صحافة

"المشهد اليوم"…لبنان ينزع الشرعية عن سلاح "حزب الله" وواشنطن ترحباسرائيل توافق على خطة نتنياهو لاحتلال غزة وفيدان في دمشق لبحث ملفات امنية واقتصادية

مُسعفون يتفقدون سيارة بعد استهدافها في غارة جوية إسرائيلية شمال لبنان (أ.ف.ب)

تحت ضغط الخارج والمخاوف من تفلّت الداخل، أقرت الحكومة اللبنانية مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، بما فيها سلاح "حزب الله" وذلك للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف وبعد تجاذبات وخلافات امتدت لسنوات لطالما رافقها حديث عن دور الجيش وقدراته وامكانية الدولة ونفوذها وصولًا الى الجدل الذي يعود الى الواجهة عند كل منعطف والمتعلق بقرار الحرب والسلم، وذلك ابان حرب تموز 2006 وأحداث 7 أيار المشؤومة وعند قرار الحزب المشاركة عسكريًا وميدانيًا في الحرب السورية وصولًا الى معركة "اسناد غزة" مؤخرًا وما تركته من تداعيات. وتكمن اهمية هذا القرار بأنه يجرد الحزب من الشرعية الرسمية ويسحب منه ورقة لطالما شكلت له مظلة حماية وأمان.

ومن هنا جاء موقف الحزب التصعيدي ضد الحكومة ورئيسها نواف سلام وانسحاب الوزراء الشيعة من جلسة الأمس بالتوازي مع "الاستعراضات" الشعبية لانصاره رفضًا للقرار الذي يضعونه في اطار "استهداف المقاومة والتماهي مع العدو". في وقت حظي القرار اللبناني بالترحيب الدولي لاسيما من الولايات المتحدة ومبعوثها توم برّاك وفرنسا ما يؤكد أن عوامل الضغط كبيرة وغير مسبوقة على لبنان للسير في هذا الاتجاه فيما تغلي المنطقة بصراعات وحروب وتبدلات استراتيجية عميقة تسهم في تغيرات في موازين القوى الاقليمية. هذا ويعي "حزب الله"، كما حركة "أمل"، أن استخدام الشارع سيؤدي الى فتنة وسيدخل البلاد في أتون توترات كبيرة وأن قلب الطاولة اليوم غير ممكن لان الظروف التي مكّنت الحزب في وقت سابق لم تعد متوافرة واهمها سقوط نظام بشار الأسد والضربات الاسرائيلية المستمرة وتراجع دور ايران، التي حاولت الدخول على الخط اللبناني من خلال الإعلان عن أن قرار الحكومة سيفشل، وأن "حزب الله" استعاد دوره ونفوذه، ولن يسمح لواشنطن او تل أبيب بتحقيق أهدافهما فيه.

هذه المستجدات تضع "حزب الله" امام مفترق طرق فهو إما ان يقرر التفاوض مجددًا مع الحكومة او يقرر التصعيد السياسي اكثر وصولًا الى الورقة التي لوح بها بانسحاب الوزراء المحسوبين عليه من الحكومة مما يسهم في عرقلة عملها ويضع البلاد مجددًا في مسار التعطيل الذي رافقها لسنوات طويلة. وكان وزير الإعلام اللبناني بول مرقص أعلن، في مؤتمر صحفي عقب انتهاء الجلسة، أن مجلس الوزراء وافق على أهداف الورقة الأميركية "لتعزيز حل شامل ودائم"، لكنه أوضح أن هذا القرار لا يشمل مراحل الورقة وتفصيلاتها. وأضاف أن الحكومة ستستكمل بحث الأجزاء التي لم تقرها بعد على ضوء تقرير من قيادة الجيش، لافتًا إلى أن "تطبيق جميع بنود الورقة الأميركية مرتبط بتنفيذ كل دولة الالتزامات المعنية بها"، في اشارة الى اسرائيل وضرورة وقف أعمالها العدائية في لبنان وانسحابها من التلال الخمس التي لا تزال تحتلها.

ومع قرار الحكومة تبني "جزء" من الورقة الأميركية التي قدمها برّاك في وقت سابق من دون الغوص في بقية التفاصيل بانتظار خطة سيضعها الجيش يكون لبنان اتخذ خطوة "مفصلية" ستتمحور حولها معطيات الايام المقبلة. وبالتزامن مع هذه الخطوات يستمر العدو الاسرائيلي بالتصعيد وانتهاك اتفاق وقف النار حيث شنّت قواته غارة جويّةً على سيارة عند طريق المصنع اللبناني ما أدى الى سقوط ستة أشخاص وإصابة عشرة آخرين بجروح، كما قضى شخص آخر في استهداف منفصل في بلدة كفردان في قضاء بعلبك. يأتي ذلك في وقت أعلن الناطق الرسمي باسم قوات "اليونيفيل" العاملة في لبنان أندريا تيننتي، الكشف عن شبكة واسعة من الأنفاق المُحصّنة في محيط بلدات طير حرفا، زبقين، والناقورة والتي تحتوي على اسلحة وراجمات صواريخ وقطع مدفعية وذلك بالتنسيق مع الجيش اللبناني.

ومن التعديات الاسرائيلية في لبنان الى الحرب المتواصلة على قطاع غزة والتي لا يبدو أنها ستشهد حلًا قريبًا بظل موافقة المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) على خطة رئيس الوزراء الاسرائيلي باحتلال القطاع بالكامل، وذلك رغم المعارضة التي أبدتها قيادة الجيش وتحذير رئيس الأركان إيال زامير من السقوط في هذا "الفخ" والضغوط التي حاولت ان تمارسها عائلات الرهائن الخائفة على مصير أبنائها جراء هذه الخطوة والتي ستعني ان حياة الاسرى ستكون "ثمنًا" لبقاء نتنياهو في الحكم وتحقيق هدفه بتهجير الفلسطينيين بظل موافقة اميركية واضحة وعجز عربي ودولي مخيف عن وضع حد للابادة المستمرة منذ ما يُقارب العامين. وكان نتنياهو استبق الجلسة باعلانه، في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، أن "لا نية لديه للاحتفاظ بالقطاع وحكمه، وإن إسرائيل تريد تسليمه لقوات عربية لا تهددها"، مدعيًا أن الحرب قد تنتهي "غدًا" إذا ألقت حركة "حماس" سلاحها، وسلّمت المحتجزين إلى إسرائيل دون قيد أو شرط.

ومن المعروف ان "حماس" اعلنت مؤخرًا على لسان قيادييها ان لا نية لها لحكم القطاع ولن تشارك في "اليوم التالي" ولكنها رفضت تسليم سلاحها وربطت اي اتفاق بادخال المساعدات الانسانية ووقف "مصائد الموت" التي تحصد يوميًا حياة العشرات من الفلسطينيين الساعين للحصول على مساعدات غذائية بالقرب من مراكز التوزيع التابعة لـ"مؤسسة غزة الانسانية"، التي ورغم كل الانتقادات والتهم الموجهة اليها تعمل ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب على توسيع عملها وزيادة التمويل المخصص لها بهدف فتح مراكز توزيع جديد. وهذه الخطة الاميركية تأتي بينما تتصاعد التحذيرات الاممية من وصول المجاعة الى مستويات متقدمة في القطاع بظل حصار وعدم دخول الكميات المناسبة من المساعدات والتي يتعرض معظمها فور دخوله الى النهب من قبل بعض العصابات المسلحة او من خلال أعداد الفلسطينيين المجوعين الذين تحولت حياتهم الى بحث مستمر عن الطعام.

