صحافة

"المشهد اليوم"…حشد دبلوماسي في مؤتمر "حل الدولتين" وواشنطن "تسخر"خروقات متصاعدة لـ"هدنة" غزّة والكويت تدرج "حزب الله" و"القرض الحسن" ضمن لائحة العقوبات

وزير الخارجية السعودي يتوسط الصورة التذكارية للمشاركين في مؤتمر "حل الدولتين" (رويترز)

الخطط الاسرائيلية لا تنضب من اجل قطاع غزة، فتارة احتلال بالكامل وتارة أخرى ضم أراضٍ وما بينهما تهجير وتجويع للسكان وحشرهم في بقع جغرافية معينة وتجريدهم من كل مقومات الحياة. 22 شهرًا من الحرب وعشرات جولات المفاوضات التي لم تفلح بوقف القتال والتوصل الى هدنة ما تضع حدًا لعداد الشهداء الذي يحصد كل يوم المزيد من الارواح وسط مشهد سياسي مُعقد ودعم أميركي واضح للخطط الاسرائيلية وعجز المجتمع الدولي على التحرك الجدي.

فعلى الرغم من اعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو "تعليقًا تكتيكيًا" يوميًا لعملياته العسكرية في عدد من المناطق الاكثر اكتظاظًا بالسكان وفتح ممرات إنسانية لدخول المساعدات والسماح بعمليات انزال جوي بعد حصار مطبق دام أشهر طويلة، الا ان هذا "الرضوخ" الاسرائيلي مجرد "وهم" لذر الرماد في العين وتحسين صورة تل أبيب المُهشمة جراء عشرات الاف المشاهد التي تغزو العالم لأطفال فلسطينيين جوعى وصور لطوابير تتقاتل للحصول على كيس طحين او كرتونة مساعدات، حيث ان الهدنة يتم خرقها بشكل متكرر ومتعمد بينما المساعدات التي يتم السماح بادخالها بعد تفتيشها لا تكفي وتعتبر مجرد "فتات" امام الحاجات المهولة لمليوني فلسطين وهذا وفق تأكيدات العديد من الوكالات والمنظمات الدولية العاملة في هذا الشأن.

وعليه، تستمر تحذيرات الخوف من انتشار المجاعة على نطاق اوسع وتتعالى المناشدات بحماية عشرات الاطفال الذين يواجهون الموت المحتوم جراء سوء التغذية وتدهور القطاع الصحي والاستشفائي. وفي أخر التفاصيل، استشهد 92 فلسطينيًا بنيران الاحتلال الاسرائيلي أمس، الاثنين في مختلف أنحاء القطاع، بينهم 41 من طالبي المساعدات. هذا في وقت ذكرت "القناة 13 الإسرائيلية" أن الجيش سيعرض على المجلس الوزاري المصغر خطة للسيطرة على ما بين 90% و100% من مساحة قطاع غزة وذلك بعد فشل جولة المفاوضات الاخيرة التي، حتى الساعة، تتضارب المعلومات بشأنها فحينًا يتحدث المسؤولون الاميركيون عن عودتها لمسارها وحينًا اخر ينعيها الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي فضح أمس زيف الادعاءات الاسرائيلية واكد ان هناك "الكثير من الناس يتضورون جوعًا في غزة"، مشيرًا إلى أنه "بوسع إسرائيل بذل المزيد من الجهود لإيصال المساعدات الإنسانية".

الضغوطات المتزايدة على اسرائيل هي التي دفعت نتنياهو الى كسر الحصار "جزئيًا" على القطاع في وقت يرفض "التؤام المتطرف" اي وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش ادخال المساعدات ولو "بالحد الأدنى". الى ذلك تبدو الحكومة الاسرائيلية في مسارها المتبع حاليًا بعيدة عن مطالبات اهالي الرهائن المحتجزين لدى حركة "حماس" بوقف الحرب والاعلان عن صفقة شاملة تعيد ذويهم خاصة ان التصعيد الميداني والعسكري يُسابق اي مباحثات مزمعة. ولكن رغم كل هذا الجو "السلبي" و"الصورة القاتمة" الا ان الانظار توجهت أمس الى المؤتمر الدولي رفيع المستوى الذي تستضيفه الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك على مدار يومين برعاية سعودية وبمشاركة فرنسية "من أجل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين".

ويأتي هذا المؤتمر بعد اعلان فرنسا عن رغبتها الجدية بالاعتراف بدولة فلسطين، في وقت دعا وزير خارجيتها جان نويل بارو الى جعل المؤتمر "نقطة تحول" لتنفيذ حل الدولتين، مؤكدًا أن بلاده أطلقت زخمًا لا يمكن إيقافه من أجل الوصول لحل سياسي في الشرق الأوسط. وشدد على أنه يجب الانتقال من نهاية الحرب على غزة إلى إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني برمته. أما وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود فأشار الى أن المؤتمر "محطة مفصلية" نحو تفعيل حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وقال إن "السعودية وفرنسا عازمتان على تحويل التوافق الدولي بشأن حل الدولتين إلى واقع ملموس". من جهته، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن "حل الدولتين هو الإطار الوحيد المتجذر في القانون الدولي الذي أقرته الجمعية العامة والمدعوم دوليًا".

تزامنًا، انتقدت الولايات المتحدة هذا "الحشد" الدبلوماسي حيث وصفته المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس بأنه "مسرحية دعائية تأتي وسط جهود دبلوماسية لإنهاء الصراع"، مدعية أن المؤتمر "سيطيل أمد الحرب، ويشجع "حماس" ويقوض الجهود الحقيقية لتحقيق السلام". وفي الاطار عينه، أفادت صحيفة "تليغراف" البريطانية أن رئيس الوزراء كير ستارمر سيقدم "أكثر خططه تفصيلًا حتى الآن لما يجب أن يحدث لفلسطين للحصول على الاعتراف، بالإضافة إلى مناقشة الجهود البريطانية لتحسين إيصال المساعدات إلى غزة لمواجهة المجاعة". وتوقعت الصحيفة عينها أن يبقى اعتراف لندن بدولة فلسطينية مشروطًا بالتوصل لوقف لإطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن. يُذكر ان ضغوطات كبيرة يتعرض لها رئيس الوزراء البريطاني لاسيما داخل حزب العمال الذي يقوده دفعته الى اتخاذ مثل هذا القرار.

في اطار ذي صلة، تستمر الانتهاكات الاسرائيلية لاتفاق وقف النار في لبنان بينما يخوض المسؤولون فيه نقاشات متواصلة بشأن كيفية تنفيذ الورقة الاميركية الداعية لحصر السلاح بيد الشرعية وفق جدول زمني واضح. وتبرز الاختلافات والتباينات في وجهات النظر بينما يؤكد "حزب الله" بأنه غير معني بهذه الورقة وشروطها وأنه يلتزم فقط بالقرار الدولي 1701 وما نتج عنه. وهذه "المعضلة"، ان صح التعبير، تحول دون تحقيق لبنان اي تقدم ملموس في الجوانب الاقتصادية والحياتية حيث يرهن المجتمع الدولي أي مساعدات للبنان بشرطين أساسيين، وهما حل مشكلة السلاح وضرورة القيام بإصلاحات جدية. ومع غياب رؤية مشتركة، يستمر جيش العدو بتنفيذ غارات في لبنان حيث اعلن في بيان أنه اغتال عنصرًا من "حزب الله"، كان أحد عناصر "الوحدة المدفعية" التابعة للحزب، في بنت جبيل الجنوبية، مشددًا على أنه سيواصل العمل "لإزالة أي تهديد يواجه إسرائيل".

وتتزايد الضغوط الممارسة على "حزب الله" حيث أدرجت وزارة الخارجية الكويتية الحزب وجمعية "القرض الحسن" التابعة له والتي تُوصف بـ"الذراع المالية"، اضافة الى 3 أفراد من الجنسيات اللبنانية والتونسية والصومالية، ضمن اللائحة التنفيذية للعقوبات وتجميد الأموال. يُذكر أن جمعية "القرض الحسن" تخضعُ لعقوبات أميركية، وفي منتصف الشهر الحالي حظر قرار أصدره حاكم مصرف لبنان كريم سعيد بموجبه على المصارف والمؤسسات المالية القيام بأي تعامل مع الجمعية، في خطوة اعتبرت هي الاولى من نوعها في هذا المجال.

الاحداث السورية بدورها كانت محور الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونتنياهو حيث اكد الاول على ضرورة الحفاظ على "وحدة الأراضي السورية وسيادتها وتعزيز استقرارها السياسي الداخلي" وذلك بعد الاسبوع الدامي من المواجهات المسلحة في محافظة السويداء بين مقاتلين دروز وعشائر بدوية. وأفاد الكرملين أن الجانبين بحثا أيضًا المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وإيران، وأبدى بوتين "استعدادًا كاملًا للمساهمة بكل الوسائل في السعي إلى حلول تفاوضية في شأن البرنامج النووي الإيراني". من جهة اخرى، تتسع الفجوة بين موسكو وواشنطن في ما يتعلق بالحرب الاوكرانية، اذ وجّه الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيدف انتقادات واسعة لترامب قائلًا "كل إنذار نهائي جديد هو تهديد وخطوة نحو الحرب. ليس بين روسيا وأوكرانيا، بل مع بلاده (أميركا)"، وأضاف "روسيا ليست إسرائيل أو حتى إيران"، وذلك بمعرض رده على تهديد ترامب بتعجيل الموعد النهائي الذي منحه لروسيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع اوكرانيا.

وفي جولة صباحية على ابرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم نلحظ تركيزها على الهم الفلسطيني ازاء ما يحدث من تطورات ومستجدات:

رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أنه "من أهم أهداف إسرائيل بحربها على غزة، إن لم يكن أهمها: استعادة قوة الردع عندها، لتصل لمكانة الهيمنة الإقليمية. وما أهدافها الأخرى، مثل: استعادة الأسرى، ولا القضاء على المقاومة الفلسطينية، ولا إعادة احتلال القطاع، ولا حتى تفريغ غزة، من أهلها، إنما هي أهداف ثانوية، لا تقترب من الهدف الإستراتيجي الأكبر"، مشيرة الى أن "وجود إسرائيل في المنطقة واستمرار بقائها فيها، تعتمد على امتلاكها لإستراتيجية ردع فعّالة، تتمتع بقدرة وإمكانات قوة جبارة، وليس باعتراف أو القبول بها من قبل جيرانها".

ولفتت صحيفة "الجريدة" الكويتية الى أن "جرائم نتنياهو، لم تتوقف عند غزة، فامتدت إلى الضفة وإلى سورية، نتنياهو لم يتورع يومًا عن أذية الشعب الفلسطيني والتنكيل به، ولكن تماديه هذه المرة في طريقة انتقامه من فعلة حركة "حماس" وصل إلى حدود لا إنسانية لا يمكن حتى تصورها"، واردفت قائلة "الرئيس ترامب انزعج لأنه لم يُشكر على إرساله مساعدات لجياع غزة، ولكنه لم ينزعج من قيام إسرائيل بتصفية عرقية ضدهم، إنه "هولوكوست" صهيوني عنصري لا رادع له، ضد العرق السامي العربي"، وفق تعبيرها.

من جانبها، دعت صحيفة "الغد" الأردنية الى ضرورة "الوصول إلى معادلة يتم بموجبها فك الارتباط بين الأهداف السياسية لكلا الطرفين؛ اي حركة "حماس وإسرائيل"، وبين الجانب الإنساني لسكان قطاع غزة الذين كانوا ضحايا لصراع على نتائج الحرب بين الطرفين". وقالت "لم يعد بمقدور المدنيين في غزة أن يتحملوا أكثر من ذلك. المجتمع الدولي صار مستعدًا أكثر من أي وقت مضى للانتفاض في وجه إسرائيل. ليس قليلا ما أقدمت عليه فرنسا من اعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد نشهد في وقت قريب دولا تسير على نفس الطريق. ماذا سيكون موقف إسرائيل لو فعلتها بريطانيا؟".

صحيفة "الرياض" السعودية، بدورها، واكبت الحدث في الامم المتحدة وكتبت "لم تكن لحظة إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نية بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول المقبل مجرد تصحيح متأخر لمسار أخلاقي، بل كانت انعكاسًا لتحولات أعمق في النظام الدولي، مضيفة "من رام الله إلى دمشق، ومن الرياض إلى باريس، مشهد جديد وتحول جيوسياسي تاريخي تقوده السعودية ليس نتيجة قرارات آنية بل رؤية استراتيجية تضع أسس نظام إقليمي عربي جديد تعاد كتابة قواعده لكسر ثنائية الصراع والاحتلال لصالح البناء والاستقرار"، بحسب وصفها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن