في تقدير الموقف هذا نركّز على إسرائيل التي بادرت إلى الحرب:
مكاسب إسرائيل من الحرب:
- المكسب الأكبر تحقّق بانضمام أميركا الفعلي إلى الحرب بقصف المنشآت النووية الإيرانية في "فوردو" و"نطنز" و"أصفهان". وبعد فشله المتكرّر مع أربعة رؤساء أميركيين سابقين في دفعهم إلى هذا التورّط المُخيف، نجح نتنياهو في إقناع الرئيس ترامب بدخول الحرب معه.
حقق نتنياهو هدفه المعلن منذ نحو ربع قرن بضرب البرنامج النووي الإيراني
القيمة الاستراتيجية لهذا التطور الخطير هي أنّه رَفَعَ مستوى الالتزام الأميركي بحماية إسرائيل إلى مستوى غير مسبوق لم تُسجّله أي إدارة سابقة منذ هاري ترومان. المشكلة التي تواجه شعوب الشرق الأوسط من هذا السقف الجديد في الانحياز الأميركي الأعمى لقاعدتها المتقدّمة ولحاملة طائراتها التي لا تغرق، بتعبير روبرت ماكنمارا الشهير، ضدّ هذه الشعوب، هي أنّها وضعت تقليدًا وخلقت سابقةً وآليةً لن يتخلّى الإسرائيليون عن طلبها في المستقبل ولن تستطيع أي إدارة أميركية مُقبلة رفض تقديمها.
- المكسب الثاني حقق فيه نتنياهو أخيرًا هدفه المعلن منذ نحو ربع قرن بضرب البرنامج النووي الإيراني. فمن المؤكّد أنّه إذا نحيت الدعاية الإيرانية عن أنها نجحت في نقل كل إنجازها النووي من اليورانيوم المخصّب ومحطات الطّرد المركزي إلى أماكن آمنة قبل الحرب، وإذا نحيت كذلك الدعاية الإسرائيلية والترامبية عن أنّ التهديد النووي الإيراني انتهى للأبد، فإنّ الحقيقة المؤكّدة هي أنّ ضربات إسرائيل الافتتاحية وضربة أميركا المُركّزة عرقلت وعطّلت البرنامج النووي الإيراني لسنوات مقبلة عدّة.
- المكسب الثالث هو إلحاق الضرر بصناعة الصواريخ الإيرانية، ولكن مرةً أخرى كان تقليصًا كبيرًا لأعداد هذه الصواريخ ومنصّات إطلاقها وإضعافًا لبنية تصنيعها، ولكن لم يصل إلى مستوى الإزالة بدليل استمرار إيران في القصف الصاروخي لإسرائيل حتّى اللحظة الأخيرة.
استهداف كبار القيادات العسكرية والعلماء النوويين وتحتاج إيران سنوات لبناء كوادر بوزنهم
- المكسب الرابع هو مكسبٌ مُتراكمٌ من الضربات المتبادلة السابقة بين البلدَيْن في الواحد والعشرين شهرًا من "طوفان الأقصى" وليس فقط من حرب الأيام الاثني عشر. هذا المكسب هو تدمير وسائل الدفاع الجوي الإيرانية ومنصّات الصواريخ أرض - جو والسيطرة على السماء الإيرانية.
- المكسب الخامس هو استهداف الصفوف الأولى من كبار القيادات العسكرية وكبار العلماء النوويين الإيرانيين. هؤلاء كانت لديهم خبرات قتالية وعلميّة في مواقعهم وتحتاج إيران وأي بلد آخر سنوات لبناء كوادر بوزنهم.
- إثارة الشكوك لدى المواطن الإيراني في كفاءة النظام الإيراني في حماية أمنه وشعبه ومشروعه النووي وقادته وعلمائه، والإعلان الصريح عن وجود اختراق أمني بنيوي وخطير رأسي في قلب النظام وأفقي في المجتمع والمهاجرين من الدول المجاورة ومن "الدياسبورا "الإيرانية المُتسلّلة من ذوي الأصول اليهودية. تعتقد إسرائيل والدول الغربية أنّ زرع الشكّ في كفاءة النظام أمام شعبه من شأنه خلق قاعدةٍ للتخريب في المستقبل لتأليب المجتمع الإيراني وطبقته الوسطى على حكومته.
خسائر إسرائيل:
- ككلّ تطوّر تاريخي يحمل فرصةً فإنّه يحمل أيضًا خطرًا، ولهذا فإذا كان انضمام أميركا للحرب مع إسرائيل فائدة استراتيجية فإنّه يحتمل بذور خسارةٍ استراتيجية، إذ قضى تمامًا على ادعاءات نتنياهو بأنّ إسرائيل قادرة على حماية نفسها بمفردها وبأنّها تستطيع تحقيق أطماعها في الاستيلاء على الأراضي أو في شنّ الحرب الوقائية من دون الحاجة إلى عونٍ مباشرٍ من كفيلها الأميركي. استنجاد نتنياهو بترامب ليقصف المنشآت الإيرانية جاء بعد تأكد نتنياهو من أنّه لم يُلحق بها الأذى المطلوب. بعبارةٍ أخرى، هذا الالتجاء كشف أنّ إسرائيل ما زالت عاجزةً عن العيش من دون الحماية الأميركية، مثلها في ذلك مثل الدول الصغيرة في المنطقة. يؤكّد ذلك أنّ الضربة الأكثر إيلامًا إنّما حدثت في ضربة منشأة "فوردو" ومخزوناتها من اليورانيوم المخصّب تمّت فقط بسبب الضربة الأميركية وليس الإسرائيلية.
هدف إسرائيل كان دَفْع إيران إلى استسلام غير مشروط ولا تلوح مؤشرات إلى أنّ نظامها قد يُقدم على الانتحار السياسي
- على الرَّغم من نجاحاتها العمليّاتية، فإنّ إسرائيل أخفقت كليًا في تحقيق أهدافها الاستراتيجية في محوٍ تامٍّ للبرنامجَيْن النووي والصاروخي الإيرانيَيْن. هذا الهدف الاستراتيجي كانت عبّرت عنه صياغة مُحكمة لرئيس هيئة العمليات السابق في الجيش الإسرائيلي اللواء يسرائيل زيف: "هو زعزعة قدرة النظام الإيراني على العمل كليًا، وألّا نمنحه أيّ فرصة للنهوض من جديد، يجب ضرب كلّ عضلة داخل الجسد الإيراني، لذلك يمكن تعريف الهجوم بأنّه تفكيك شامل للقدرات القيادية والإدارية والاقتصادية، والسيطرة من أجل منع إعادة النهوض من جديد، لكلّ دوائر الإدارة والنظام". مقارنةً بما انتهت إليه الحرب من نتائج على الأرض لا يستطيع محايدٌ أن يقول إنّ النظام سقط ولم يستطع النهوض أو إنّه تعرّض للشلل بدليل أنّه ظلّ في المعركة ووجّه ضرباتٍ موجعةً للداخل الإسرائيلي لم تحدث في أي حرب خاضها الكيان في الـ77 عامًا من عمره.
- الخسارة المحتملة الأهمّ ستكون في العجز عن تحويل الإنجاز العسكري لمكسبٍ سياسيّ. هدف إسرائيل السياسيّ من الحرب كان دَفْع إيران إلى اتفاق استسلامٍ غير مشروطٍ عند استئناف المفاوضات النووية تُوافق فيه على "صفر تخصيب" وعلى التخلّي عن البرنامج الصاروخي. من كل المؤشّرات التي انطوت على شبه تعادُلٍ بين الطرفَيْن في نهاية مباراة الحرب، لا تلوح أي مؤشرات من طهران إلى أنّ نظامها قد يُقدم على هذا الانتحار السياسي.
(خاص "عروبة 22")