صحافة

"المشهد اليوم"…ترامب يسعى لإنقاذ نتنياهو ومفاوضات غزّة على نار حاميةايران تشكك بنوايا اسرائيل الالتزام بوقف النار والمستوطنون يصعّدون هجماتهم في الضفة

فلسطينيون يشيعون أحد الشهداء الذين قُتلهم الاحتلال الإسرائيلي في غزّة (أ.ف.ب)

تطرح دعوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتكررة الى اعفاء "حليفه" رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من المحاكمة بقضايا فساد الكثير من علامات الاستفهام، لاسيما أن مثل هذه المطالب لاقت رفضًا اسرائيليًا كبيرًا باعتبارها تمثل "تدخلًا سافرًا" في الشؤون الداخلية. ولكن ترامب، الذي يصرح ليل نهار، يبدو أنه عازم على عقد تسوية قوامها انهاء الحرب في غزة مقابل انقاذ نتنياهو من القضايا المرفوعة ضده وبالتالي تبرئة ساحته من تهم الفساد بعدما تعالت الأصوات المندّدة بإستمرار الحرب والداعية الى اسقاط حكومة الأخير لفشلها في الافراج عن الأسرى المحتجزين لدى "حماس".

ويستغل كلاهما، اي ترامب ونتنياهو، الضربة العسكرية الأخيرة على ايران وما يروجان له من القضاء على قدراتها النووية من أجل تلميع صورتهما بالتزامن مع الاعلان الاميركي عن "اتفاق وشيك" بشأن غزة، في حين اعتبرت قناة "كان" الإسرائيلية إن منشورات ترامب ليست عفوية، بل هي جزء من خطة كبرى تستهدف إنهاء محاكمة نتنياهو، والتفرغ لإغلاق ملفات إقليمية كبرى تشمل غزة وايران. وعليه تبدو المنطقة على فوهة بركان وسط أحاديث عن امكانية انهيار الهدنة الهشّة بين طهران وتل أبيب في أي لحظة، ناهيك عن التصعيد العسكري الاسرائيلي الميداني في القطاع الذي شهد، أمس، وفاة العشرات من الفلسطينيين في اليوم الـ105 من استئناف حرب الإبادة.

وتتجه الانظار الى الزيارة التي يقوم بها وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر اليوم، الاثنين، الى واشنطن حيث من المتوقع ان يتم الحديث عن ضرورة ايجاد حلحلة لموضوع غزة والضغط للسير باتفاق كامل، وهو ما لا يزال محط رفض نتنياهو المتمسك بصفقة جزئية لا تنهي الحرب بل توقفها لمدة زمنية معينة بحجة عدم القضاء على حركة "حماس". وفي مقابل جهود التهدئة واتصالات الوساطة، شهدت الساعات الأخيرة تصعيدًا خطيرًا تمثل بإصدار الجيش الاسرائيلي أوامر إخلاء هي الأكبر، منذ شهور، في مدينة غزة وشمالها بهدف حشر السكان في منطقة المواصي، التي باتت تحتضن في رقعة جغرافية ضيقة جدًا ما يزيد عن مليون فلسطيني مع انعدام الظروف الانسانية بظل الارتفاع الجنوني للاسعار وشحّ المساعدات واستمرار اغلاق المعابر منذ شهر آذار/ مارس الماضي.

في غضون ذلك، أعلن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) عما أسماه "إحباط بنية تحتية واسعة" تابعة لحركة "حماس" في محافظة الخليل. ووفقًا للبيان الإسرائيلي، تم اعتقال أكثر من 60 شخصًا ينتمون إلى 10 خلايا، ومصادرة 22 سلاحًا و11 قنبلة يدوية، إضافة إلى اكتشاف مخبأ تحت الأرض يحتوي على أسلحة ومطلوبين. ويتزامن هذا الاعلان مع وجود نوايا اسرائيليّة "مُغرضة" من اجل تهجير سكان الضفة وتوسيع رقعة الاستيطان، التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالفترات السابقة. والى جانب القوات الاسرائيلية، فقد صعّد المستوطنون بشكل ملحوظ من هجماتهم تجاه الفلسطينيين من أجل تضييق الخناق عليهم ومصادرة ممتلكاتهم وأرزاقهم. ووفق معطيات "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان"، فإن المستوطنين نفذوا 415 اعتداء خلال شهر مايو/أيار الماضي، تراوحت بين هجمات مسلحة وتخريب وتجريف أراضٍ واقتلاع أشجار وإغلاقات قسرية.

على المقلب الاخر، لا تزال تداعيات الحرب الايرانية - الاسرائيلية تلقي بظلالها على المشهد العام، خصوصًا أن التراشق الكلامي بين الجانبين لم يتوقف بل ارتفعت وتيرته بدخول الرئيس ترامب على الخط مباشرة. وفي آخر المعطيات، فقد شككت ايران بنوايا اسرائيل للتهدئة وقال رئيس هيئة الأركان، عبد الرحيم موسوي، إن بلاده "مستعدة لردّ قوي إذا كررت تل أبيب عدوانها"، مشيراً إلى أن "طهران لم تبدأ الحرب، لكنها ردت بكل قوتها على المعتدي". هذا وتتضارب المعلومات بشأن قدرات ايران النووية بعد الضربات الاميركية الاسرائيلية الأخيرة، اذ نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن 4 أشخاص مطلعين على معلومات مخابرات سريّة متداولة داخل الحكومة الأميركية، أن اتصالات إيرانية اعتُرضت تضمنت أحاديث تقلل من حجم الأضرار على البرنامج النووي الايراني.

ورغم هذه التسريبات الاعلامية، الا أن ترامب يبدو واثقًا من تحقيق الأهداف المرجوة، ففي مقابلة على قناة "فوكس نيوز"، جدّد ثقته "أن الضربات دمرت القدرات النووية". وقال "لقد دُمرت بشكل لم يشهده أحد من قبل. وهذا يعني نهاية طموحاتهم النووية، على الأقل فترة من الزمن"، معلنًا أنه سيرفع العقوبات عن إيران إذا "جنحت للسلام". وعليه، فإن التأكد من صحة المعلومات بشأن "نووي إيران" يحتاج إلى الكثير من الوقت لتستر طهران على خسائرها الحقيقية مع الاشارة الى رفضها بشكل قاطع دخول وفد من مفتشي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" المواقع التي تم قصفها، وهي نطنز، أصفهان وفوردو، واتهامها الوكالة ورئيسها بالتجسس لصالح الاميركيين والاسرائيليين.

ومن شأن هذا القرار أن يُعقد التوصل الى اتفاق واضح المعالم، لاسيما ان "هدير" محركات اللقاءات غير المباشرة بين واشنطن وطهران متوقفة دون الافصاح العلني عن موعد الجولة السادسة من المفاوضات. بالتزامن، شدّد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، خلال اتصال هاتفي بنظيره الإيراني مسعود بزشكيان، على ضرورة العودة إلى طاولة المباحثات لمعالجة القضايا المتعلقة بالصواريخ الباليستية والبرنامج النووي، فضلا عن استئناف عمل الوكالة الدولية. وكما أسلفنا في وقت سابق، فإن الدول الاوروبية تطمح الى لعب دور ما في المفاوضات رغم تهميش ترامب المتعمد لها على عكس ما حصل عند ابرام الاتفاق الاول في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

في اطار متصل، قال الموفد الأميركي إلى سوريا توماس برّاك إن الحرب بين إيران وإسرائيل تمهد لـ"طريق جديد" في الشرق الأوسط، معتبرًا أن سوريا ولبنان يحتاجان للتوصل إلى اتفاقات سلام مع إسرائيل. وأشار إلى أن تل أبيب "كانت بوضوح عدو الدولة السورية في الماضي"، والرئيس أحمد الشرع "أظهر بوضوح أنه لا يكره إسرائيل، ولا يحمل كراهية دينية لها، ويرغب في السلام على الحدود". ويأتي هذا التصريح بعد معلومات مؤكدة بوجود مفاوضات مباشرة تتم بين الجانبين الاسرائيلي والسوري دون معرفة المسافة التي قطعتها وما تم الاتفاق عليه حتى الآن. هذا وكانت وزارة الإعلام قد نفت، في وقت سابق، ما تم تداوله عن إحباط الجيش العربي السوري والمخابرات التركية محاولة لاغتيال الرئيس الشرع خلال زيارته لدرعا.

دوليًا، شنّت روسيا، ليل السبت - الأحد، أكبر هجوم جوي لها على أوكرانيا منذ بداية الحرب، وذلك في إطار حملة تصعيد عسكرية ميدانية بدّدت الآمال في تحقيق تقدم في الجهود الرامية لإنهاء الصراع المستمر بين البلدين، بينما فقدت كييف ثالث مقاتلة من طراز "إف - 16" أميركية الصنع. وتكثر وساطات الدول المعنية، ولاسيما تركيا والولايات المتحدة، لتقريب وجهات النظر وسدّ الفجوات ولكنها لم تصل بعد الى أي نتيجة تُذكر خاصة مع تعنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برفض التنازل عن أي من مكتسبات موسكو.

ولا تزال تداعيات الحرب الايرانية - الاسرائيلية تهيمن على أولويات الصحف العربية. وفي جولة الصباح نرصد التالي:

كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "المفهوم الآن أننا في مرحلة وقف إطلاق نار (بين اسرائيل وايران) وليس بمرحلة سلام، ووقف إطلاق النار ممكن أن يتغيّر وتعود حالة الحرب كما كانت"، مضيفة "طالما استمر غضّ البصر عن مفاعل إسرائيل النووي ستكون هناك الذريعة والأسباب لدول المنطقة للسعي لمشاريع مشابهة ولكن هذا ليس غريبًا على دولة ومنذ الإعلان عن قيامها وهي تتمدد وتعتدي على حدود الدول المجاورة لها وتعتدي على أراضيها وتحتلها بلا أي رادع ولا عقاب. دول المنطقة تأمل وترغب في العيش بسلام وليس في حالة وقف إطلاق نار، ولكن لن يتحقق السلام المنشود ما لم يكن مبنيًا على العدالة".

أما صحيفة "البلاد" البحرينية، فرأت ان ايران "التي استطاعت امتصاص الهجوم المفاجئ سريعًا، أصبحت الآن أكثر تصميمًا على تحصين برنامجها النووي، وأكثر استعدادًا ربما لتطوير السلاح الذي لطالما نفت سعيها لامتلاكه وذلك عقب تلميحات بإمكانية انسحاب البلاد من معاهدة حظر الانتشار النووي"، مستنتجة أن "الحرب لم تنهِ جوهر هذه الأزمة، ما يعني أن وقف إطلاق النار وإن طال أمده، فإنه ليس سوى استراحة للجولة التالية من حرب وجودية، خصوصًا حال عدم وصول واشنطن وطهران لاتفاق".

ومن وجهة نظر صحيفة "الأهرام" المصرية، فإن "إيران أثبتت للعالم قدراتها الصاروخية العالية الدقة، خرقت كل الدفاعات والطبقات الجوية. ووصلت إلى أهدافها فى العمق الإسرائيلي"، مشيرة الى أن "ايران الآن وبعد كل ما جرى. أوقفت الزحف الإسرائيلي، بغطاء أمريكي في المنطقة. تحت منطق القوة المفرطة. أعطت الآن زخما قويا للحركات المقاومة، لذلك كله. حققت إيران نصراً استراتيجيا. بينما الخاسر الأكبر كان إسرائيل. فهل سيغير النصر الإيراني، موازين القوة في المنطقة؟"، بحسب تعبيرها.

ونبهت صحيفة "الغد" الأردنية أن "إيران لو لم يكن لديها أي نية لإنتاج قنبلة نووية، فإنها ستضعها على رأس أولوياتها بعد الهجوم الساحق الذي تعرضت له. وذلك يعني أننا أمام سيناريو خطير في المستقبل. انهيار وقف إطلاق النار وارد بقوة، واختيار إيران لمسار سريع لإنتاج سلاح نووي مرجح أيضا، لتفادي صدام يطيح بنظام المرشد". وخلصت للقول "عندما تقدم قوة عظمى كأميركا على استخدام القوة العسكرية، يجب عليها أن تكون قادرة على فرض السلام بعد ذلك، وإلا ما قيمة مبدأ السلام بالقوة الذي تبنته إدارة ترامب".

واعتبرت صحيفة "عُمان" العُمانية أن ما "يُقلِق ليس انتهاء الجولة بين اسرائيل وايران، بل ما بعدها؛ فالكيان الإسرائيلي لن يهدأ له بال طالما بقيت إيران قوية متمسكة بقرارها السيادي ومشروعها النووي، وقادرة على ضربه في العمق دون وسطاء". وأردفت قائلة "الواقع أننا فرحنا بالأداء الإيراني، لكننا لا يمكن أن نتحدّث عن نصر مطلق لإيران، كما لا يمكن أن نتحدّث عن نصر إسرائيلي. ما يمكن التأكيد عليه باطمئنان هو أنّ الحرب لم تنته بعد، بل هي في بداياتها... نحن فقط نعيش هدنة هشة، وقد تنهار في أية لحظة".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن