صحافة

حملات ترامب ضد روسيا والهند وإيران

مصطفى السعيد

المشاركة
حملات ترامب ضد روسيا والهند وإيران

عندما يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض عقوبات على الدول المستوردة لنفط وغاز روسيا، فإنه لا يصطدم مع روسيا وحدها، وإنما مع كل من الصين والهند والبرازيل أكبر مستوردي النفط والغاز من روسيا، وإذا كانت آماله ضئيلة في أي تجاوب من جانب الصين والبرازيل، فإنه راهن على انصياع الهند، التي يراودها ترامب بأن تكون البديل للصين في الكثير من الواردات الأمريكية، ويغريها بذهب السوق الأمريكية الواسعة، إلى جانب سيف التهديد برفع الضريبة الجمركية على الواردات من الهند، فهل ينجح ترامب في الضغط على الهند؟

المؤكد أن الهند ستصبح أمام خيار صعب، لأنها تستورد نحو 40% من حاجتها للنفط والغاز من روسيا بأسعار زهيدة، وتعيد تصدير بعضه، محققة عوائد كبيرة، وتمنح سلعها ميزة تنافسية، ولا تقتصر علاقة الهند مع روسيا على واردات النفط والغاز بأسعار زهيدة، وإنما تعتمد منذ عقود طويلة على السلاح الروسي، وتعد أكبر مستورديه، ومن الصعب أن تستغني عن علاقات عسكرية وطيدة، وأسلحة اعتادت عليها، ولديها خبرات قتالية فيها، بل تنتج بعض مكوناتها، ولديها خبرات في صيانتها وتطوير بعض أجزائها، وكذلك هناك.

وفي المقابل تعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول للهند بواقع 125 مليار دولار العام الماضي، في حين تأتي الصين ثانية بواقع 124 مليار دولار بفارق ضئيل عن الولايات المتحدة، تليها الإمارات بنحو 99 مليار دولار، ثم روسيا رابعا بنحو 70 مليار دولار، لكن الصين والإمارات وروسيا أعضاء في منظمة "البريكس"، التي ترى فيها الولايات المتحدة خصما خطيرا، وهو ما يزيد من تعقيد الموقف الهندي، فإما أن تختار الولايات المتحدة أو روسيا وباقي شركائها في البريكس، لكن ما يرجح رفض الهند للعقوبات التي لوح بها الرئيس الأمريكي أن الهند ترى أن التدخل الأمريكي في قراراتها، ومعاقبتها بهذا الشكل يعد اعتداء على سيادتها، وهو ما يصعب أن تفرط فيه دولة كبيرة مثل الهند. كما أنها ستضحي بشراكاتها مع دول البريكس، وغالبا ما ستفقد عضويتها فيها إذا نفذت الإملاءات الأمريكية.

إن الرئيس ترامب يقامر بتلك العقوبات على دول لها مكانتها في التجارة العالمية، وأنه يشن أقوى هجوم على الرئيس الروسي بوتين، عندما يحاول نزع أهم صادرات روسيا، لكنه يدرك أن هذه الخطوة غير مضمونة النجاح والعواقب، فالصين أكبر مشتر لنفط وغاز روسيا، ولا يمكنها أن تؤجج حربها التجارية مع الصين، التي رفضت بسرعة قرار ترامب، ولوحت بأنها سترد على أي عقوبات تمس شركاتها التي تستورد نفط وغاز روسيا، لتستعر الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، في الوقت الذي يحاول فيه ترامب التوصل إلى اتفاق مع الصين.

وإذا أصر ترامب على قراره فإنه سيواجه قرارات انتقامية، وكذلك ستؤكد لباقي بلدان العالم أنها لا يمكن أن تأمن عقوبات الولايات المتحدة، وأن تسعى لعقد شراكات بديلة عنها، خاصة أن الكثير من حلفاء الولايات المتحدة عانوا عقوباتها وتقلباتها، ويشعرون بالقلق من أن يفاجئهم ترامب بالمزيد منها تحت أي ذريعة. أما روسيا فوصفت عقوبات ترامب بأنها غير شرعية، وتنتهك مبادئ التجارة العالمية، وحذرت من أن خطوة ترامب قد تؤجج الأزمات والصراعات الدولية، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هكذا قرارات. وكانت روسيا قد عبرت عن غضبها من إعلان ترامب عن تقليص المهلة التي سبق أن أعلن عنها لإيقاف الحرب في أوكرانيا من 50 يوما إلى 12 يوما، وقالت إنها لا تتلقى إنذارات، ولا تجدي معها العقوبات، وقال نائب رئيس الأمن القومي الروسي إن ترامب يلعب بالنار، وأنه تهديد وخطوة نحو الحرب.

هكذا أجج الرئيس الأمريكي نار حرب جديدة، وهو من كان يعلن أنه سيوقف كل الحروب فورا، لكنه وجد نفسه في دائرة النار والدخان، التي أخذت في الاتساع، خاصة مع دخول الولايات المتحدة حلبة الحرب المباشرة مع إيران، ويلوح بجولة جديدة فيها، ليجد الصين وروسيا تدعمان إيران بأسلحة متطورة، بينها منظومات للدفاع الجوي ووقود صواريخ وطائرات، لتصبح أي جولة جديدة أشد خطورة وفتكا، وتورط الولايات المتحدة في حرب قابلة للتوسع بسرعة، فهل سيواصل الرئيس الأمريكي المجازفة بشن المزيد من الحروب الاقتصادية والعسكرية؟ أم أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل لا تحتمل المزيد من النيران، وعلى الرئيس الأمريكي ترامب أن يبحث عن مسار آخر قبل أن ينجرف إلى صراعات لا يمكن الفوز فيها وتحمل نتائجها. 

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن