فى مسودة البيان الختامي للقمة العربية التي انعقدت أمس في الدوحة للرد على العدوان الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة يوم الثلاثاء الماضي، جاءت هذه الكلمات: "يدعو البيان المجتمع الدولي للتحرك العاجل لوقف العدوان الإسرائيلي على فلسطين". هذه العبارات التي تتكرر دائما في بيانات القمة العربية تعتبر من ثوابت السياسة العربية وهي تعتبر من الغرائب والعجائب أيضا.
المفترض أن كل كلمة في أي بيان ــ خصوصا إذا كان صادرا عن قمة تجمع الرؤساء والملوك والأمراء ــ تكون معبرة عن معنى وواقع محدد يمكن قياسه. والسؤال: ما هي الرسالة التي ستصل لإسرائيل وكذلك الولايات المتحدة حينما تقرأ كل منهما هذه الكلمات العامة والمطاطة؟! أفهم أن تدعو القمم والاجتماعات العربية على اختلاف مستوياتها المجتمع الدولى إلى التحرك لردع إسرائيل، لكن بشرط وحيد، وهو أن تتحرك الدول العربية أولا لردع البلطجة الإسرائيلية، لكن كيف أدعو الآخرين إلى التحرك في حين أن غالبية الحكومات العربية لا تتحرك، بل إن معظمها لم يتخذ أي إجراء عملي على أرض الواقع يشعر إسرائيل ومن يدعمها بأن استمرار العدوان سوف يهدد مصالحها وعلاقاتها مع الدول العربية؟! في حين أن مواقف دول مثل إسبانيا وكندا أكثر عملية وإيلاما لإسرائيل.
عدد كبير من الدول العربية له علاقات متنوعة مع إسرائيل، سياسية ودبلوماسية وتجارية واقتصادية وسياحية وإعلامية، بل وعسكرية، وغالبية هذه العلاقات لم تتهدد رغم حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ 7 أكتوبر 2023، والتي امتدت لتشمل لبنان وسوريا واليمن وأخيرا قطر، إضافة بالطبع إلى إيران. ثم رأينا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبلطج على كل المنطقة ويكرر أن يد جيشه قادرة على الوصول لأي مكان في المنطقة، بل وتجرأ أكثر وقال إن عنده رسالة ورؤية روحية لتطبيق خريطة إسرائيل الكبرى.
إذا كان ذلك هو الخطاب الإسرائيلي الرسمي المعلن والذي يتم تنفيذه بالحديد والنار خصوصا فيما يتعلق بتهجير الشعب الفلسطينى من غزة، واستمرار تهويد الضفة، فمتى ستتحرك الدول العربية لردع هذا العدوان، وإذا كان الأمر كذلك فهل من المنطقي أن نطالب العالم بالتحرك في حين نكتفي نحن بإصدار بيانات الإدانة فقط؟! يقول بيت الشعر العربى الشهير: "ما حَكَّ جلدَكَ مثلُ ظُفْرِك.. فَتَوَلَّ أنتَ جميعَ أمرِك".
وترجمته على أرض الواقع أن تبادر الحكومات العربية باتخاذ إجراءات عملية لمواجهة العدوان، وبعدها يمكنها أن تطالب المجتمع الدولي بالتحرك العاجل. ثم إن هناك خلافا كبيرا في تعريف مصطلح "المجتمع الدولي"، وهل يملك أكثر من بيانات الإدانة في حين لا توجد لديه وسيلة عملية لردع العدوان؟ والأخطر في مسودة البيان أنها تشيد بدور الولايات المتحدة في عملية الوساطة! أي وساطة تلك والجميع يعرف أن واشنطن شريك كامل في العدوان ليس منذ يومه الأول.
لست حالما أو مثاليا، وأدرك تعقيدات الواقع ومرارته وأدرك أن علاقات بعض حكومات المنطقة مع أمريكا مقدمة على التزام هذه الحكومات بقضايا أمتها. لكن على الأقل كان يمكن أن تكون كلمات المسودة عملية وواقعية وتراعي مشاعر الجماهير العربية. بعد ساعات قليلة من العدوان الإسرائيلي على قطر قال رئيس وزرائها ووزير خارجيتها محمد بن عبدالرحمن في حوار مهم مع شبكة "سي. إن. إن" أن علاقات بلاده لم تكن بمثل هذه القوة الموجودة عليها الآن! وإنها لن تتراجع عن الوساطة. والسؤال المنطقي: إذا كانت العلاقات بمثل هذه القوة فلماذا تم أساسا عقد هذه القمة؟!
تدرك قطر ويدرك كل العالم أن أمريكا شريك أساسي في العدوان الذي استهدف قادة حركة "حماس" في الدوحة، وهو عدوان استهدف أولا وأخيرا سيادة قطر. وتدرك الدوحة وكل العرب أن أمريكا كان يمكنها ردع العدوان من البداية أو كشفه أثناء تنفيذه عبر قاعدة "العديد"، لكنها لم تفعل. وبالتالي فلم يكن موفقا بالمرة أن يتم الإشادة بدور الولايات المتحدة في البيان الختامى حتى لو كان لتجنب الدخول في صراع مع دونالد ترامب، متقلب المزاج.
صياغة البيان بمثل هذا الضعف يرسل رسالة لا لبس فيها لإسرائيل أن تواصل تدمير غزة وتهويد الضفة وتهجير سكانها، والأخطر أن إسرائيل ستواصل عمليات استهداف أي مقاوم أو أي مسؤول عربي في أي مكان يتجرأ على معارضتها. البيان الختامي للأسف لم يكن على مستوى توقعات غالبية الجماهير العربية، لكنه أيضا يعبر عن الواقع المحزن بوضوح.
(الشروق المصرية)