صحافة

"المشهد اليوم"…إيران تُشيّع "قتلى الحرب" وهدنة غزّة الى الواجهة مجددًااسرائيل تُصعّد من عملياتها جنوب لبنان وتسعى لتوقيع اتفاقية سلام مع سوريا

عشرات الايرانيين يشاركون في جنازة القادة العسكريين والعلماء النوويين الذين قتلوا في الضربات الإسرائيلية على طهران (رويترز)

لا يزال موقف ايران ملتبسًا تجاه عودتها الى طاولة المفاوضات من عدمها، فرغم دفع الولايات المتحدة الاميركية في هذا الاتجاه الا ان طهران بقيت متحفظة تجاه تلك الخطوة التي تعتبرها "غير مواتية" اليوم، وذلك لعدة أسباب أهمها الضرر الكبير الذي طال منشآتها النووية جراء الضربات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة، رفضها التفاوض من منطلق ضعف وهزيمة وانكسار وتمسكها بحقها بتخصيب اليورانيوم ووضعه ضمن "الخطوط الحمراء" التي لا نقاش فيها، بينما تبدو واشنطن حاسمة تجاه "تصفير اليورانيوم" وهو ما يُعقد حصول أي لقاء في الوقت الحالي.

والى جانب تلك الاسباب تظهر اسرائيل، على الضفة الاخرى، بطموحها المتعاظم بالحفاظ على حقها في تقويض البرنامج النووي الايراني ومنع أي محاولة لإحيائه في المستقبل، بعدما حصلت على "ضوء أخضر" أميركي، في وقت سابق، مكّنها من اغتيال كبار الشخصيات العسكرية والأمنية وعلماء نوويين رفيعي المستوى، ما اعتبر بمثابة ضربة قاصمة للنظام الايراني لجهة أهمية ومكانة الشخصيات التي تم استهدافها وقتلها. ولكن رغم كل هذه السردية، يبقى الاتفاق مع ايران ضرورة حتمية مهما تم اعلاء السقوف وفرض الشروط والشروط المضادة، وهو تمامًا ما أكد عليه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي الذي شدّد على "أنه لا يمكن محو تقدم طهران النووي بالسبل العسكرية وإنما بالاتفاق معها".

وبات من المعروف أن ايران قررت تعليق التعاون مع "الوكالة الذرية" ومنع دخول المفتشين الخاصين بها وحتى شنّ حملة ضد غروسي نفسه متهمة إياه بالتجسس لصالح إسرائيل والمساهمة في شرعنة الهجمات الإسرائيلية والأميركية على منشآتها النووية. فيما حذّر الاخير من تداعيات هذا القرار لجهة تفلت طهران من الرقابة بشكل تام على هذه المنشآت وسط غموض بشأن مصيرها، مرجحًا أن تتمكن إيران من البدء بإنتاج يورانيوم مخصب "في غضون أشهر". وأمام هذه المعطيات يبرز السؤال الاهم حول كيفية الاعلان عن وقف النار بين الجانبين بوساطة قطرية وبناء على اقتراح اميركي، لكن دون ان يكون هناك اتفاق واضح وصريح، ما يعني امكانية انهيار هذه الهدنة "الهشّة" بين إسرائيل وايران في أي وقت.

والمخاوف من العودة الى الحرب كان قد أعلن عنها صراحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المهتم بأن يكون "صانعًا للسلام"، فيما تتحدث معلومات صحافية عن اتفاق تسعى اليه واشنطن ويقوم على تخفيف العقوبات المفروضة على طهران، والتي تثقل كاهل الحكومة والشعب على السواء، مقابل وقف تخصيب اليورانيوم. ووسط هذه التعقيدات، تجهد الدول الاوروبية الى أن يكون لها مقعد على طاولة المفاوضات بعد تهميشها في الآونة الأخيرة، حيث قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إن بلاده "تعتزم مع شركائها الأوروبيين الاضطلاع بدور محوري في المفاوضات بشأن ملف إيران النووي".

في غضون ذلك، شيّعت طهران في حشد مهيب كبار القادة من الجهازين العسكري والأمني والعلماء النوويين الذين قُتلوا خلال حرب الـ12 يومًا. في حين لفتت وسائل الإعلام الرسمية الى أن أكثر من مليون شخص شاركوا في موكب التشييع على وقع هتافات منددة باسرائيل والولايات المتحدة. يُذكر أن هذه الحرب كبدت النظام الايراني خسائر جسيمة تمثلت بمقتل نحو 40 قائدًا إيرانيًا، وأكثر من 16 عالمًا نوويًا، واستهدفت 8 منشآت مرتبطة بالنووي، وأكثر من 720 موقعًا من البنية التحتية العسكرية، بحسب منظمة "نشطاء حقوق الإنسان" التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها.

تزامنًا، عاد الاهتمام بالتوصل الى اتفاق لوقف النار في قطاع غزة، حيث يضغط الوسطاء من أجل استغلال الفرصة الحالية ووقف حمام الدم المستمر، فيما تتجه الانظار الى الادارة الاميركية ومدى الضغوط التي ستمارسها على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لدفعه نحو ابرام الاتفاق والتخلي عن محاولات العرقلة التي يتقنها جيدًا. وكان الرئيس الأميركي قد أعرب عن تفاؤله بإمكان إرساء وقف جديد لإطلاق النار في غزة، مشيراً إلى احتمال التوصل إلى اتفاق "وشيك" يشمل إسرائيل وحركة "حماس" اعتبارًا من "الأسبوع المقبل". ويبدو أن هناك صفقة أميركية تلوح في الافق، لا تزال معالمها غير مكتملة الاركان، ولكنها تقوم على وقف محاكمة نتنياهو بتهم الفساد مقابل موافقته على انهاء حرب غزة والتخلي عن شروطه التعجيزية.

فللمرة الثانية على التوالي، يدعو ترامب الى وقف المحاكمة الجارية بحق نتنياهو ملوحًا هذه المرة بتعليق المساعدات الأميركية لإسرائيل حيث قال: "تنفق الولايات المتحدة الأميركية مليارات الدولارات سنويًا، أكثر بكثير من أي دولة أخرى، على حماية إسرائيل ودعمها. لن نتسامح مع هذا". وأضاف إن "ما يفعله ممثلو الادعاء الخارجون عن السيطرة مع بيبي نتنياهو ضرب من الجنون". كما ادعى أن مثل هذه الإجراءات القضائية ستؤثر في قدرة نتنياهو على إجراء محادثات مع كل من "حماس" وإيران. وكانت دعوة ترامب أثارت استياء في الداخل الاسرائيلي الذي اعتبر أن مثل هذه التصريحات تعتبر "تدخلًا سافرًا" في الشؤون الداخلية للدولة.

الى ذلك، ذكر موقع "والا" الإسرائيلي أن زيارة وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر المرتقبة، غدًا الاثنين، إلى واشنطن هدفها إجراء محادثات بشأن وقف إطلاق النار في غزة وإيران، ولتنسيق زيارة مرتقبة لنتنياهو الى البيت الابيض. هذه المعطيات المتضاربة بشأن احراز تقدم في المفاوضات يقابلها واقع انساني مأساوي مع تزايد أعداد الوفيات جراء سياسات التجويع الممنهجة التي تمارسها قوات الاحتلال. ووفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي التابع لحكومة "حماس" في قطاع غزة، فإن 66 طفلًا توفوا نتيجة سوء التغذية الحاد، منذ بداية الحرب الحالية، وذلك بفعل رفض اسرائيل فتح المعابر ومنع إدخال حليب الأطفال والمكملات الغذائية، لا سيما للرُضع والمرضى. في وقت يصعّد جيش الاحتلال من هجماته العسكرية خاصة في خان يونس التي تشهد على غارات جوية عنيفة ونسف مستمر للمباني السكنية واستهداف لخيم النازحين.

في سياق متصل، تكثّف اسرائيل من اعتداءاتها جنوب لبنان منتهكة بشكل فاضح اتفاق وقف النار، بينما توضع هذه الخطوات التصعيدية في إطار ممارسة الضغوط على الدولة اللبنانية للمضي قدمًا بسحب سلاح "حزب الله" وتحديد جدول زمني لتحقيق ذلك. وكانت الانتهاكات الاخيرة أدت الى سقوط 3 أشخاص وعدد من الجرحى في استهدافين منفصلين نفّذتهما القوات الاسرائيلية في بلدة كونين القريبة من بنت جبيل وفي بلدة محرونة، وذلك بعد يوم من القصف العنيف على مدينة النبطية والذي أسفر عن مقتل امرأة وإصابة 25 آخرين. من جهته، قال الجيش الاسرائيلي إنه "قضى على حسن محمد حمودي مسؤول الصواريخ المضادة للدروع بمنطقة بنت جبيل في "حزب الله".

وتأتي هذه الخطوات الخطيرة بينما تتزايد الحوادث ضد قوات "اليونيفيل" من قبل الأهالي، وآخرها أمس السبت في بلدة إبل السقي ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول التوقيت والاهداف خاصة ان التجديد لهذه القوات وضع على نار حامية. من جهته، أكد رئيس الحكومة نواف سلام، في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط"، أن "العناوين المتعلقة بسيادة لبنان وحصرية السلاح هي حاجة لبنانية ملحة، قبل أن تكون مطلبًا خارجيًا"، مشددًا على أن "لبنان يستحق أن يكون دولة طبيعية يسود فيها السلام والاستقرار وحكم القانون بالتساوي بين جميع أبنائه، وأن تكون دولته هي الحامية وصاحبة القرار في الدفاع عن أبنائها". وتحاول الجهات اللبنانية الرسمية التعاطي بشكل جدي مع المقترح الأميركي المُقدم من قبل المبعوث توم باراك، الذي من المتوقع أن يعود إلى بيروت في الأسبوع الأول من شهر تموز/ يوليو المقبل.

أما على المقلب السوري، فتتجه الامور نحو توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل قبل نهاية العام الجاري، يتضمن انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي احتلها بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، بما فيها مرتفعات جبل الشيخ، حسبما ذكرت مصادر سورية مطلعة لقناة "آي 24 نيوز" العبرية. وتزايدت في الآونة الاخيرة الاحاديث عن وجود قنوات مفاوضات مباشرة بين الجانب السوري واسرائيل لاعادة ترتيب الاوضاع ومنع الفوضى وتفلت الأمور، لاسيما ان تل أبيب ترفع من وتيرة تعدياتها. هذا وكان وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر اعتبر "أن بقاء إسرائيل في مرتفعات الجولان شرط أساسي للتطبيع مع سوريا".

ما يجري محليًا واقليميًا تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم. واليكم في هذا الموجز أبرز ما ورد من تحليلات وعناوين:

رأت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن "المطلوب من إيران، بعد هذه الحرب، إثبات أنها شريك إيجابي لمحيطها الخليجي، وأن التعاون المشترك هو صمام الأمان في المستقبل والرهان الذي يتبارى الجميع إلى تحقيقه، في كنف الاحترام المتبادل والالتزام بمبادئ حسن الجوار"، جازمة أن "انتهاء الحرب الإسرائيلية على إيران عند النتائج التي وصلت إليها، جنّب المنطقة خسائر أكبر، وحفظ مقدراتها وحمى أجيالها من كارثة غير مسبوقة، خصوصًا أن المعركة كانت قاسية ومفتوحة على تطورات سيئة ومجهولة العواقب".

واعتبرت صحيفة "الوطن" البحرينية أن "المشهد الإقليمي لا يزال محتقنًا تحت السطح، محكومًا بمعادلات دقيقة وصراعات مؤجلة. فالهجمات الصاروخية التي تبادلها الطرفان الايراني والاسرائيلي مؤخراً لم تكن مجرد استعراض للقوة، بل رسالة تتجاوز ساحة الاشتباك المباشر إلى عمق التوازنات الدولية". وقالت "ما يجري فوق الطاولة ليس إلا الجزء الظاهر من مشهد أعقد يُدار في الكواليس، حيث تُبنى التحالفات وتُعقد التفاهمات. والثابت هنا بأن الخليج العربي أيضاً طرف فاعل ومؤثر في معادلة الأمن والاستقرار".

الموضوع نفسه تطرقت له صحيفة "البلاد" البحرينية التي أكدت أن "ما شهدته المنطقة خلال المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل لم يكن مجرد جولة جديدة في صراع طويل الأمد، بل كان منعطفًا كاشفًا عن طبيعة الحروب الحديثة، حيث لم تعد المعارك تُخاض لتحقيق انتصار ميداني صرف، بل لأهداف أخرى، مثل: تثبيت توازنات، توجيه رسائل، أو حتى تصدير أزمات داخلية"، مستنتجة أن "إن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، رغم ما سبقه من نار ودم، هو في حقيقته وقفة لتأكيد أن لعبة النار قد أصبحت أكثر تعقيدًا وخطورة، وأن الحروب القادمة قد لا تشبه ما تعلّمه العسكريون في الأكاديميات، ولا ما يتوقعه المتابعون من شاشات الأخبار"، بحسب وصفها.

في إطار متصل، لفتت صحيفة "الأهرام" المصرية عن وجود "مؤشرات أولية يمكن البناء عليها بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ووضع نهاية للحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" خلال فترة زمنية قصيرة"، منبهة الى أن "فجوة المواقف بين طرفى الحرب ستبقى هي العائق للتوصل لهذا الاتفاق حيث تقول "حماس" إنها مستعدة لإطلاق سراح بقية الرهائن المحتجزين لديها في غزة بموجب أي اتفاق لإنهاء الحرب، فى حين تقول إسرائيل إنها لن توقف الحرب إلا بعد نزع سلاح "حماس" وتفكيكها، وهو ما ترفضه الأخيرة".

من جهتها، أوضحت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "الصراع كان ولايزال ومستديم بين الفلسطينيين والإسرائيليين على عاملي: الأرض والبشر، وقد تمكنوا من احتلال كامل خارطة فلسطين، ولكنهم فشلوا استراتيجيًا من طرد وتشريد وترحيل كامل الشعب الفلسطيني"، مشددة على أن "فلسطين بحاجة للإسناد وهي وشعبها يستحقون التضامن والانحياز ولروافع داعمة".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن