المصارف اللبنانية.. والاستثمار في سوريا

تترقب المصارف اللبنانية باهتمام كبير، مسار تدفق الاستثمارات إلى سوريا، والتي سجلت حتى الآن أكثر من 28 مليار دولار، تشمل تنفيذَ مشاريع صناعية وسياحية وتجارية، وما يرافق ذلك من تطورات تكنولوجية. ويركز معظم هذه الاستثمارات على تطوير قطاع الطاقة، لا سيما النفط والغاز والكهرباء، وسط إعلان سوريا عن توافر أكثر من 500 فرصة استثمارية جديدة في 9 مناطق حرة.

وبما أن حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أشار صراحةً إلى عدم قدرة القطاع المصرفي برأسماله "الضعيف" على تلبية متطلبات خدمات هذا التدفق الاستثماري الكبير، والذي توقّع الرئيس السوري أحمد الشرع أن يصل تدريجياً إلى نحو 100 مليار دولار، فقد أكد (حصرية) على ضرورة الإسراع بإعادة هيكلة هذا القطاع، وتنظيم عمل المصارف، ومضاعفة رسملتها وتنويع نشاطها بشكل يمكّنها مِن التعامل مع المصارف الخارجية واستقطاب ودائع المغتربين، وإنعاش "الثقة المتآكلة". ويمكن أن يساعد في تحقيق ذلك إعطاءُ تراخيص بتأسيس مصارف جديدة، أو تكوين شراكات بتوسيع استثمارات المصارف العاملة، لتكون قادرةً على المساهمة في تمويل خدمات إعادة الإعمار.

ولمواكبة تدفق هذه الاستثمارات، يدرس "المركزي" اللبناني ملفاتٍ تتعلق برغبة أكثر من 50 مصرفاً عربياً وأجنبياً في فتح فروع لها، تمهيداً للبت فيها وفقَ إجراءات دقيقة تستند إلى أحكام القانون رقم 28 لعام 2001 وتعديلاته، مع مراعاة المعايير المصرفية العالمية، واحتياجات الاقتصاد السوري. ويعمل حالياً نحو 26 مصرفاً في سوريا، منها 9 مصارف حكومية و4 مصارف إسلامية، و11 مصرفاً خاصاً، تشمل مصارف عربية وأجنبية، وبينها خمسة مصارف تابعة لمصارف لبنانية مع شراكات عربية وسورية.

ويعود نشاط المصارف اللبنانية في سوريا إلى عام 1991، مع صدور "القانون رقم 10 لتشجيع الاستثمار"، مع انفتاح اقتصادي أغرى المستثمرين بالدخول في السوق السورية المتعطشة للكثير من الاستثمارات. وتلقفت 7 مصارف لبنانية الفرصةَ وأنشأت كياناتٍ وصفت بأنها "مصارف سورية" بترخيص رسمي من البنك المركزي السوري، وتحمل في الوقت نفسه العلامة التجارية لمصارفها الأم في لبنان.

ومنذ ذلك الوقت، أعطت إدارةُ المصارف اللبنانية مصارفَ في سوريا دفعاً قوياً، وتحولت السوق المصرفية إلى قطاع فاعل وأساسي في بنية الاقتصاد السوري، لكنها سجلت تراجعاً خلال سنوات الإحداث الأمنية التي بدأت عام2011، كنتيجة طبيعية لانهيار الليرة السورية، وفرض العقوبات الدولية، وتدهور حجم الاقتصاد من 60 مليار دولار إلى أقل من 15 مليار دولار.ورغم انسحاب مصرفين لبنانيين من سوريا، هما "بنك بيبلوس" و"بنك عودة"، نتيجة تأثرهما بالتطورات السورية والأزمة المالية والمصرفية اللبنانية، فقد واصلت خمسةُ مصارفَ عملَها في سوريا، مع الإشارة إلى أنها سجلت انخفاضاً في صافي الربح ليصل إلى 34 مليون دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، مقارنةً مع 141 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2023.

وبانتظار حل أزمة "الفجوة المالية" البالغة نحو 43 مليار دولار بين خسائر مصرف لبنان وموجوداته، وبالتالي حل مشكلة الودائع لدى المصارف التجارية وإعادتها إلى أصحابها، وذلك بإصدار قانون الانتظام المالي الذي تعكف الحكومةُ حالياً على إعداده، تدرك المصارفُ اللبنانيةُ التي ترغب في توسيع استثماراتها في سوريا بأنها تواجه تحدياتٍ كبيرةً، لعل أهمَّها فقدانُ الثقة الدولية، حيث يَنظر المجتمعُ الدولي والعربي إلى القطاع المصرفي اللبناني كجزء من الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان، وبما قد يؤثر على فرص هذا القطاع في الاستثمار داخل سوريا، لاسيما أنه مدرج على "اللائحة الرمادية" لمجموعة العمل المالي الدولية "فاتف"، وعلى "اللائحة السوداء" للاتحاد الأوروبي.

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن