صحافة

"المشهد اليوم"...مجلس الأمن يندّد بهجوم قطر و"يفشل" في ذكر اسرائيلزيارة فرنسية إلى لبنان لدعم الجيش وإعادة الإعمار والحوثيون يستمرون في مهاجمة تل أبيب

أعضاء مجلس الأمن الدولي خلال الجلسة الطارئة التي عقدت أمس لمناقشة الضربة الاسرائيلية على الدوحة (رويترز)

يتحرك رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بحرية مطلقة، يهدد دولًا ويقصف أخرى بحجة حماية أمن تل أبيب ومواطنيها بينما هو يتخلى عن الرهائن الاسرائيليين ويحولهم إلى "كبش فداء" من أجل بقائه في الحكم والحفاظ على موقعه السياسي. ففي تصعيد عسكري جديد امتد إلى ساحات عربية متعددة، شنّ الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام القليلة الماضية عمليات شملت 5 دول عربية، هي تونس وقطر واليمن ولبنان وسوريا، ناهيك عما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة. وهذا التوسع يأتي بظل تزايد النقمة الدولية ضد اسرائيل ومخططاتها فيما يبقى لها حلفاء "أوفياء" يقدمون لها الأسلحة والعتاد والتبريرات اللازمة لاستكمال مشاريعها التي ستسهم في زيادة الارهاب وتوسيع نطاقه.

فالتحركات الاسرائيلية التي لا تلقى، حتى الساعة، تحركًا جديًا لا على الصعيد الدولي ولا الصعيد العربي، تمنح نتنياهو المزيد من الوقت من أجل احتلال غزة وتهجير سكانها بينما تهويد القدس وقضم أراضي الضفة يجري على قدم وساق بعدما وقع الأخير أمس على خطة "إي1" الهادفة إلى تقويض إقامة دولة فلسطينية، خاصة أن هذا المشروع الاستيطاني يهدف إلى عزل القدس المحتلة عن محيطها الفلسطيني كما قطع التواصل بين شمال الضفة وجنوبها وتحويلها إلى "جيوب متناثرة" من دون أي تواصل جغرافي في ما بينهما. وعلى الرغم من الانتقادات الدولية وحملات الشجب التي رافقت التصديق النهائي على هذه الخطة، إلا ان نتنياهو قرر المضي قدمًا معلنًا أنه "لن تكون هناك دولة فلسطينية...هذا المكان لنا"، وأردف قائلًا: "نعمل بعزم على كل الجبهات لنحقق شيئًا واحدًا وهو أبدية إسرائيل". وبينما يتعهد الأخير بزيادة عدد السكان في الضفة على حساب التهجير الممنهج والاستيلاء المتفاقم لأراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم، تستمر حرب الإبادة على غزّة دون هوادة وسط حالة عجز وسخط من السكان الذين يفترشون الطرقات ولا يجدون أي مأوى بعد مواصلة قوات الاحتلال تدمير الأبراج السكنية والمباني الشاهقة التي كانت تشكل ملاذًا لمئات العائلات.

وتضيق الفرص أمام الغزيين الذين ينتظرون أي بارقة أمل لوقف الحرب واعلان الهدنة التي يبدو أن مخاضها سيكون عسيرًا بعد الغارات الاسرائيلية على العاصمة القطرية، الدوحة، والتي هدفت إلى كف يدها عن ملف التفاوض ونسف المباحثات بعدما أعلنت "حماس" علنية بأن وفدها كان يناقش المقترح الأميركي عندما نفذت الضربة التي فشلت في اغتيال قادتها ولكنها تركت خلفها 6 شهداء - تم تشييعهم أمس - وأزمة دبلوماسية كبيرة خاصة أن هذا الاستهداف يعتبر الاول من نوعه لعاصمة عربية من دول مجلس التعاون الخليجي ولديها باعٌ طويل في ملفات الوساطة كما حليف استراتيجي مهم لواشنطن ناهيك عن احتوائها على قاعدة "العديد" العسكرية. كل هذه الاسباب، إلى جانب البُعد الجغرافي حيث تقع الدوحة على بُعد 1800 كلم عن فلسطين، يؤكد بأن رسالة تل أبيب كانت واضحة وهي اظهار أنها تستطيع الوصول إلى أي بقعة جغرافية في الشرق الأوسط من دون أي رادع أو وازع.

وهذا التطور الخطير والرسالة "النارية" تدركها الدول العربية عمومًا ودول الخليج خصوصًا والتي تداعت إلى الاستنكار وزيارة قطر للاعلان عن التضامن الكامل والوقوف إلى جانبها حفاظًا على أمنها وسيادتها. وفي هذا السيّاق، نجح مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى بيان موحد يدين الهجوم على الدوحة ولكنه فشل في ذكر اسرائيل، ما يؤكد مدى الانقسام الحاد بين دول الأعضاء خاصة أن الولايات المتحدة لم تدن الاعتداء على الرغم من أن رئيسها ترامب وصف الخطوة الاسرائيلية بـ"غير  الحكيمة" وحاول التبرؤ منها. وجاء في البيان، الذي صاغته بريطانيا وفرنسا، أن "أعضاء المجلس شددوا على أهمية خفض التصعيد، وعبروا عن تضامنهم مع قطر، وأكدوا دعمهم لسيادة قطر وسلامة أراضيها". وإذ أشارت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو إلى أن الضربات تشكل "تصعيدًا خطيراً صدم العالم". ندّد مندوب الجزائر لدى مجلس الأمن عمار بن جامع بالضربات، قائلاً "إن إسرائيل تتصرف وكأنها فوق القانون وكأن الحدود غير موجودة"، مضيفاً أن ما تفعله ليس قوة إنما "أفعال طائشة من حكومة متطرفة".

بدورها، اعتبرت مندوبة الولايات المتحدة لدى المجلس دوروثي شيا، في كلمتها، أن "القضاء على "حماس" هدف يستحق التقدير"، مجددة التأكيد بأن "نتنياهو أكد لترامب رغبته في السلام". وبات من الواضح أن "السلام" الاسرائيلي المزمع يقوم على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته لاسيما أن خطوات الاعتراف المتزايدة تشكل هاجسًا أمام تل ابيب التي تسرّع الخطى وتشنّ حملات ضد الدول واصفة إياها بـ"معاداة السامية". وآخر فصول هذه الاتهامات كانت تلك التي وجهها نتنياهو إلى نظيره الإسباني بيدرو سانشيز ا(إسوة بما فعل في وقت سابق مع رئيس الوزراء الاسترالي)، متهمًا إياه بتوجيه "تهديد إبادة جماعية ضد الدولة اليهودية الوحيدة"، وذلك بعد إعلان مدريد عن حزمة إجراءات عقابية ضد إسرائيل، شملت حظرًا شاملًا على تصدير الأسلحة إليها، ومنع دخول الطائرات والسفن المرتبطة بها إلى الأجواء والموانئ الإسبانية، إضافة إلى حظر استيراد منتجات المستوطنات في الضفة الغربية، وزيادة التمويل المخصص لوكالة "الأونروا".

تزامنًا، لفت المتحدث باسم الحكومة الألمانية إلى أن برلين ستدعم قرار الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنها لا تعتقد بأن الوقت قد حان للاعتراف بدولة فلسطينية. ويترافق ذلك مع تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم الجمعة، على مشروع قرار قدمته فرنسا وبريطانيا، للمصادقة على مخرجات "المؤتمر الدولي الرفيع المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين وحل الدولتين"، والذي من المتوقع أن يكون على طاولة القمة التي ستعقد أواخر الشهر الحالي ضمن أعمال الدورة السنوية الـ80 للجمعية العامة في نيويورك. وتعارض واشنطن هذه الخطوة بشدة إرضاء لحليفتها اسرائيل، فيما يدرك "المعترفون" بأن تأثيراتها تبقى محدوة لاسيما أن ما يجري على أرض الواقع، سواء في غزة أو الضفة الغربية، تخطى ذلك بأشواط مع ما تقوم به القوات الاسرائيلية من عمليات ضم وقضم وتطهير عرقي وإبادة جماعية.

إلى ذلك، تتواصل عملية "عربات جدعون 2" في غزة وسط تكرار للمشهد اليومي من قتل أمام مراكز المساعدات الخاصة بـ"مؤسسة غزة الانسانية" إلى ارتفاع حصيلة شهداء التجويع وسوء التغذية والضربات العنيفة الاسرائيلية في مختلف مناطق القطاع بينما الأزمة الانسانية فحدث ولا حرج، لاسيما أن استمرار النزوح والحصار يجعل حياة الفلسطينيين في غاية الصعوبة بظل انعدام الفرص. أما في الضفة الغربية، فقد شنّت قوات الاحتلال حملة اعتقالات عشوائية شملت العشرات في مدينة طولكرم، شمالي الضفة الغربية المحتلة، وذلك بعد تفجير عبوة ناسفة بآلية عسكرية إسرائيلية أدت إلى إصابة جنديين بجروح. فيما تواصل محاصرة قرى شمال غرب القدس لليوم الرابع على التوالي وذلك في إطار "الانتقام الجماعي" من السكان بعد عملية إطلاق النار التي جرت في مستوطنة راموت والتي أودت بحياة 7 إسرائيليين وإصابة آخرين.

في سياق متصل، أعلن الحوثيون مهاجمة أهداف في إسرائيل، مساء أمس الخميس، بصاروخ باليستي و3 مسيرات، وذلك بعد يوم واحد من الضربات العنيفة التي شنّتها قوات الاحتلال على صنعاء والجوف وخلفت وراءها مئات القتلى والجرحى. في حين أكد زعيم جماعة "أنصار الله" عبد الملك الحوثي أن 38 صاروخًا ومسيرة تم إطلاقها على أهداف إسرائيلية خلال أسبوعين، لافتًا إلى ان من بين ذلك عمليتين استهدفتا مطاري "رامون" و"بن غوريون"، كما كشف اللثام عن عمليتين أخريين استهدفتا سفينتين تجاريتين في أقصى شمال البحر الأحمر تتبعان "العدو الإسرائيلي". ووضع الحوثي الضربات الأخيرة في إطار "الإفلاس والإجرام" ولكنه شدّد على أنها لن تسهم في "كسر إرادة الشعب اليمني، بل ستزيده قوة وصلابة في تصميمه وعزمه". يُشار إلى أن الجماعة المقربة من ايران تشن هجومًا مستمرًا على إسرائيل بصواريخ وطائرات مسيّرة، كما تستهدف سفنًا مرتبطة بها أو متجهة نحوها، وذلك في إطار ردّها على الإبادة المتواصلة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

لبنانيًا، برزت زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت واللقاءات التي أجراها مع المسؤولين والتي بمجملها ركزت على آخر التطورات المتعلقة بقرار الدولة بحصرية السلاح إلى جانب التجديد لقوات "اليونيفيل" بعد المساعي الجادة التي قامت بها باريس في هذا الإطار إلى جانب دفعها نحو عقد مؤتمرين لدعم الجيش اللبناني ولإعادة الإعمار. وتحاول فرنسا لعب دور متقدم في لبنان، وهو في بعض الأحيان يتعارض مع الخطط الأميركية خصوصًا ما يتعلق بالاعتداءات الاسرائيلية المستمرة بشكل يناقض ما تم الاتفاق عليه مسبقًا. فمن جهته، دعا رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى ممارسة المزيد من الضغوط على إسرائيل للتجاوب مع إرادة المجتمع الدولي بوقف الأعمال العدائية ضد لبنان، موضحًا أن الجيش يواصل عمله على الأراضي كافة وعلى طول الحدود، ولكن "استمرار الاحتلال الإسرائيلي لعدد من الأراضي اللبنانية يحول دون استكمال انتشار الجيش حتى الحدود الدولية". وكانت وزارة الصحة اللبنانية أعلنت إصابة 5 أشخاص في غارة من مسيّرة إسرائيلية، مساء الخميس، استهدفت بلدة كفر دونين جنوبي البلاد. فيما قتلت مسيّرة شخصًا على طريق بلدة البازورية جنوبي لبنان بعد استهدافه بشكل مباشر وفجرت مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة في بلدة عيتا الشعب.

على المقلب الايراني، شدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى أن المواد المخصّبة موجودة "تحت أنقاض" المنشآت النووية التي استهدفتها إسرائيل والولايات المتحدة خلال حرب الـ12 يومًا الأخيرة في حزيران/يونيو الماضي، مشيراً إلى أن المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية تقيّم الوضع وقدرة الوصول إلى هذه المواد، من أجل رفع تقرير إلى المجلس الأعلى للأمن القومي في البلاد. ويتزامن ذلك مع الاتفاق الذي تم توقيعه في القاهرة بين طهران و"الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، والذي وصف بـ"المهم لفتح صفحة جديدة من التعاون"، ولكن التباين الذي أتى بعد الاتفاق ساهم في تعقيد المشهد غداة الاعلان عن أنه لن يسمح حاليًا للمفتشين بدخول المواقع النووية في إيران.

وإليكم أبرز ما تناولته الصحف الصادرة اليوم في عالمنا العربي والتي في غالبيتها ركزت على الضربات الاسرائيلية على الدوحة وتداعياتها:

كتبت صحيفة "الخليج" الاماراتية على أنه "ورغم الالتفاف العربي حول قطر في مواجهة ما جرى، فإن اللحظة تبدو أكثر خصوصية في منطقة الخليج التي تستمسك بتعاونها وتقبض على أهم معانيه، وهو المصير المشترك". وقالت "لن تفلح إسرائيل، بحماقة ساستها وتطرفهم، في أن تأخذ الجميع إلى "قمة النار"، كما سمّت عدوانها على الدوحة، ولا حد للردود عليها في إطار القانون الدولي. فسترد قطر بما تراه مناسبًا لها من إجراءات، وسترد الدول العربية والإسلامية في قمتها المنتظرة بالدوحة بمزيد من دعمها، وسترد صلابة البيت الخليجي المتوحد الكائد بكيده".

ولفتت صحيفة " الأهرام" المصرية إلى أنه "لم يكن العالم في حاجة إلى نظام دولي جديد، مثلما تشتد الحاجة إليه الآن؛ في ظل أحداث وتطورات تعصف بالسلم والأمن الدوليين، ولا تؤدي إلا لفوضى عارمة وفرض الإرادة بالقوة؛ لتتزايد الصراعات وتتسع المواجهات"، جازمة بأنه على "ما يقرب من عامين يشهد الشرق الأوسط دليلًا دامغًا على انتهاء صلاحية هذا النظام الدولي بآلياته العاجزة؛ فالحرب الإسرائيلية الغاشمة على الشعب الفلسطيني وصولا إلى العدوان على دولة قطر الشقيقة، يشكل انتهاكًا صارخًا  ليس فقط للقانون الدولي واحترام سيادة الدول، وإنما لكل قواعد المنطق والعلاقات الدولية".

صحيفة "الرياض" السعودية، من جهتها، اكدت أن "استهداف قطر، التي التزمت بدور الوسيط النزيه، هو استهانة صارخة بكل القيم الدولية، وإعلان حرب على كل محاولات السلام، وهو رسالة مفادها أن منطق القوة هو السائد، وهو ما ترفضه المملكة وجميع دول الخليج جملة وتفصيلًا"، مشددة على أن "هذا العدوان لن يزيد المنطقة إلا إصرارًا على التضامن والوحدة، فشكرًا لقطر التي أعطت العالم درسًا في العروبة الأصيلة والثبات، وشكرًا للمملكة وقيادتها حصن الأمة المنيع، التي أكدت مرة أخرى أنها سند لا يتزعزع لأشقائها، وستظل الرسالة موجهة للعالم: مستقبل هذه المنطقة سيبقى دائمًا بأيدي أبنائها، وسنواصل السعي بكل قوة لتحقيق استقرارنا وأمننا، لأننا شعب واحد وأمة واحدة"، بحسب تعبيرها؟

أما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فرأت أن الرسالة الاهم يجب توجيهها إلى واشنطن ومفادها أنه "إذا استمرت في تغطية العدوان، فإنها ستخسر ما تبقَّى من نفوذها في المنطقة لمصلحة قوى دولية أخرى تتربص لملء الفراغ. بهذا المعنى، يمكن للقمّة العربية الإسلامية الطارئة أن تذكّر الإدارة الأميركية بأنّ مصالحها الاستراتيجية تمر عبر العواصم العربية والإسلامية، لا عبر الانحياز الأعمى لإسرائيل"، مضيفة "الواقع إنّ القمة أمام فرصة نادرة لتكريس معادلة جديدة: الاعتداء على أي دولة عربية أو إسلامية هو اعتداء على الجميع. وإذا لم تُترجم هذه المعادلة إلى خطوات ملموسة، فإن الردع سيتحول إلى حبر على ورق، وسيبقى العدوان الإسرائيلي يتكرر بلا عقاب".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن