تتضارب المعطيات والمعلومات بشأن مستقبل الحرب الدائرة في غزة بعضها يروج لاتفاق شامل وانهاء أزمة الاسرى الاسرائيليين وبعضها الاخر يشير الى احتلال كامل للقطاع وتكثيف الحصار على السكان. وما بين السيناريوهين يموت أهالي القطاع تجويعًا وعطشًا وقصفًا دون أن يجدوا منفذًا بعدما وصلت جولة المفاوضات الاخيرة الى حائط مسدود وتعثرت المباحثات بسبب الشروط والشروط المضادة وتقاذف التهم بين تل أبيب وحركة "حماس".
وبات من الواضح ان حتى الدول الغربية التي بدلت موقفها مؤخرًا وقررت الاعتراف بالدولة الفلسطينية ترى ان مستقبل غزة، او ما يسمى بـ"اليوم التالي"، يقتضي نزع سلاح الحركة واقصائها من الحكم بشكل كامل وكذلك تشتدّ الضغوط الاميركية على "حماس" للسير بهذا الاتجاه وتقديم التنازلات، وهو ما اعلن عنه الموفد الاميركي الى الشرق الاوسط ستيف ويتكوف الذي، وبحسب معلومات اسرائيلية، أخبر عائلات الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة أنها، أي الحركة، مستعدة لنزع سلاحها، وهو ما نفته بشكل قاطع، رابطة بين تحقيق هذا المطلب وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وويتكوف هو نفسه نفى ان تكون هناك مجاعة في القطاع متبنيًا سردية رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك بعد زيارة استمرت 5 ساعات الى احد مراكز توزيع المساعدات التابع لـ"مؤسسة غزة الانسانية" والتي تتكاثر حولها الشبهات والانتقادات. هذه الزيارة "المسرحية" دفعت بالاخير الى التحدث عن "نقص فقط في الحاجات" رغم كل الصور الصادمة التي تُنقل من القطاع المحاصر الى العالم اجمع وتؤكد تعمد قوات الاحتلال تجويع القطاع وحرمانه من كل سبل الحياة واستهداف طوابير المجوعين عمدًا. وهو ما حاولت أن تثبته حركتا "حماس" و"الجهاد الاسلامي" من خلال مقاطع الفيديو التي نشرتها والتي يظهر فيها الأسيران أفيتار دافيد وروم بارسلافسكي وهما في حالة نفسية وجسدية صعبة بعدما أنهكهما الجوع والاحتجاز الذي دخل شهره الـ22 بظل فشل حكومة نتنياهو بتحرير اي اسير رغم كل المخططات التي اعتمدتها طوال هذه المدة.
هذه المقاطع فجرت حالة غضب عارمة في شوارع تل ابيب حيث نُظمت مظاهرتين حاشدتين دعتا نتنياهو الى ابرام صفقة فورًا واعادة الاسرى الاحياء منهم والاموات ووقف كل سياسات التحايل والمراوغة. وفشلت كل الاحتجاجات والضغوط السابقة بدفع رئيس الوزراء الاسرائيلي الى وضع اطلاق سراح الاسرى هدفه الاول حيث يبدو بشكل جلي ان الرهائن هناك، كما اهالي غزة، باتوا كبش فداء من اجل استمرار الاخير في موقعه السياسي لاطول مدة ممكنة. وامام حالة الجمود هذه، تحدثت مصادر إسرائيلية عن قرارات وصفتها بـ"الاستراتيجية"، يتوقع أن يتم اتخاذها الأسبوع الجاري والتي من شأنها تغيير وجه الحرب الدائرة في القطاع دون أن تتضح تفاصيلها ومعطياتها.
في غضون ذلك، نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن مصادر أن رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير ألغى زيارة إلى الولايات المتحدة كانت مقررة الثلاثاء، وأنه ربط توجهه إلى هناك بتحقيق وقف إطلاق نار دائم في غزة. ويعكس هذا الالغاء وجود اختلاف في الرؤى وتضارب بشأن اهداف العملية العسكرية ومستقبلها بظل غياب استراتيجة واضحة أو أفق سياسي خاصة ان الجيش الاسرائيلي يواجه حالات تمرد ورفض استمرار القتال او انتحار بعض عناصره نتيجة استمرار الحرب دون توقف. ولا يمكن التمييز بين المشهد السياسي والانساني اذ أن كلاهما مُعقد ويحتاج الى توافق لا يزال غير موجود حتى الساعة على الرغم من الأقاويل الاميركية بأنها تدفع بشكل جدي نحو الحل. ويعاني الأطفال بشكل اساسي ويدفعون فاتورة باهظة نتيجة استمرار هذه الحرب وتضاؤل كل المقومات الغذائية والطبية على حد سواء. فعداد الشهداء من بينهم لا يتوقف بالتزامن مع اطلاق منظمات دولية ووكالات أممية صرخات استغاثة يومية بضرورة وضع حد لهذه الابادة الجماعية .
هذا وكانت صحيفة "لوموند" الفرنسية نشرت تحقيقًا عما أسمته بـ"العام الأسود" للمحكمة الجنائية الدولية، بعد تعرضها العام الماضي لضغوط وتهديدات غير مسبوقة، هدفت إلى منع إصدار أو تنفيذ مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين وعلى رأسهم نتنياهو بدعم وتحريض من ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب. يُذكر ان هذا الاستهداف وتجريد المحكمة من سمعتها ومحاولة التشكيك بمصداقيتها تراه العديد من الدول الاوروبية بأنه تجاوزٌ صريح للقانون الدولي ويمهد لتداعيات مستقبلية خطيرة.
ومع كل هذه التطورات التي لا تنهي معاناة الغزاويين، تبرز مسألة اخرى وتتعلق بسوريا مع استمرار الواقع الامني المتردي وهواجس فرض الاستقرار الهش. فمن وقائع الساحل السوري الى محافظة السويداء والازمة تتعمق والشرخ يزداد بين مكونات الشعب السوري فيما تبدو الادارة الحالية عاجزة امام ضبط الاوضاع خاصة انها تولي اهتمامًا كبيرًا للعلاقات الخارجية على حساب الداخل الذي يحتاج الى نقاش معمق وحوار جدي ينهي حالة الانقسام في البلاد. وفي السياق، قالت وزارة الدفاع السورية إن هجومًا نفذته قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في ريف مدينة منبج بمحافظة حلب، شمال البلاد، أدى إلى إصابة 4 من أفراد الجيش و3 مدنيين.
من جهته، وضع المركز الإعلامي لقوات "قسد" ما يجري في اطار "الحق في الدفاع المشروع تجاه الهجمات على دير حافر"، داعيًا الى "ضرورة احترام التهدئة وضبط ما سماها "الفصائل غير المنضبطة". ويعمّق هذا الحادث الخلافات بين الجانبين على الرغم من توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات "قسد" فرهاد عبدي شاهين، اتفاقًا في وقت سابق ويشمل عدة جوانب الا ان تطبيقه العملي لم يشهد اي تطور ملموس نتيجة وجود العديد من الاختلافات بين الجانبين. يترافق ذلك مع بدء ضخ الغاز من أذربيجان إلى سوريا عبر الأراضي التركية بتمويل قطري بهدف دعم شبكات الكهرباء في البلاد بعد سنوات طويلة من الحرب والتي قضت على كل القطاعات الانتاجية. وأشاد وزير الاقتصاد الأذربيجاني ميكائيل جباروف بهذه الخطوة، واضعًا اياها في إطار "عملية إعادة الحياة إلى طبيعتها في سوريا".
ايرانيًا، حذّر وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي بأنه "إذا أصرّ الأوروبيون على وقف تخصيب اليورانيوم تمامًا، فلن يكون هناك أي اتفاق". وقال "عليهم أن يفهموا أنه بمهاجمة منشآتنا النووية جعلوا طريق التفاوض أكثر تعقيداً وصعوبة"، في اشارة الى الضربات الاسرائيلية- الاميركية الاخيرة والتي استمرت 12 يومًا. وتتعمد طهران ترك الباب مواربًا وعدم البت بموضوع المفاوضات بسبب وجود اختلافات داخل طهران نفسها بين من يؤيد العودة الى المباحثات النووية وبين من يرفضها ويطالب باعلاء سقف المواجهة اكثر.
على الصعيد الدولي، تتسع الخلافات بين الادارة الاميركية وروسيا بسبب استمرار الحرب الأوكرانية، اذ أمر الرئيس ترامب بنشر غواصتين نوويتين في مناطق "مناسبة" وذلك ردًا على تهديدات الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف التي وصفها بـ"الاستفزازية للغاية". يُشار الى أن ميدفيديف شدد، يوم الاثنين الماضي، على أن "تهديدات" ترامب تدفع نحو حرب مع بلاده لا بين روسيا وأوكرانيا. وقال إن على الرئيس الأميركي أن يدرك أن روسيا "ليست إسرائيل، ولا حتى إيران".
واليكم ما رصدناه خلال الجولة الصباحية على الصحف العربية الصادرة اليوم:
رأت صحيفة "الأهرام" المصرية أنه "بعد تعدد جبهات المواجهة ونجاح إسرائيل في كسرها الواحدة وراء الأخرى؛ فإنها فشلت في إحراز نصر، حيث طال الزمن والمسائل عالقة مع خسائر مادية وأخلاقية لا يحسب لها ثمن. ادعاء إسرائيل بقدرتها على إعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد ما حققته عسكريا فيه الكثير من الزيف والبعد عن الإقليم الذي تقيم فيه"، مشيرة الى أن "إسرائيل تغيرت هي الأخرى من الداخل بعد مشاهدة انجرافها نحو اليمين الديني وبعد فشلها رغم أسلحة الجوع والمرض في تحقيق الأهداف التي وضعتها. لم يكن في ذلك نصر استراتيجي لخصومها، ولكن المؤكد أن الإقليم أصبح بعيدا عن السلام أكثر من أي وقت مضى".
واعتبرت صحيفة "البلاد" البحرينية أنه "بات يقينًا للعالم أجمع أن استجابة إسرائيل للمناشدات وتأثرها الإنساني وتجاوبها معها هو من قبيل الأحلام والأوهام طالما بقي الأمر بيد إسرائيل نفسها دون تدخل فعلي وفاعل من غيرها، سواء بضمان إيصال المساعدات لأبناء غزة الجوعى المحاصرين أو بإنهاء الحرب كليًا". وقالت "الفرصة الهائلة الراهنة لإعادة بناء المستوطنات في القطاع، ولتحويل غزة من مدينة "شرسة" ورمز للصمود والمقاومة للعدوان والاحتلال إلى وجهة أخرى مغايرة لتكون مدينة "ناعمة" سياحية معاصرة ومتطورة".
هذا وأكدت صحيفة "الخليج" الاماراتية "أن التوجّه للاعتراف بالدولة الفلسطينية يظل معلقًا على النوايا أكثر من الحقائق، لكن قوته الرمزية تعني أن إسرائيل تجد نفسها أمام أزمة مستحكمة في أوساط الرأي العام الغربي بدأت تضغط على مراكز صنع القرار، كما لم يحدث منذ تأسيسها عام 1948"، لافتة الى "إننا أمام سباق على الوقت في الأمتار الأخيرة. طرفٌ يسعى لاستنقاذ أي فرصة متبقية لـ"حل الدولتين"…وطرف آخر يسعى لإجهاضها نهائيًا وإلى الأبد…هذا هو صلب التشابك السياسي والاستراتيجي في اللحظة الراهنة. السيناريو الأكثر ترجيحًا إسرائيليًا: المضي قدمًا في مشروعي الضم التدريجي لقطاع غزة، وفرض السيادة الكاملة على الضفة الغربية".
في سياق اخر، شددت صحيفة "الراية" القطرية أن "بدء تدفق الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى محطة كهرباء حلب سيسهم بشكل كبير في تعزيز إمدادات الكهرباء في سوريا، حيث تحمل هذه المبادرة أثرًا إنسانيًا عميقًا، إذ تسهم مباشرة في إنعاش الاقتصاد السوري وتحسين الظروف المعيشية للسكان، كما تؤكد عزم الدول الأطراف على تعزيز السلام والاستقرار والازدهار"، متحدثة عن "آثار إيجابية كبيرة على حياة السوريين وتوطين الأمن والاستقرار في سوريا الجديدة التي عانت لعقود من الظلم والتهميش والقتل والتدمير فسوريا اليوم لكل السوريين".
صحيفة "الغد" الاردنية، من جهتها، أوضحت أن "قرار فرض رسوم جمركية بنسبة 15 % على صادرات الأردن إلى الولايات المتحدة يجب النظر إليه بميزان الواقع لا بردود الفعل الانفعالية، فالقرار جزء من حزمة أوسع طالت أكثر من 67 دولة". وأضافت "العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، ودعمها السياسي والاقتصادي، وسمعة المنتج الأردني، هو ما يجب البناء عليه في المرحلة القادمة، بعيدًا عن المبالغة أو التهويل، وبخطط واضحة تدعم القطاعات التصديرية وتضمن بقاء الأردن على خريطة التجارة العالمية بثقة وإنجاز"، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")