السلاح النووي وجع في قلب الإنسانية، لعنة على من يفكر ومن لا يفكر في اقتنائه، حجة لمدمني إشعال الحروب والتعدي على سيادة الدول وتهمة جاهزة ضد المغضوب عليهم المستهدفين تخريباً وتدميراً وأداة لزعزعة استقرار الدول وتغيير أنظمة الحكم، رعب للبشر في أربع أركان الأرض، جبروت لدى من يملكه ونفوذ للساعين إلى التحكم في القرار العالمي..
الكل يخشاه وقلة تملكه وتشهره في وجه العالم وقتما تشاء ورغم أنه لم يستخدم سوى مرة واحدة ليحسم الحرب العالمية الثانية ضد مدينتي هيروشيما ونغازاكي في اليابان إلا أن ذكرى هذه المأساة ستظل تتوارثها الأجيال ولن يسقطها سوى قرار مجنون باستخدامه مرة أخرى وحال حدوث ذلك فإن الدمار سيكون عالمياً ومن سينجو من الموت بسببه سيعيش عاجزاً مشوهاً مهزوزاً بفعل تأثيراته البدنية والنفسية.
النووي لا تمتلكه سوى 9 دول فقط، قليلها يعلنه سلاح ردع للتصدي لمن يحاول الاعتداء على سيادته وكثيرها يتعامل معه على أنه سلاح ترهيب وتهديد ووسيلة توسيع نفوذ، الدول المالكة للقنابل النووية هي: روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا، وهذه الدول الموقِّعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والتي تُلزم الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية بعدم تصنيعها أو الحصول عليها، كما تُلزم الدول التي تمتلكها بـ"السعي للتفاوض بنيّة حسنة" بهدف نزعها.
الدول التي انضمت للنادي النووي بعد المعاهدة، لم توقع عليها هي الهند وباكستان بجانب كوريا الشمالية التي وقّعت على المعاهدة ثم انسحبت منها وإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمتلك القنابل النووية ولا تعترف بذلك علانية، وكذلك لم توقع على المعاهدة، فهي الدولة الاستثناء في كل ما يتعلق بالالتزام بالقانون الدولي وكل ما يحقق الاستقرار والأمان العالمي.
وإسرائيل لا تقف بالمرصاد ضد من يفكر في الإقليم لامتلاك النووي فقط ولكنها تقف لكل من تتخيل أو تتوهم أنه يمكن أن يسلك طريق تصنيع القنبلة النووية، تحاسب الآخرين على ما يثبت في عقيدتها، لا تعبأ بنواياهم ولا تصدق تصريحاتهم النافية لنوايا امتلاك النووي وتتعامل في الإقليم على أنها وحدها التي تملك اليقين وتدعمها في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
داعموها يرون بأم أعينهم أنها الدولة التي تجيد صناعة الصراع ولا تتوقف عن خوض حروب وترتكب من جرائم الإبادة ما يندى له جبين الإنسانية ولا تلتزم بقوانين دولية ولا قيم إنسانية ورغم كل ذلك يهلل لها شعبها كلما أشعلت حرباً جديدة ويصفق لها المتعاطفون معها كلما بالغت في قتل وتدمير وتجويع المدنيين العزل ويصطف إلى جانبها الساسة الذين يؤمنون بأن بقاءهم في مواقعهم رهن إرادتها.
ما أشبه الليلة بالبارحة، الحرب الإسرائيلية الأمريكية على إيران لمنعها من امتلاكه، ليست أول حرب باسم النووي أو أسلحة الدمار الشامل، سبقتها الهجمات الإسرائيلية على بغداد لتدمير مفاعل تموز النووي عام 1981 والحرب الأمريكية على العراق عام 2003 بدعوى امتلاكه أسلحة كيماوية وبيولوجية، والتي لم تكن مجرد هجمات بالطيران والصواريخ بل كانت احتلالاً أسفر عن تهديم العراق وتغيير نظامه وحل جيشه ومؤسساته الأمنية.
لم يكن العراق وحده الذي دفع ثمن الأكاذيب النووية والكيميائية ولكن أيضاً سوريا التي تعرضت لهجوم إسرائيلي بدعوى تدمير مفاعل نووي مزعوم لم يكن يعلم أحد عنه شيئاً ولعل باكستان هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي نجحت في تصنيع القنبلة النووية رغم محاولات إسرائيل وأمريكا وغيرهما منعها من ذلك، رغم المحاولات الإسرائيلية لتدمير مفاعلها النووي.
لعنة النووي لم تصب الدول والشعوب التي تعرضت للهجمات والاختراقات والاحتلال بسببه فقط ولكنها أصابت أيضاً دول جوار كما أصابت العلماء النوويين العرب والمسلمين ولم يكن السبعة عشر عالماً نووياً الذين استهدفتهم إسرائيل في طهران وغيرها من المدن الإيرانية من أول أيام الحرب هم أول من دفعوا حياتهم ثمناً لعلمهم ولخدمتهم لأوطانهم، بل سبقهم علماء عرب اغتالتهم إسرائيل بأساليب مختلفة على أراض عربية وغير عربية مثل مصطفى مشرفة (آينشتاين العرب) ويحيى المشد وسميرة موسى وسمير نجيب وغيرهم.
إسرائيل لا تخشى فقط النووي ولكنها تخشى كل سلاح يمكن أن يرد على هجماتها عليه وتخشى كل جيش قادر على منعها من التمدد وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى. لعنة النووي تؤكد أنه لا عدالة في النظام العالمي، فمن حق إسرائيل أن تمتلك النووي العسكري وليس من حق غيرها حتى امتلاك النووي السلمي، من حقها أن تعتدي ولا يُعتدى عليها، من حقها أن تقصف المستشفيات والمناطق المأهولة ولو تم قصف أحد مستشفياتها أو مناطقها المأهولة يشتعل العالم.
العقلاء وحدهم هم الذين يحلمون بعالم خال من أسلحة الدمار الشامل والكبار وحدهم هم من يريدون أن يكون كل الدمار في العالم بتوقيعهم وعلى الأقل بمباركتهم وتحت إشرافهم.
(الخليج الإماراتية)