أما حركة "حماس" فترى، من جهتها، أن ما يحصل في القطاع "يمثل انقلابًا صريحًا على مسار المفاوضات، ويكشف بوضوح الدوافع الحقيقية وراء الانسحاب الاسرائيلي من الجولة الأخيرة، رغم اقترابنا من التوصل إلى اتفاق نهائي"، متوعدة بأن توسيع العدوان "لن يكون نزهة، وسيكون ثمنه باهظًا ومكلفًا على الاحتلال وجيشه النازي". كما اعتبرت أن خطط نتنياهو "تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه يسعى للتخلص من أسراه، والتضحية بهم"، وذلك في إطار "مصالحه الشخصية وأجنداته الأيديولوجية المتطرفة" كما ذكر البيان. وكانت جولة المفاوضات الاخيرة التي عُقدت على مدار ثلاثة اسابيع في العاصمة القطرية الدوحة فشلت في اعلان التوصل لهدنة مع ان كل المعطيات التي رافقتها كانت تشي بأن هناك تقدم سيؤدي الى احداث خرق ما. الا ان اسرائيل بشخص نتنياهو لطالما تعمدت افشال المباحثات وخلق العثرات بهدف استكمال الحرب.

وتتخذ تل أبيب من سياسة التجويع سلاح حرب مستكملة إبادة الفلسطينيين في قطاع غزة بينما يُصعّد المستوطنون من هجماتهم على الضفة الغربية وآخرها الهجوم على قرية المغير في رام الله والاشتباك مع سكانها بمساعدة من قوات الاحتلال التي أمنت لهم الغطاء. ويترافق ذلك مع حملة مداهمات وتعديات على مناطق مختلفة من الضفة وتهجير ممنهج للسكان. ومما يزيد خطورة الموضوع هو الممارسات الاستفزازية التي يقوم بها وزراء حكومة نتنياهو من اليمين المتطرف امثال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي عمد أمس الى اقتحام، برفقة مئات المستوطنين، مستوطنة صانور جنوبي جنين، معلنًا إعادة بناء المستوطنة مجددًا بعد قرار فك الارتباط بها في العام 2005. يُشار الى أن "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية" أشارت الى أن الجيش الاسرائيلي والمستوطنين نفذوا خلال تموز/يوليو الماضي، 1821 اعتداء في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، بينها 466 اعتداء نفذه مستوطنون.

سوريًا، برزت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الى دمشق واللقاء الذي عقده مع الرئيس السوري أحمد الشرع، حيث كان بحثٌ في العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية، إضافة إلى آليات تعزيز التعاون في مختلف المجالات. وتولي تركيا اهمية كبرى للجانب الامني والاقتصادي، إذ يتصدر ملف محاربة التنظيمات الارهابية كما إعادة إعمار سوريا وإنعاش اقتصادها جدول أعمال اللقاءات السورية التركية باعتباره يشكل ركيزة مهمة لضبط الاوضاع وترسيخ الاستقرار. في سياق متصل، عيّنت ما تُسمى "اللجنة القانونية العليا" التي شكلها الزعيم الروحي للدروز الشيخ حكمت الهجري، رئيس فرع الأمن السياسي في طرطوس، شكيب أجود نصر، في منصب قيادة الأمن الداخلي لمحافظة السويداء. وهو ما اثار امتعاض واستهجان السوريين الذين رأوا في تعيين "مجرم حرب" بمثابة عدم اعتراف الهجري بالتضحيات الجسام التي تكبدها السوريين. من جهته، أعلن مصدر رسمي في وزارة العدل السورية لوكالة "سانا" الاخبارية إحالة مجموعة من القضاة إلى التحقيق بعد الخبر الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي عن تشكيل لجان محلية في محافظة السويداء. 

على المقلب الدولي، أفادت وزيرة العدل الأميركية بام بوندي أن الولايات المتحدة تعرض مكافأة قدرها 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال الرئيس الفنزويلي الحالي نيكولاس مادورو، الذي اتهمته بأنه يشكل تهديدًا للأمن القومي الأميركي لتعاونه مع جماعات ارهابية. كما كشفت عن أن واشنطن صادرت أكثر من 700 مليون دولار من الأصول المرتبطة بمادورو بينها طائرتان و9 مركبات. بدورها، ندّدت كراكاس بالقرار واصفه اياه بـ"المثير للشفقة" و"السخيف". ويُمثل ذلك تصعيدًا جديدًا من قبل الولايات المتحدة ضد حكومة كراكاس، حيث سبق ورصدت مكافأة قدرها 25 مليون دولار مقابل تقديم معلومات تؤدي إلى اعتقال مادورو.

الاحداث السائدة عكستها الصحف العربية الصادرة اليوم، الجمعة، والتي ركزت بأغلبيتها الساحقة على الموضوع الفلسطيني:

كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "في الوقت الذي ترغب فيه إسرائيل في التطبيع مع بقية الدول العربية تسلك سلوكيات متناقضة تعمل على عكس ذلك تماماً، فهي ترفض بشدة وتعنّت الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، ولقد أعلنت المملكة العربية السعودية مراراً بأن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل لن يتم إلا من خلال حل الدولتين"، مؤكدة أن "الدبلوماسية السعودية تملك خارطة طريق لبسط الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما يتضح من خلال تبنيها مفهوم حل الدولتين، وأيضًا من خلال سعيها الحثيث لكسر العزلة المفروضة على بعض دول المنطقة".

الموضوع الفلسطيني عينه تحدثت عنه صحيفة "الرياض" السعودية التي شددت على أن "إسرائيل تجدف ضد تيار "السلام" بعزمها احتلال كامل غزة في عدم اكتراث ظاهر للجهود العالمية الكبيرة التي تُبذل لإحلال سلام دائم وشامل وعادل، مؤكدة أن السلام الذي يرنو إليه العالم غير السلام الذي تريده إسرائيل". وقالت "فخطط الحكومة الإسرائيلية تتعدى عودة الرهائن إلى احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية، وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين الفلسطينيين بكافة الوسائل، وما مقتل العديد منهم جوعاً وجُلّهم من الأطفال إلا دليل شاهد على نتاج تلك الخطط التي ترتقي لتكون جريمة حرب".

كما لفتت صحيفة "الوطن" البحرينية الى أن "الأحداث والحروب التي مرت بها المنطقة برمتها تؤكد أنه لا سلام وأمن بدون دولة للشعب الفلسطيني كاملة السيادة، وهذا ما خرج به المؤتمر التحضيري الذي عقد مؤخرًا في نيويورك"، موضحة أنه "وفي نهاية النفق المظلم والواقع المرير يظهر ضوء وبشارة خير، حيث تبادر السعودية وفرنسا بمبادرة جديدة من نوعها تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته التاريخية لإيجاد حل جديد من نوعه للقضية الفلسطينية تتم فيه دعوة كل دول العالم للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة".

صحيفة "الأهرام" المصرية، بدورها، حمّلت "جيش الاحتلال الإسرائيلي ومجرم الحرب نتنياهو المسؤولية، مع حركة "حماس" التي نفذت هجومها في 7 أكتوبر 2023 دون معرفة العواقب الخطيرة والتبعات لهذا القرار الذي دمر غزة وأباد شعبها وأعاد الصهاينة لاحتلال غزة بعد انسحابهم منها قبل 20 عاما"، متطرقة الى ان مصر "لا تزال تبذل جهودا كبيرة للوصول لوقف إطلاق النار رغم التعنت الإسرائيلي - الحمساوي - وكلا الطرفين يتمسكان بشروطهما التي ربما ستقود إلى الدخول في احتلال كامل لغزة من جانب جيش الاحتلال، وترفض "حماس" التنازل عن حكم القطاع ولا تسلم سلاحها على عكس رغبات المجتمع الدولي كله"، وفق تعبيرها.

وفي الشق اللبناني، رأت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن "الورقة الوزارية، التي صادقت عليها الحكومة رغم الاعتراض، جاءت تلبية لمتطلبات داخلية وضغوط خارجية، لا سيما من الوسيط الأميركي والمجتمع الدولي، وهي تمثل خطوة متقدمة نحو تثبيت مرجعية الدولة، وترسيم دورها الأمني والسياسي"، معتبرة أن "التحدي الحقيقي لا يكمن في اتخاذ القرارات، بل في قدرتها على الصمود والتنفيذ، ضمن مناخ من الشراكة الوطنية التي تحفظ وحدة البلاد وتُعيد الاعتبار لدور الدولة ومكانتها".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن