صحافة

لبنان يعيش مخاطر "الانتظار الثقيل"

محمد السعيد إدريس

المشاركة
لبنان يعيش مخاطر

البيان الوزاري الصادر عن جلسة مجلس الوزراء اللبناني يوم الثلاثاء 5 أغسطس/ آب الجاري، والتي استمرت قرابة خمس ساعات، وما تضمنه من خطة تطبيقية لحصر السلاح بيد الدولة، وما يعنيه ذلك من قرار تنفيذي أعطيت مسؤوليته للجيش اللبناني بنزع كل أسلحة حزب الله، ثم رد فعل الحزب الرافض بالمطلق لهذا البيان وضعا معاً لبنان عنوة ليعيش ما يمكن تسميته بـ"الانتظار الثقيل"، انتظار ثقيل لما يمكن أن تقوم به الدولة لتنفيذ قرار نزع سلاح حزب الله، في ظل رفض الحزب لهذا القرار رفضاً مطلقاً وضعف الرهان على قدرة الجيش اللبناني لتنفيذ القرار.

هناك انتظار ثقيل آخر لما يمكن أن يقوم به حزب الله لفرض رؤيته الرافضة للبدء بنزع أسلحته دون أي اعتبار للتجاهل الإسرائيلي الكامل لكل نصوص اتفاق 27 نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2024، وبالذات ما يخص الالتزامات الإسرائيلية في هذا الاتفاق خصوصاً وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، والانسحاب من الأراضي المحتلة، وتسليم الأسرى. ماذا سيفعل حزب الله إذا تجاهلت الحكومة اللبنانية مطالبه وشروطه لتسليم أسلحته، وماذا سيفعل في حال ما أصبحت الحرب مع إسرائيل هي الحل؟

هل في مقدور الحزب خوض حرب جديدة مع إسرائيل في ظل الاختلال الشديد في موازين القوة، بعد ما تعرض له "محور المقاومة" من انتكاسات بدءاً بانتكاسة الحزب نفسه عقب تفجيرات "البيجرات" واغتيال القيادات السياسية والعسكرية وعلى رأسهم الأمين العام للحزب وما تلاها من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وإخراج إيران من سوريا ولبنان، وأخيراً الاستهداف العسكري الأمريكي– الإسرائيلي لإيران وما أدى إليه من انكماش اضطراري في قدرة إيران على خوض حرب جديدة مع إسرائيل المدعومة أمريكيا، في ظل تربص أمريكي متصاعد ضد إيران بخصوص التفاوض على قدراتها النووية. حزب الله يدرك هذه الحقائق، ومن ثم يدرك أن قدرته على خوض صراع مفتوح مع إسرائيل ومع القوى اللبنانية المناوئة له أضحت محدودة، لكن الأهم، وربما الأخطر أن الحزب يدرك، ما تدركه إسرائيل والولايات المتحدة والأطراف اللبنانية الداخلية المعادية للحزب أن "هذا هو أوان تدفيع حزب الله الثمن الفادح لهزيمة تيار المقاومة والقضاء نهائياً على هذا التيار والدفع بلبنان نحو الانخراط في التطبيع مع إسرائيل".

في ظل هذه المعادلات المعقدة يعيش لبنان في انتظار الخطة التي سيرفعها الجيش إلى مجلس الوزراء قبل نهاية هذا الشهر لحصر السلاح بيد الدولة، وفي انتظار قدرة السلطة على تطبيق القرار الصادر عن جلسة مجلس الوزراء بتطبيق خطة الجيش خلال الفترة من 31 أغسطس/ آب الجاري وحتى نهاية العام، ويعيش في ذات الوقت ما سيقوم به حزب الله لإفشال هذا المسعى على نحو ما ورد على لسان رئيس كتلته البرلمانية "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد بـ"الموت ولا تسليم السلاح.. وروحوا بلطوا البحر" وما سبقه من تهديد صريح ورد على لسان الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم وقت انعقاد جلسة مجلس الوزراء للبحث في موضوع فرض خيار حصر السلاح بيد الدولة، الذي أعلن أنه "لا يوافق على أي جدول زمني يطرح لتنفيذه تحت سقف العدوان الإسرائيلي"، وطالب بالبدء أولاً بتنفيذ بنود اتفاق 27 نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2024 الموقع مع إسرائيل بوساطة أمريكية الذي احترمته المقاومة والتزمت به ولم تلتزم به إسرائيل، وتسعى لتعديله لصالحها في اتفاق جديد يقضي نهائياً على المقاومة ويجرد لبنان من قدراته للدفاع عن النفس.

وتساءل: هل التخلي عن المقاومة والاستسلام لإسرائيل وتسليمها السلاح هو تحصين للسيادة الوطنية اللبنانية؟ أين الدولة التي تدفع البلاء عن لبنان، وأين الدفاع عن الحدود والثغور؟ كما استفسر أركان الدولة "كنا ننتظر أن نناقش استراتيجية الأمن الوطني، فأصبح الموضوع تسليم السلاح!!"، وكان الشيخ نعيم قاسم اعتبر قبل جلسة مجلس الوزراء تلك أن "كل من يطالب بتسليم السلاح يخدم المشروع الإسرائيلي"، واعتبر أن "المقاومة هي دعامة الجيش، لتكون ثلاثية: الجيش والشعب والمقاومة فعَّالة وليست شكلية".

موقف الحزب أضحى محكوماً بثابتين: الأول: لا بحث لقضية السلاح قبل وقف الاعتداءات الإسرائيلية والانسحاب من التلال الخمس المحتلة وإطلاق سراح الأسرى، والثاني: أن أي نقاش لموضوع مصير السلاح يجب أن يكون محكوماً بسقف استراتيجية دفاعية تندرج ضمن استراتيجية أمن وطني. السؤال المهم بهذا الخصوص كيف سيفرض حزب الله ثوابته، وكيف ستجيب السلطة عن مصير السلاح بعد تجميعه بيد الجيش إذا قامت إسرائيل بتدميره على غرار ما حدث للقدرات العسكرية السورية؟ سؤال صعب يفاقم من فداحة «الانتظار الثقيل» الذي يعيشه لبنان الآن.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن