أهمّها سيناريو أمني مزدوج له تأثير مباشر على الدّورة الاقتصادية الاعتيادية للبلاد؛ ممثّلا في احتدام التّنافس بين القوى الغربية الاستعمارية التّقليدية كفرنسا، وبين القوى الجديدة اللّاهثة نحو السيطرة على أفريقيا واستغلال خيراتها الطّبيعية كروسيا والصّين، ممّا سيزيد من احتمال اندلاع انقلابات أخرى، نظرًا لكون أفريقيا أصبحت انعكاسًا مكثّفًا للصراعات العالمية وتضارب مصالح الدّول العظمى. وأيضًا مُمثلًا في إمكان تَعرُّض الغابون إلى خطر عدوى انفلاتات أمنية داخليّة متواصلة، نظرًا لوجوده في وسط جغرافي أفريقي محفوف بالفوضى والإضطرابات السيّاسية واندحار الرّابطة الأمنية التّقليدية مُمثّلة في نظام الرّئيس بانغو الذي كان محميًا من طرف فرنسا.
كلّما حدث عارض لأحد أعضاء "أوبك" انعكس ذلك سلبًا على أسواق النّفط والأسعار ومعدّلات الإنتاج
سيكون لهذا المتغيّر السّياسي تداعيات اقتصادية داخلية وخارجيّة، نظرًا لكون الغابون عضوًا في منظّمة "أوبك" ومن بين الدول التّسع التّي رفعت إنتاجها بحوالى 197 ألف برميل يوميًا ونصف مليار متر مكعب من الغاز؛ كما أنّ احتياطاته من النفط الخام يصل إلى ملياري برميل. زيادة على ذلك، لا يُعتبر الغابون من أهم منتجي النّفط في أفريقيا وجنوب الصّحراء فقط، بل من أغنى الدّول الأفريقية بالموارد الطّبيعية كاليورانيوم والمغنيسيوم والأخشاب.
سيكون لهذا الانقلاب، إذا نتج عنه انفلات أمني داخلي، تأثير على أسواق الطّاقة في ظلّ التّداعيات المعقّدة التّي يشهدها العالم بسبب الحرب الرّوسية الأوكرانية، لأنّ إجمالي صادرات الغابون من النّفط الخام تصل إلى 182 ألف برميل يوميًا. هنا، لا بدّ من التّذكير بأنّه كلّما حدث عارض لأحد أعضاء "أوبك" انعكس ذلك سلبًا على أسواق النّفط والأسعار ومعدّلات الإنتاج. ممّا يعني أنّ العالم سيواجه احتمال ارتفاع أسعار النّفط قبل نهاية العام الجاري. وهذا ما تؤكّده مؤشّرات كثيرة، مثل: تقليص نيجريا لإنتاجها من النّفط الخام إلى 1.23 مليون برميل يوميًا بعد توقيف شحنات النقل "فوركادوس"، وتراجع الطلب الصّيني على النّفط ما تبقى من السّنة الجارية وبعدها، ثم تراجع إنتاجه في ساحل خليج المكسيك بسبب العاصفة الاستوائية "إيداليا" التّي أتت على كوبا وامتدت إلى فلوريدا.
توقف إنتاج الدّول الأفريقية التّي تعرّضت للانقلابات سيؤثّر بالتأكيد على توازن العرض والطلب
النّتيجة، ستعرف أسواق النّفط عجزًا في العرض، حسب تقدير ساكس غولدمان، بنحو 1,9 مليون برميل يوميًا، وذلك خلال الأشهر القادمة، وبنحو 700 ألف برميل سنة 2024. لذلك، اعتبرنا الانقلاب السياسي في الغابون عاملًا إضافيًا في العجز العام للعرض الذّي سيعرفه العالم قريبًا. وبالرغم من الدور المحدود للغابون في سوق النّفط العالمية، فإنّ توقّف إنتاجها الذّي يُضاف إلى توقف إنتاج الدّول الأفريقية التّي تعرّضت للانقلابات الأخيرة مثل النيجر، سيؤثّر بالتأكيد على توازن العرض والطلب. أمّا القول بأنّ ما تبقى من العام أوشك على الانقضاء ولن يكون هناك أيّ تأثير في الطّلب يؤدّي إلى العجز، فذلك لا يثبت أمام واقعة تحرّك الأسعار التي تُؤشّر على الارتفاع بما يزيد عن 4 في المائة خلال هذا الشهر. ومن جهة أخرى، يجب ألاّ ننسى أن الانقلابات الأخيرة في أفريقيا، خاصة في النيجر والغابون، أنتجت مناخًا استثنائيًا لانتعاش المضاربين في الأسواق والتفنّن في تأزيم عمليات العرض والطلب بتواطؤ ممنهج مع اللّوبيات العالمية الكبرى سعيًا إلى ربح سريع غير مشروع.
(خاص "عروبة 22")