هل يحتاج السلام إلى حروب؟

يجادل الإعلاميون غير المقتنعين بجدوى الحروب الدائرة في العالم الآن وآخِرها الحرب بين إسرائيل وإيران بأنه ما دام الجميع مؤمنين أنه مهما كانت الدول التي تشن الحرب قوية فإنها محتاجةٌ في نهاياتها أو قبلها إلى التفاوض، فما الحاجة الملحة للحرب ذات الخسائر العالية دائماً إذا كان التفاوُضُ متاحاً؟!

أما أنصار هذه الحرب أو تلك فيذهبون إلى أن التفاوض ليس مجدياً إن لم يقتنع الخصم أو العدو أنه سيخسر كثيراً إن لم يعتبر التفاوض حلاًّ وسطياً يتطلب تنازلات متبادلة من دون الحاجة إلى إثبات ذلك عبر خوض نزاعٍ مسلَّح! وهؤلاء يذكرون نموذجاً لذلك في التفاوض على النووي الإيراني. ففي عام 2004 طلب الأميركيون والأوروبيون تحويل الملف النووي الإيراني من وكالة الطاقة الدولية إلى مجلس الأمن. وفي المفاوضات المتطاولة مع لجنة 5+1 أصرّت إيران على حقّها في النووي السلمي، وما اقتنع الآخرون بسلمية البرنامج النووي الإيراني وفرضوا عقوباتٍ قاسية على إيران، إلى أن خيضت مفاوضات شاقة بين الولايات المتحدة وإيران أدت إلى اتفاق أيام إدارة أوباما عام 2015، أهمُّ بنوده النسبة المنخفضة جداً للتخصيب (3.5%) إضافةً لبنود كثيرة أخرى أهمّها الرفع التدريجي للعقوبات.

وما أرضى الاتفاق (الذي كان ينبغي أن تنتهي مدته عام 2025) أطرافاً أُخرى مثل إسرائيل. ولا ندري هل لهذا السبب أم لأسباب داخلية أميركية قام الرئيس ترامب في رئاسته الأولى عام 2017 بالخروج على الاتفاق من طرفٍ واحد. وقد أزعج ذلك الخروجُ بدوره أطرافاً أخرى في أوروبا، وبالطبع الروسَ والصينيين. وعلى كل حال فإنّ إيران بالمقابل أقبلت على زيادة التخصيب إلى نسبة 60% مما يؤهّلها لإنتاج سلاح نووي.

وخلال هذه المدة المليئة بالتهديدات من الطرفين، زادت تقارير مفتشي الوكالة الدولية عن مخالفات إيران. وبرزت إلى جانب الملف الرئيسي ملفات مثل الصواريخ الباليستية والتدخل الإيراني في أمن الدول الأخرى من خلال تنظيمات مسلحة تابعة لها. وبدون إسهاب، ومع ولاية ترامب الثانية وسرديته حول إنهاء الحروب، عادت المفاوضات بين إدارة ترامب وإيران وجرت جولات خمس، وكان منتظَراً الذهاب إلى جولةٍ سادسةٍ يوم 15 من الشهر الجاري، لكنّ إسرائيل شنت حربَها على إيران يوم الـ13 وما تزال الضربات المتبادلة جارية.

هناك تأييد أميركي وأوروبي للحرب الإسرائيلية، لكنّ الرئيس ترامب يعطي إيرانَ فرصةً أخيرةً للعودة للتفاوض مدتها أسبوعان. ويخوض معها الأوروبيون الآن مفاوضاتٍ ينتظر الجميعُ، وعلى رأسهم الأميركيون، نتائجَها خلال أيام. ولكي لا نتابع الجدالَ في المسألة (التفاوض أم الحرب؟) يستحق الأمر السؤال من جديد: لماذا تقدمت الحرب أو جرى تفضيلها على التفاوض؟ وهو الأمر الذي يصدق على حروبٍ أُخرى بين روسيا وأوكرانيا، وبين إسرائيل و"حماس"، وفي جمهورية الكونغو الديمقراطي مع جماعات التمرد. الرئيس ترامب افتخر بأنه بالتوسط بين الهند وباكستان أنهى نزاعاً كان يوشك أن يوصل إلى حرب. فلماذا اختار الرئيس دعم الهجوم الإسرائيلي على إيران ما دام الجميع، الذين أدانوا والذين لم يدينوا، يقولون، إنه لا بد من العودة للتفاوض، وهو يعطي الإيرانيين فرصةَ أسبوعين من جديد!

يعتقد كل طرف يشن الحرب أنه بالحرب يصل إلى سلامٍ لصالحه، وهذا أمرٌ غير مؤكد. ويعتبر كثيرون أنّ هذا الجدال بشأن فائدة التفاوض غير مُجْدٍ إلاّ إذا كان الطرف الأقوى (الولايات المتحدة) مقتنعاً بذلك، وبخاصةٍ أنه هو نفسه يمارس الأمرين: التفاوض والحرب! المسألة حقاً في أنّ الطرف الأقوى الذي يمارس الأمرين هو واحدٌ ووحيد، وليس مضطراً لمراعاة طرفٍ آخر يقاربه في القوة. وقد تبين ذلك في جلسة مجلس الأمن بشأن الحرب الدائرة يوم 20/6/2025. كل المشاركين دعوا لوقف الحرب. أما المندوب الأميركي فقال إنّ الحقَّ على إيران، إذ لماذا هي بحاجةٍ لسلاحٍ نووي يهدد السلام العالمي؟ لكن أيها الناس أين هو السلام العالمي؟!

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن