ولما كان اليوم العاشر من العدوان الإسرائيلي على إيران، دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميا الحرب بجانب إسرائيل، بعد أن كان قد دخلها فعليا منذ اللحظة الأولى، لكن من دون إعلان رسمي. ترامب أعلن فجر أمس الأحد أن القاذقات الأمريكية قد هاجمت المواقع النووية الإيرانية الثلاثة في نطنز وأصفهان وفوردو.
وإلى أن نعرف الحقيقة كاملة في المستقبل فإن الملاحظة الأساسية هي أن ترامب يهول كثيرا من حجم الضربة، وأن إيران تهون كثيرا منها، والنتيجة أننا لا يمكن أن نصل إلى الحقيقة حتى إشعار آخر، وسوف نظل نتعرض لبيانات دعائية من كلا الجانبين، وتلك سمة لكل الحروب تقريبا قديمها وحديثها، باستثناء ما يتم حسمها بالضربة القاضية على غرار القنبلة النووية الامريكية على هيروشيما وناجازاكى في صيف 1945.
ترامب وبعد أن مارس طريقته المعتادة في تناقض تصريحاته، وبعد أن أربك إيران كثيرا حتى قبل بدء العدوان الإسرائيلى في 13 يونيو الحالي، اتخذ قرار الهجوم، رغم أنه مساء يوم الجمعة الماضي، قال إنه يمهل إيران أسبوعين لتقرر الاستسلام غير المشروط، وتوقف التخصيب تماما. ترامب أعلن فجر أمس أن "العملية حققت نجاحا باهرا ودمرت المواقع الثلاثة تماما، وأن إيران لم تعد تملك القدرة على أن تصبح قوة نووية."
ترامب قال أيضا إن "إيران إذا لم تتخل عن برنامجها النووي فسوف تواجه هجمات مستقبلية أسوأ بكثير وأسهل بكثير، وهناك أهداف كثيرة متبقية سنقوم بملاحقتها بسرعة ودقة ومهارة". في المقابل فإن رد الفعل الإيراني كان التهوين الشديد. وأفضل مثال على ذلك كانت تصريحات حسن عابديني، المدير السياسي لهيئة الإذاعة والتليفزيون الإيرانية، الذي قال إن بلاده كانت قد أخلت المواقع النووية الثلاثة منذ فترة، وإن إيران لم تتعرض لضربة كبيرة لأن المواد النووية أزيلت مسبقا.
مركز السلام النووي الإيراني قال إنه لم يرصد أي تلوث إشعاعي أو تسرب نووي، وطمأن المواطنين بأنه يمكنهم مواصلة حياتهم الطبيعية قرب هذه المواقع. أما أحد نواب البرلمان الإيراني عن مدينة قم فقال إن أضرار فوردو ليست خطيرة، مطالبا ترامب بأن يكثر من تصنيع التوابيت التي سيعود فيها جنوده الموجودين في المنطقة!
أكثر من مسؤول إيراني أكد أن المواد النووية تم سحبها من هذه المواقع قبل شن إسرائيل عدوانها وأن الحياة تسير بطريقة طبيعية حول هذه المواقع. إذن الصورة الموجودة أمامنا تكشف أن ترامب يقول إنه دمر البرنامج النووي الإيراني تدميرا كاملا، وإيران ترد وتقول البرنامج سليم وإن ما تم تدميره مجرد فتحة النفق في منشأة فوردو، وإن الجزء المهم موجود على عمق يبلغ حوالي 100متر أسفل جبل صخري.
وفي ظل هذا التناقض بين رأيين مختلفين فالمؤكد أنه يصعب علينا معرفة حقيقة ما حدث حتى ربما لوقت طويل، أو حينما تتضح النتائج السياسية لهذه المعركة العسكرية. وإذا كنا سنظل في حيرة بين ما تقوله واشنطن وتل أبيب، وما تنكره طهران فهناك وجهة نظر ثالثة بين هذين الرأيين المتناقضين. هذا الرأي الثالث يقول إنه يصعب تدمير منشأة فوردو وبقية المنشآت النووية تدميرا كاملا بأسلحة تقليدية، لأن ذلك يحتاج قنبلة نووية تكتيكية وليس فقط القنابل الخارقة للأعماق.
وحتى لو تمكنت أمريكا وإسرائيل من تدمير هذه المنشآت وأخرت المشروع النووي لسنوات فإن ذلك لن يمنع إيران من الاحتفاظ ببعض اليورانيوم المخصب الذي قد يمكنها مستقبلا من صنع قنابل نووية حتى لو كانت قليلة. لكن الرأي الأهم، من وجهة نظر هؤلاءـ أن إيران صارت تملك المعرفة النظرية ودورة التخصيب الكاملة للبرنامج النووي، وبالتالى فإن فكرة امتلاكها للقنبلة النووية ليست بعيدة المنال، إلا إذا تمكنت إسرائيل وأمريكا والغرب من إسقاط النظام الإيراني تماما، وهو أمر يبدو صعبا حتى هذه اللحظة.
التهويل الأمريكي قد يمكن فهمه في ضوء شخصية ترامب التي تميل الى المبالغات وتضخيم كل أفعاله، وقد تعني أنه سوف يكتفي بهذه الضربة فقط ويقنع نتنياهو بوقف الحرب. والتهوين الإيراني قد يفهم منه أن طهران لا تريد التصعيد مع أمريكا وعدم الرد واسع النطاق على الضربات وامتصاص العملية الأخيرة لإعادة بناء وترميم ما دمره العدوان والوصول إلى اتفاق سياسي.
كلها احتمالات وقادم الأيام هو فقط من يحكم على صحتها.
(الشروق المصرية)