هل صحيح أن المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية، التي توقف إطلاق النار فيها يوم الثلاثاء الماضي، كان يمكن أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة؟ هذا السؤال سمعناه يتكرر من العديد من المسؤولين في منطقة الشرق الأوسط، بل وفى عواصم دولية، وفى معظم وسائل الإعلام قبل الحرب وخلالها.
تقديري المتواضع أن الإجابة هي لا، والسبب ببساطة هو أنه طالما لم تندلع حرب عالمية ثالثة بسبب الصراع الروسي - الأوكراني، أو بسبب الصراع الاقتصادي بين أمريكا والصين، فهي لن تندلع بالتالي بسبب الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، التي تم احتواؤها ولو بصورة مؤقتة بتدخل مباشر من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وموافقة الطرفين المتصارعين.
أغلبية من يتحدثون عن خشيتهم من نشوب حرب عالمية ثالثة لم يكلفوا أنفسهم طرح سؤال بديهي جداً وهو: إذا كانت هناك خشية من وقوع حرب عالمية ثالثة فمن هي أطراف هذه الحرب؟! لو قمنا بتحليل مواقف الأطراف الدولية الكبرى فعلياً وليس بالتصريحات والمواقف العنترية فسوف نكتشف ببساطة أنه لا يوجد طرفان كبيران محددان يمكن أن يشكلا مواجهة عالمية.
الأمر الواضح ببساطة أن إسرائيل هاجمت إيران، ونعلم أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل منذ إنشائها عام 1948، وفى المواجهة الأخيرة انحازت إليها بصورة واضحة، وقصفت المنشآت النووية الإيرانية الثلاثة، ونعلم أيضاً أن كبار أوروبا وهم: بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا أعلنوا انحيازهم الواضح لإسرائيل ضد إيران، وبجانب هؤلاء هناك دول غربية أخرى مثل أستراليا دعمت إسرائيل.. وحتى أمريكا وباستثناء عملية مطرقة منتصف الليل لم تشارك رسمياً بكثافة في القتال، ثم فرضت وقف إطلاق النار في النهاية.
هذا هو طرف معلن أما الطرف الثاني وهو إيران التي وجهت صواريخها ضد إسرائيل، فمن الذي دعمها في هذه الحرب؟! القوى الفعلية التى تدعم إيران هي منظمات وتنظيمات من الفاعلين من غير الدول، مثل حركة حماس وحزب الله وجماعة الحوثيين، والحشد الشعبي وجميعهم تعرضوا لعمليات نوعية من إسرائيل أو أمريكا، ولم يعد في مقدورهم تغيير المعادلة، بل وصاروا أضعف بكثير مقارنة بأوضاع ما قبل 7 أكتوبر 2023.
هناك دول تصدر بيانات دعم وتأييد لإيران، لكنها بلا قيمة فعلية على أرض الواقع، وهناك دول لو انضمت لإيران وقدمت لها الدعم العسكري المباشر فربما كان يمكن أن نخشى من حرب عالمية ثالثة. أول دولة من هذه الفئة هي روسيا، التي أعلنت دعمها أكثر من مرة لإيران، وأدانت الهجمات الإسرائيلية - الأمريكية عليها، لكنها لم تقدم أكثر من الكلام، وأقصى مواقفها كان عرضها الوساطة.
روسيا تخوض معركة مصيرية في أوكرانيا، ورغم دعم دول حلف الناتو لأوكرانيا فلم تدخل في حرب علنية ضد الحلف، كما لم تحارب بعد سقوط نظام حليفها بشار الأسد في سوريا ونهاية نفوذها في هذا المنطقة المهمة من العالم فهل تحارب من أجل إيران؟! ثم إن علاقات روسيا مع أمريكا صارت أفضل إلى حد كبير بعد إعادة انتخاب ترامب، وهو أمر خلط كثيراً من الأوراق في الأزمة الأوكرانية، وبالتالي فالأولوية الروسية الحالية هي الحفاظ على علاقات ودية مع ترامب، وليس محاربته من أجل إيران.
الأمر نفسه ينطبق على الصين، هي تدعم إيران كثيراً، ولديها علاقات متنوعة معها، وإذا كانت لم تقرر حتى الآن شن حرب لاستعادة تايوان، فيصعب تماماً أن تدخل حرباً مع أمريكا وإسرائيل من أجل إيران حتى وهي تدرك أن انكسار إيران سيمثل خسارة كبيرة لها. العلاقات الاقتصادية للصين مع أمريكا تحتل المرتبة الأولى، وكل تجارب وأزمات السنوات العشرين الأخيرة منذ غزو أمريكا للعراق عام 2003 تقول بوضوح، إن الصين لم تتورط في أي مغامرة عسكرية، وتفرغت لتقوية اقتصادها، وبالتالي فإن أقصى ما يمكن أن تفعله لإيران هو الدعم المعنوي والدبلوماسي والسياسي.
هناك أيضاً باكستان التي أعلنت تضامنها مع إيران، وخرجت تصريحات من بعض مسؤوليها تشير إلى أنها ستقف مع إيران عسكرياً في بداية العدوان الإسرائيلي، ثم تغيرت اللهجة إلى الدعم المعنوي والسياسي والدبلوماسي فقط. هذه هي الصورة من دون تجميل، فأين هي الأطراف التي ستشكل مواجهة الحرب العالمية الثالثة؟
الإجابة مرة أخرى هي أنها غير موجودة تماماً إلا في أذهان قلة من الناس، بعضهم يلوح بها ظناً أن ذلك سيشكل ضغطاً على الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل وقف الحرب على إيران قبل توقفها رسمياً الثلاثاء الماضي. مرة أخرى لن تقوم حرب عالمية ثالثة، بسبب الصراع الإيراني - الإسرائيلي، الذي توقف إطلاق النار فيه، ما يعني أننا نتجه إلى التهدئة وليس التصعيد رغم أن الصراع بمعناه الشامل لم ينته بعد.
الاحتمالان الأساسيان لاندلاع هذه الحرب أن تشتبك روسيا وحلف الناتو في أوكرانيا، أو تتواجه الولايات المتحدة مع الصين لمنعها من تجاوزها اقتصادياً، وغير ذلك يظل ما نشهده مجرد حروب محلية، أو في أفضل الأحوال حروباً إقليمية، لكن من الخطأ البالغ وصفها بأنها عالمية!
(البيان الإماراتية)