إذا انتهت القمة العربية والإسلامية الطارئة في العاصمة القطرية الدوحة غدًا الأحد ببيان ختامي قوي جدا في الألفاظ والعبارات والفقرات ومصطلحات التنديد والشجب والاستنكار، فإن الأفضل ألا يكلف القادة العرب والمسلمون أنفسهم عناء التحرك والسفر وتضييع وقتهم وجهدهم في إصدار البيان الذي يمكن تمريره عبر الأونلاين. أفضل هدية تتلقاها إسرائيل هي أن تجتمع القمة وتكتفي ببعض عبارات الشجب والتنديد.
ما ينتظره المواطنون العرب والمسلمون من قادتهم منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن أن تكون هناك إجراءات ملموسة تجعل الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل لوقف العدوان. وبصريح العبارة فإن عدم صدور إجراءات عملية محددة من القمة ضد إسرائيل ومن يدعمها هي رسالة تقول إن تل أبيب يمكنها تكرار العدوان في أي بلد بالمنطقة. وقد قرأنا مساء الخميس الماضي في صحيفة "هآرتس " أن الهدف التالي قد يكون استهدافا لبعض قادة وكوادر حركة "حماس" في تركيا.
هذا الكيان العدواني الإسرائيلي تخطى كل الخطوط الحمراء والزرقاء والسوداء وخرق كل القواعد المتعارف عليها، وصار يبلطج ويعربد ويتباهى بأن يده قادرة على الوصول لأي مكان في هذه المنطقة. وقد سمعنا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يهدد الجميع قبل يومين ويقول نصا: "على كل دولة في المنطقة تأوي عناصر من "حماس" أن تطردهم أو تحاكمهم وإذا لم تفعل فسوف نفعله نحن". نتنياهو يتصرف الآن باعتباره حاكم المنطقة ويكرر يوميا "بأنه سيعيد رسم خريطة المنطقة وأنه وعد بعدم قيام دولة فلسطينية وقد نفذ هذا الوعد".
هو دمر قطاع غزة بنسبة تصل إلى 90% ويستكمل ما بقي هذه الأيام ويقوم بتهويد الضفة الغربية بوتيرة متزايدة ويعتدي بصورة شبه يومية على لبنان وسوريا واليمن وهاجم إيران، ويكرر كل يوم بأنه لا وقف لإطلاق النار في أي مكان. وأخطر ما قاله إنه ملتزم بحلم إسرائيل الكبرى. بعد كل هذا ما الذي ينتظره القادة العرب ليتخذوا موقفا عمليا يجعل نتنياهو ومن يدعمه يفكر ألف مرة قبل أن يستمر في هذه البلطجة؟!
هل ننتظر حتى تتحول كل غزة إلى أطلال ويتم تهويد الضفة الغربية وإعلان ضمها لإسرائيل رسميا، وهل ننتظر نتنياهو حتى يوسع من عدوانه على لبنان ويستأنف عدوانه على إيران؟! قد يقول البعض: نعم هو يعتدي على الدول لكن دولنا بعيدة عن التهديد. والإجابة ببساطة أنه لم يكن أحد يتخيل في يوم من الأيام أن يهاجم إيران، ولم يكن أحد يتصور أن يحتل أراضي جديدة في سوريا ويستمر في احتلال مواقع استراتيجية لبنانية، والأهم لم يكن أحد يتوقع أن يهاجم قطر، لكنه فعل كل ذلك ويقول إنه سوف يستمر في هذا النهج.
إذن السؤال مرة أخرى: إذا لم يتحرك القادة العرب فمتى يتحركون؟! أخشى أنه إذا تم الاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة فعلينا ألا نستبعد أن توسع إسرائيل من دوائر عدوانها وتصل إلى ذرى جديدة في العدوان وتهاجم بعض الدول التي لا يمكن تصور أن تهاجمها. لو أن كل دولة عربية، خصوصا المؤثرة منها فكرت بهدوء ودرست السلوك الإسرائيلي جيدا طوال العامين الماضيين فسوف تصل إلى نتيجة أساسية وهي أن إسرائيل تمثل خطرا وجوديا على كل المنطقة، وليس فقط على فلسطين أو لبنان أو الأردن أو مصر.
أتمنى أن تمثل قمة الدوحة المتوقعة غدا نقطة تحول في الموقف العربى الضعيف إلى حد كبير منذ 7 أكتوبر الماضي. وأتصور أنه لا بد من سحب السفراء من إسرائيل أو من بقي منهم، وطرد السفراء الإسرائيليين من الدول العربية، وتجميد التعاون مع إسرائيل تماما، وإبلاغها أن عدم وقف العدوان خلال فترة محددة سيعني قطع العلاقات الكاملة معها.
على كل دولة عربية أن تستعد بكل السبل لمواجهة الغدر الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا، وعلى القمة أن تتجرأ وتنتقد بوضوح التواطؤ الأمريكي ليس فقط في العدوان على قطر ولكن في العدوان على كل المنطقة منذ بدأ زرع إسرائيل في المنطقة رسميا عام 1948.
(الشروق المصرية)