مراراً وتكراراً يردد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أفضل وأعظم صديق لإسرائيل"؛ يتباهى هذا الصديق الأفضل بأنه "ليس هناك أحد فعل أكثر مما فعلت أنا من أجل إسرائيل"، قبل أن يوصي صديقه نتنياهو بـ"توخي الحذر..." خلال آخر تصريح صحافي 15 سبتمبر (أيلول) الحالي. إنما هل لتصريحات وتوصيات "الصديق الأفضل والأعظم» تأثير يَحُدُّ من تصرفات "بيبي" التي تقطع طرق الالتقاء في منتصف الطريق، وتنسف جسورَ أي تفاهم مع الفلسطينيين، وتطبيع يرجوه الإسرائيليون... وحدهم؟
مبكراً شجّع ترمب على المسارعة في إنهاء حرب غزة، لكن استمرارها جعله يظهر مؤخراً وهو ينصح إسرائيل بتجنب مواصلة خسران العلاقات العامة وفقدان النفوذ والضغط القوي داخل الكونغرس. وأعرب أخيراً عن "عدم سروره بالإغارة على دولة قطر" شريكة مصر وأميركا في وساطة إنهاء مأساة غزة... كونها تعزز الصورة السلبية عن إسرائيل في أذهان الشباب الأميركي وأوساط الكونغرس؛ حيث شاع توصيف بعض أعضائه لحملات "الإبادة الجماعية في غزة"، بل تُضاعِف "اندهاش" الرئيس ترمب من "خسارة معركة العلاقات العامة» وفق حديثه لموقع "ذا ديلي كولر" 2 سبتمبر 2025.
في الحديث نفسه يلفت ترمب إلى أن "الناس نسوا واقعة 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023"... من دون أن ينسب الفضل في ذلك إلى استطراد "بيبي" فيما يقترف، حتى لاحت له فرصة الخلاص من قادة "حماس" في الدوحة، بعدما أغراه "إنجاز" تصفية قادة مدنيين -غير حوثيين تماماً- في صنعاء، لكي يصبح قائدَ عملية "استئصال" لا يتورع عن تجاوز الخطوط الحمراء، واستنكار من يدينه!
ليس سراً عدم اكتراث نتنياهو بنصائح وتنبيهات وتنديدات وتحولات أي صديق قديم أو جديد من الأطلسي إلى الخليج، فهو المعروف بأنه لا يبالي بقرارات مجلس الأمن وبياناته، والمحكمة الجنائية الدولية، و"إعلان نيويورك" اعتراف 142 دولة بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 عاصمتها القدس الشريف، تنفيذاً لحل الدولتين بفضل الدولتين: السعودية وفرنسا... بل يتوعّد عدم السماح بذلك وفق خطاب متطرف يرضي المتطرفين. لن نتساءل لماذا يفعل هكذا ما دامت آيديولوجيته معروفة للجميع، وأنه يستهدف "تقوية الصهيونية" من خلال "إسرائيل قوية قادرة على التوصل إلى تسويات سلام حقيقية مع العرب"، وفي الوقت عينه "ترفض تمكين الفلسطينيين من إقامة دولة فلسطينية..."، طبقاً للفصل التاسع "سلام دائم" ضمن كتابه الشهير «مكان بين الأمم/ تحت الشمس".
مثل الرئيس ترمب القائل: "لا يفاجئني أبداً ما يحدث في الشرق الأوسط"، لا يفاجئنا أبداً ما يرتكب نتنياهو من أفعال تتحدى العالم كله، ما دامت تتسق مع أقوال أسلافه في أثناء مراحل مختلفة: ديفيد بن غوريون: "المحافظة على وجودنا تسبق الاستجابة للكلمات والنصائح، فمتى قُضي علينا لن تُحيينا أميركا... لن نخضع لأميركا أو روسيا، سنسير على نهجنا". مناحم بيغين: "العالم لا يشفق على المذبوحين، إنه يحترم الذين يحاربون فقط... وبقدر ما تغضب سلطات، يُسَرُّ شعبنا". شيمون بيريز: "نُفضّل الأمن قبل أي شيء آخر، والتضحية بالتعاطف على التعرض لحالة ضعف".
أفعال نتنياهو المتسقة مع أقوال أسلافه تؤكد "التفوق الإسرائيلي" في الوجود على أساس إنكار الحقوق، وأنه لا قِبَل له بالسلام؛ وهذا إلى جانب إقرار العالم بحق الفلسطينيين في وجود دولتهم المستقلة، مع المراعاة الأميركية لتحركات أهم الأصدقاء والحلفاء العرب والمسلمين من قبل وبعد انعقاد قمة الدوحة، قد يكون لها وقعها على ميزان صفقات "الصديق الأفضل: ترمب"... ربما؛ لننتظر ونرَ.
(الشرق الأوسط)