد الإدارة الأمريكية إنكار دورها وتهميشها والعمل على إضعافها"، معتبرة أن "سياسة إدارة ترامب تضرّ بمكانة الولايات المتحدة على مستوى العالم، ولن تفيد بالتأكيد سياسة واشنطن على المدى الطويل ما يضع النظام العالمي ومعه منظمة الأمم المتحدة في مهب الريح".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن