في مقابلةٍ تلفزيونيةٍ، الشهر الفائت، أعرب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن شعوره بأنّه يحمل رسالةً "تاريخيةً وروحانيةً" تتوارثها الأجيال. وكشفت المقابلة التلفزيونية التي أجراها نتنياهو عن تلقّيه خريطةٍ لإسرائيل تضمّ أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلّة والأردن ولبنان وسوريا ومصر، مؤكدًا موافقته بشدّة على هذه الرؤية.
الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام لـ"حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية"، اعتبر أنّ هذا الإعلان من بنيامين نتنياهو وتبنّيه لرؤية "إسرائيل الكبرى"، بمثابة "إعلان حرب" لا يقتصر على الشعب الفلسطيني وحده، بل يستهدف كامل الوطن العربي. وأوضح البرغوثي أنّ هذه الرؤية تعني ضمّ الأراضي الفلسطينية، إضافةً إلى الأردن ولبنان وأجزاء واسعة من سوريا والعراق ومصر والسعودية.
ولفت البرغوثي إلى أنّ هذه المخطّطات تترافق مع مشروع (E1) الاستيطاني لفصل القدس عن الضفّة الغربية، وإطلاق آلاف الوحدات الاستعمارية، بما يدفن عمليًا إمكانيّة قيام دولة فلسطينية مستقلة. ووصف الحكومة الإسرائيلية الحالية بأنّها "أكثر فاشيةً من حكومة هتلر النازية".
وإذ أشار إلى وجود تنسيق كامل بين نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، بدعم أميركي مباشر، رأى البرغوثي أنّ ما يجري يُمثّل "أخطر حدثٍ في تاريخ المنطقة"، ولن يواجَه إلّا عبر عقوبات فورية ومقاطعة شاملة لإسرائيل وإلغاء اتفاقيات التطبيع معها، مشددًا على أنّ بيانات الشجب لم تعد كافية في مواجهة المخططات الإسرائيلية.
أما عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية، حلمي الأعرج، فاعتبر في حديث لـ"عروبة 22"، أنّ نتنياهو في تصريحه بشأن "إسرائيل الكبرى"، وضع النقاط على الحروف، خصوصًا فيما يتعلّق باحتلال قطاع غزّة بالكامل وتهجير سكانه، وكذلك بالنسبة إلى الضفّة الغربية وضمّهما إلى دولة إسرائيل التلمودية. وقال إنّ هذا المشروع لم يعد مشروعًا لليمين المتطرّف، ممثّلًا بسموتريتش وبن غفير فحسب، بل بات بنيامين نتنياهو هو رأس اليمين المتطرّف المنحاز إلى الصهيونية الدينية.
وأكّد الأعرج أن حدود مشروع نتنياهو التلمودي ستصل إلى أراضي العرب الأخرى، وباعتراف أعوان نتنياهو، فإنّ هذه الحدود تمتدّ من سيناء إلى فلسطين وجنوب سوريا وجنوب لبنان والأردن وأجزاء من العراق، عملًا بالقول الإسرائيلي الاستعماري المكشوف والمعلن: "حيث يصل حذاء الجندي الإسرائيلي تكون إسرائيل".
ودعا الأعرج المنظومة العربية إلى قراءة السياسات الإسرائيلية على أنّها ليست مجرّد بروبغندا إعلامية، بل هي مشروع يدبّ على الأرض، تبدو بداياته واضحةً في فلسطين وسوريا ولبنان وعلى الحدود مع الأردن، ما يقتضي إعادة النظر بالعلاقة مع إسرائيل، بخاصة في ما يتعلق باتفاقات "أبراهام" التي ألحقت الأذى الشديد بالقضية الفلسطينية، وبتماسك المنظومة العربية، وقدرتها على الفعل الإقليمي والدولي، وحوّلتها إلى مجرّد ردّ فعل، بعد أن فقدت القدرة على الفعل المؤثر.
من جهته، شدّد المحلّل السياسي نزار نزّال، لـ"عروبة 22"، على أنّ "شغف" إسرائيل بالتوسّع يعكس نصوصًا توراتيةً ورؤيةً لليمين المتطرّف تعتبر الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان وأجزاء من مصر والعراق ضمن ما يُسمّى "أرض إسرائيل". وأوضح أنّ هذا المشروع يتجاوز حدود الضفّة وغزّة، ليشمل ممرًّا استراتيجيًا يصل جنوب لبنان بالعراق.
ولمواجهة هذا الخطر، رأى نزّال أنّه من الضروري التعامل مع "إسرائيل الكبرى" كخطرٍ عمليّ، عبر إقامة حلف عسكري عربي يجمع دول الطوق (مصر، الأردن، سوريا، لبنان) بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية. واقترح أن يُعتبرَ أي اعتداء على إحدى هذه الدول اعتداءً على الجميع، مع إنشاء مجلسٍ للتنسيق الأمني والسياسي، بدعم من دول الخليج، وتعزيز العلاقة بين الشعوب وأنظمتها في مواجهة المشروع التوسّعي الإسرائيلي.
أمّا الباحث والناشط عمر الرحّال، فقد ربط بين مشاريع التوسّع الإسرائيلي وموجة التطبيع الأخيرة، معتبرًا أنّ التطبيع وفّر غطاءً سياسيًا وأمنيًا لإسرائيل لمواصلة سياساتها وفرض وقائع جديدة على الأرض. وقال لـ"عروبة 22" إنّ التطبيع أضعف الموقف العربي الجماعي وعمّق الانقسام، ما منح إسرائيل فرصةً أكبر لتوسيع نفوذها.
وأكد الرحّال أنّ المشروع الإسرائيلي يهدّد وحدة المنطقة وأمنها القومي، مشيرًا إلى انعكاساته الخطيرة على الأردن عبر الضغوط الديموغرافية والاقتصادية، وعلى لبنان عبر الاعتداءات المتكرّرة ومحاولة السيطرة على موارده المائية، وعلى سوريا من خلال استغلال عدم الاستقرار لترسيخ السيطرة على الجولان.
وطرح الرحّال مجموعةً من الخطوات الاستراتيجية لمواجهة هذا المشروع، أبرزها: إحياء الموقف العربي الموحّد، دعم صمود الفلسطينيين اقتصاديًا، تفعيل الأدوات القانونية الدولية لمُحاسبة إسرائيل، استخدام الإعلام والديبلوماسية لفضح خطورة التوسّع الإسرائيلي، وتعزيز المقاومة الشعبية والمقاطعة الاقتصادية والثقافية، إلى جانب بناء تحالفات دولية مع قوى مناهضة للاستعمار والمخططات الصهيونية.
(خاص "عروبة 22")