صحافة

هل تصمد الهدنة بين إيران وإسرائيل؟

جمعة بوكليب

المشاركة
هل تصمد الهدنة بين إيران وإسرائيل؟

في اليوم الثاني عشر، من الضربة الإسرائيلية الجوّية الاستباقية ضد إيران، توقفت الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، بإعلان من الرئيس الأميركي ترمب بوقف إطلاق النار. الحروب عادة تنتهي بهزيمة طرف أو أطراف، وقبولهم التسليم. قد تنتهي الحروب أيضاً برضا الأطراف المتحاربة وقبولهم التفاوض. هل هذا يعني أننا موعودون باحتمال استئناف الأعمال العسكرية بين إسرائيل وإيران، أم أننا سنشهد بدء مرحلة تفاوض، وإنهاء هذا التوتر الذي ساد المنطقة؟

إذا كانت الحرب مقامرة غير مضمونة العواقب، فإن التكهن بالإجابة عن السؤال أعلاه مقامرة يتردد أمام قبولها كثيرون. إذ من المعروف تاريخياً أنّه من السهل إشعال نيران حرب بقرار. لكن الحرب بمجرد انفلاتها يصير من غير الممكن التحكّم في مجرياتها والسيطرة عليها. بمجرد إعلان الرئيس ترمب توقف الأعمال العسكرية بين الطرفين، سارع القادة في البلدين إلى وسائل الإعلام لإعلان انتصارهم! رئيس الحكومة الإسرائيلية تباهى مفتخراً بالقضاء على البرنامج النووي الإيراني، وبالقضاء على رؤوس النظام من القادة العسكريين والأمنيين. وأعلن القادة الإيرانيون انتصارهم بصدهم الهجوم الإسرائيلي. لكن للحرب الأخيرة روايات أخرى، لم تظهر بعد، وقد تجد طريقها للظهور قريباً، وتبدو التفاصيل واضحة.

الحرب كذلك خدعة. وكلما كانت الخدعة محبوكة الأطراف، ارتفعت أسهم الفوز. المفارقة في الحرب الأخيرة أن الخدعة الأكبر فيها لم تكن إيرانية أو إسرائيلية، بل أميركية التصميم والتنفيذ! حَبَكَ الرئيس ترمب ومستشاروه وقادته العسكريون خدعة انطلت على وسائل الإعلام، وعلى المراقبين، وضربت القاذفات الأميركية فجأة ثلاث منشآت نووية إيرانية، في أولى ساعات يوم الأحد الماضي.

التمويه الأميركي السابق للضربة الجوّية ضد المنشآت الإيرانية كان على المستويين الإعلامي والعسكري. قاد الرئيس ترمب مهمة تضليل الإعلام بمهارة لفتت اهتمام المعلقين. وذكر تقرير إعلامي أميركي أن القادة العسكريين عاشوا فترة الإعداد للخطة على أعصابهم؛ خوفاً من أن يُفشي الرئيس ترمب سرّها. وعلى المستوى العسكري نجح القادة العسكريون الأميركيون في تصميم خطة بِسرّية وُصفت على لسان وزير الدفاع الأميركي بأنها غير مسبوقةْ.

الخوض في الادعاءات بنجاح الضربة الأميركية من عدمه في تدمير المنشآت النووية الإيرانية الثلاث، قد لا يكون مناسباً؛ بسبب ما اعترى الادعاءات الأميركية من تجريح في صحّتها، في وسائل الإعلام الغربية عموماً والأميركية بشكل خاص. ومؤخراً اعترف وزير الخارجية الإيراني بالضرر الكبير الذي لحق بالمنشآت النووية الإيرانية. النتيجة الأوضح للحرب، حتى الآن، تبدو في صالح رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. إذ ذكرت تقارير إعلامية غربية أنّه استعاد شعبيته بين الناخبين الإسرائيليين بعد أن وصلت في وقت سابق إلى درجة منخفضة جداً، وأنها حالياً ارتفعت فجأة، وبلغت درجةً لم تصلها من قبل، حتى صار بإمكانه، إن أراد، حلُّ الحكومة والدعوة لانتخابات نيابية، والفوز.

توقف الحرب لا يعني، بالمعايير كافة، سوى هدنة هشّة، بين دولتين متعاديتين، وأسهمت الحرب في ازدياد وتعميق العداء والكراهية بينهما. وهناك سؤال يتردد بقلق في عديد من الدوائر الغربية حول مصير 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب، قيل إن الإيرانيين تمكنوا من إخفائها. الأمر الذي يعني أن إيران ربما تعيد ما فعله العراق بعد ضرب مفاعله النووي من قبل إسرائيل، باللجوء إلى السرّية. الأمر الذي يعني أن وكالة الطاقة النووية الدولية لن تتمكن من مراقبته.

الرئيس الأميركي ترمب صرح بأن فريقه التفاوضي سيلتقي فريقاً إيرانياً، إلا أنّه أضاف قائلاً إنّه شخصياً لا يرى حاجةً تدعو إلى ذلك، كونه متيقناً من أن القاذفات الأميركية قد تمكنت من تدمير البرنامج النووي الإيراني. وصَادَقَ على ذلك رئيس المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وأكّده وزير الدفاع الأميركي. إلا أن إيران، على لسان وزير خارجيتها، أعلنت عدم رغبتها في التفاوض. نأمل أن ينقشع هذا الشدّ والجذب بين كل الأطراف، ويزول هذا التوتر الذي هو ليس في صالح الجميع.

(الشرق الأوسط)

يتم التصفح الآن