قضايا العرب

عودة ترامب إلى "البيت الأبيض".. ماذا تعني للمنطقة العربية؟

القاهرة - أحمد شوقي العطار

المشاركة

تؤكد استطلاعات الرأي الأخيرة بالولايات المتحدة، أنّ شعبية الرئيس السابق دونالد ترامب، لا تزال واسعة في الشارع الأمريكي، ما يزيد فرصه ليصبح المرشح الجمهوري في انتخابات 2024. وتعكس زيادة شعبيته، رغم توجيه الاتهام إليه في أربع قضايا حتى الآن، طبيعة قاعدة ناخبيه، الذين يعتقدون أنّ مرشّحهم ضحية لمؤامرة كبرى من "الدولة العميقة" والقوى الخفية "الشريرة" في الولايات المتحدة، وهو ما تعمل حملته الرئاسية على ترسيخه باستمرار، بجعله محور التركيز الرئيس للدعاية الانتخابية.

عودة ترامب إلى

يمكن تلخيص "عقيدة ترامب" نحو الشرق الأوسط، في شعار حملته الانتخابية الشهير، "أمريكا أولًا". تُرجم ذلك إلى علاقات ثابتة مع النخب الحاكمة بالمنطقة، والانشغال بمبيعات الأسلحة والقضايا الأمنية، والتقليل من أهمية حقوق الإنسان والديمقراطية، وتجاهل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتركيز بدلًا من ذلك على التكامل الإقليمي من خلال "اتفاقيات إبراهيم".

اعتبرت استراتيجية ترامب أنّ المشكلات التي يعاني منها الشرق الأوسط تتمثّل في التوسّع الإيراني، وانهيار الدول، والأيديولوجية الجهادية، والركود الاجتماعي والاقتصادي، والمنافسات الإقليمية، والمنظمات الإرهابية.

عند تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، أعلن عن نهج جديد في التعامل مع الشؤون العالمية، من خلال التعهّد بوضع حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية الأمريكية، بهدف تميّزه عن سلفه، الذي قلّل بشكل عام من حقوق الإنسان في سياسته الخارجية واشتهر بصداقة المستبدّين.

كما فرضت الحرب الروسية الأوكرانية واقعًا عالميًا جديدًا، كان له تأثير كبير على سياسة بايدن خلال العامين الماضين.

بالتالي، قد تنذر عودة ترامب المحتملة في 2024، بتحوّل حاد في السياسة الأمريكية الخارجية، سيكون له أثر كبير على المنطقة العربية.

السعودية وإيران

في مارس / آذار الماضي، أعلنت السعودية وإيران استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، إثر مفاوضات استضافتها الصين، في خطوة انطوت على تغييرات إقليمية كبرى.

في الوقت نفسه، أعطت الحرب في أوكرانيا نفوذًا اقتصاديًا أكبر للسعودية، كدولة رئيسة في تصدير الوقود الأحفوري، ما أتاح لها استخدام النفط كورقة ضغط، في علاقتها المتوتّرة بالولايات المتحدة، منذ مجيء بايدن للبيت الأبيض.

يقول الدبلوماسي السابق والخبير بالشأن الأمريكي مسعود معلوف: "العلاقة بين ترامب وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، كانت جيدة جدًا، لدرجة أنّ الزيارة الخارجية الأولى للرئيس السابق، كانت للسعودية على غير المعتاد". ويضيف في تصريحه لـ"عروبة 22": "أما بايدن، فباشر حملته الانتخابية في 2020 بانتقاد بن سلمان، وعامله كمنبوذ بسبب قضية مقتل خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول، ومن وقتها، تراجعت العلاقات بين البلدين".

ويتوقع السفير اللبناني السابق أنّ عودة ترامب للبيت الأبيض من شأنها تعزيز العلاقات الثنائية مجددًا بين الرياض وواشنطن، بعد تراجعها في عهد بايدن.

فيما أوضح ليون هادار، من معهد أبحاث السياسة الخارجية بأمريكا، أنّ صنّاع القرار السياسي في المملكة العربية السعودية يعتبرون الرئيس الأميركي السابق أكثر حساسية لاحتياجاتهم الأمنية من بايدن، تحديدًا فيما يتعلق بإيران.

موقف ترامب سيكون مناهضًا للتقارب السعودي - الإيراني

في عهد ترامب، انسحبت الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي الذي وقّعته طهران مع الغرب، وفرضت إدارته بدلًا من ذلك عقوبات صارمة للضغط على النظام الإيراني وإجباره على إعادة التفاوض للوصول لاتفاق بشروط تفضّلها واشنطن وكذلك الرياض.

الخبير بالشأن الأمريكي وعضو الحزب الديمقراطي، نعمان أبو عيسى، يرى أنّ موقف ترامب سيكون مناهضًا للتقارب السعودي - الإيراني، ويقول لـ"عروبة 22": "ترامب يرفض أي اقتراب من إيران، وسيحاول تصعيد الضغوط ضدها، لكن دون التورّط في حرب معها".

وفي سياق متصل، يعتبر ترامب ومؤيدوه ملفّ تطبيع الدول العربية مع إسرائيل، أو ما يسمى بـ"اتفاقيات إبراهيم"، إنجازه الرئيس في السياسة الخارجية خلال فترة رئاسته. وفي حال عودته، سيولي اهتمامًا كبيرًا لهذا الملف، مع محاولات لتوسيع قاعدة البلدان العربية المطبّعة مع إسرائيل، وعلى رأسهم السعودية.

ويرى ترامب أنّ التطبيع بين إسرائيل والسعودية، يمكن أن يساعد في إنشاء أساس للشراكة بين حليفتي أمريكا الرئيسيتين بالمنطقة، عبر تشكيل قوة شرق أوسطية، تعتمد على دمج موارد الطاقة في الخليج والتكنولوجيا المتقدّمة في إسرائيل، بما يمكّن من احتواء التهديدات الإيرانية بشكل فعّال.

لدى ترامب أيضًا القدرة على تحقيق ضمانات أمنية أمريكية جديدة للسعوديين، يمكن أن تستجيب للمخاوف التي أعرب عنها بن سلمان في عهد بايدن، وتزوّد الأمريكيين بالنفوذ للضغط على السعودية لكبح مبادراتها الدبلوماسية تجاه بكين، والنأي بنفسها عن روسيا، ولعب دور أكثر نشاطًا لتحقيق الاستقرار المطلوب في أسواق الطاقة العالمية.

 في خدمة إسرائيل

فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أعطى ترامب لإسرائيل، خلال فترة رئاسته، كلّ ما تريده على حساب الفلسطينيين، على حد تعبير معلوف، حيث ألغى مسألة حلّ الدولتين، واعترف بالضفة الغربية كأرض إسرائيلية، وأغلق المكتب التمثيلي لفلسطين بواشنطن، ونقل سفارة بلاده إلى القدس، وجمّد المساهمة الأمريكية في منظمة الأونروا، التي تقدّم المساعدات والدعم للاجئين الفلسطينيين.

"سخط" إدارة بايدن على الحكومة المتطرّفة في إسرائيل، قد يتحوّل إلى "رضا" مع عودة ترامب

لم تأت إدارة بايدن سوى بتصحيحات طفيفة لما فعله ترامب، وفق معلوف، الذي قال: "أعاد بايدن الاعتراف بحلّ الدولتين، لكنه لم يتّخذ خطوات عملية لتحقيق ذلك، كما أنه لم يؤيّد مساعي إسرائيل في ضمّ أراضي الضفة الغربية إليها"، مردفًا: "سيعيد ترامب السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية إلى ما كانت عليه في فترته الأولى".

فيما يرى أبو عيسى أنّ "سخط" إدارة بايدن على الحكومة المتطرّفة في إسرائيل، قد يتحوّل إلى "رضا" مع عودة ترامب. ويستدرك قائلًا: "لكن في كل الأحوال، ستظلّ المؤسسات الحكومية في الولايات المتحدة داعمة بشدة لتل أبيب، لأنّ الموقف منها لا يتغيّر بتغيّر الحزب الحاكم".

سوريا ومصر

في سوريا، خالف ترامب الشرعية الدولية وموقف الإدارات الأمريكية السابقة بشأن وضع هضبة الجولان كأرضٍ محتلة، وأصدر قرارًا يعترف بسيادة إسرائيل عليها.

باستثناء ذاك القرار، سقطت سوريا إلى حد كبير عن رادار إدارة ترامب، وكانت سياساته بشأنها عشوائية نوعًا ما، تحديدًا قرار انسحاب قواته منها، الذي انتهى، بعد معارضة من حكومته، إلى ترك حوالى 900 عنصر فقط بحجة السيطرة على آبار النفط السورية.

سيدعم عملية إعادة دمج وتأهيل الأسد... وسيواصل سياسة الدعم غير المشروط للسيسي

"سيحاول ترامب في حال عودته سحب القوات الأمريكية المتبقية من سوريا"، وفق ما يذهب إليه أبو عيسى.

على جانب أخر، سيدعم ترامب عملية إعادة دمج وتأهيل الأسد ونظامه التي بدأها القادة العرب مؤخرًا، كونها تتوافق مع سياساته الرامية إلى دعم الاستبداد في المنطقة.

أما فيما يتعلّق بمصر، فستعود مع ترامب سياسة الدعم غير المشروط للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في حال فوزه بولاية ثالثة في منتصف 2024، مع تخفيف الضغط الأمريكي على مصر بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.

فترامب دعم بقاء السيسي في السلطة إلى أجل غير مسمى، مبررًا ذلك بأنه صاحب رؤية ومؤهل بشكل فريد لمحاربة الإسلاميين الخطرين، وإصلاح الفكر الإسلامي، وتعزيز حقوق المرأة، وإصلاح اقتصاد بلاده المتعثّر، وتعزيز السلام الإقليمي مع إسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، يرى ترامب أنّ الولايات المتحدة تحتاج إلى منح السيسي دعمًا غير مشروط خشية وقوع مصر في قبضة روسيا.

الملفات المُلحّة

يقول أبو عيسى إنّ ترامب يريد إنهاء الحرب الأوكرانية في الأيام الأولى من دخوله للبيت الابيض، ولهذا السبب تخشى أوروبا احتمالية عودته، بخاصة أنه قد يتسبّب في تفكيك حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وما وراءه من تحالفات مع أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان والفلبين.

لكن بالنسبة إلى المنطقة العربية، سيساهم وقف الحرب في أوكرانيا في حلّ الأزمات المتفاقمة في ملفيّ الغذاء والطاقة، بالأخصّ لدى الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، التي تأثّرت اقتصاديًا بسبب الحرب.

سيسعى لتقليص مشاريع الطاقة المتجدّدة، والتوسّع في استخراج الوقود الأحفوري

من المتوقع أيضًا أن يشهد ملف تغيّر المناخ، تحوّلات كبرى في حال عودة ترامب. ويقول نهاد إسماعيل، خبير الطاقة: "ترامب موقفه واضح، يرفض توسيع مشاريع الطاقة النظيفة، وفلسفته تقوم على أنها تعيق النموّ الاقتصادي".

ووفق تقديرات إسماعيل، سيسعى ترامب لتقليص مشاريع الطاقة المتجدّدة، والتوسّع في استخراج الوقود الأحفوري، وزيادة القاعدة الانتاجية للنفط والغاز والفحم الحجري لتخفيض سعر الوقود، وهو ما يضرب الأهداف المناخية في مقتلن الأمر الذي "سيخدم مصلحة منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، وعلى رأسها دول الخليج".

فيما يخصّ ملف الهجرة، يقول معلوف: " ترامب رئيس عنصري، فهو وصف علنًا دول أفريقيا بأنها "بؤر قاذورات"، كما فرض حظرًا على المسافرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة في فترة رئاسته، ومنعهم من دخول الأراضي الأمريكية".

في الخلاصة، وإن تفاوتت تقديرات المراقبين لكنهم يُجمعون على نقطة مركزية مشتركة مفادها أنّ احتمالية إعادة انتخاب ترامب قد تقلب السياسة الأمريكية الخارجية رأسًا على عقب، لا سيّما في ضوء التأثير الجيوسياسي الذي قد يُغيّر "قواعد اللعبة".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن