تعيش المنطقة على صفيح ساخن تزداد سخونته كل يوم منذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية غداة عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حماس. عادت القضية الفلسطينية لتحتل موقع الصدارة على جدول القضايا الإقليمية أيا كانت مواقف الأطراف الدولية والإقليمية في هذا الشأن. والمثير للاهتمام في هذا الخصوص الطرح الإسرائيلي وكذلك طرح أصدقاء إسرائيل الذي اعتبر أن الصراع قد بدأ مع طوفان الأقصى وليس مع قيام دولة إسرائيل في العام 1948، لا بل عشية قيام هذه الدولة.
الأمر الذي يعكس، كما ينعكس، في رؤية الحكومة الإسرائيلية، بيمينها الديني الأصولي المتشدد وكذلك يمينها الاستراتيجي المتطرف الذي يمثله نتنياهو، لكيفية إنهاء الحرب الدائرة. بعد أسبوعين تقريبا تكون هذه الحرب المتوسعة قد أكملت عامها الثانى وتبقى كما تدل العديد من المؤشرات مستمرة في الزمان والمكان كما تذكرنا بذلك كل يوم التصريحات والعمليات العسكرية الإسرائيلية. هنالك مساران يطبعان المشهد الراهن في هذا الصراع المفتوح:
المسار الإلغائي الإسرائيلي الذي يعتبر أن العنوان الفعلي لكل محاولات التسوية الجارية لا تتعدى مفهوم الهدنة، هذا إذا ما تم التوصل إليها بالشروط الإسرائيلية بهدف تحرير الأسرى وامتصاص الضغوطات الدولية غير الفعالة أساسا كما نرى، والعودة لتحقيق الأهداف الإسرائيلية التي لا تخفيها إسرائيل. الأهداف التي تؤكد عليها كل التصريحات الإسرائيلية وعلى جميع المستويات. إنها سياسة تهدف إلى الإلغاء الاستباقي لإمكانية تحقيق حل الدولتين ولقيام الدولة الفلسطينية المنشودة من خلال إحداث تغيير كبير في الديمغرافيا والجغرافيا الفلسطينية.
يتم ذلك عبر سياسة الطرد والتهجير ولو على مراحل، وخلق أوضاع ضاغطة وخانقة لا تسمح ببقاء الفلسطيني في أرضه أو بيته كما نشهد من سياسات إسرائيلية عسكرية وعنيفة ناشطة وتصعيدية في الضفة الغربية لإحداث التغيير الديمغرافي المطلوب. الأمر ذاته يجرى بشكل أسرع في قطاع غزة لطرد أهل القطاع إلى جنوبه، وخلق نوع من الحصار الديمغرافي الضاغط والقاتل والطارد لاحقا إلى خارج القطاع. إنها حرب اقتلاع وتغيير الديمغرافيا الفلسطينية كلما طالت، نجحت في تحقيق ولو جزءا من أهدافها. على صعيد آخر تنشط إسرائيل في إقامة وتوسيع ما تعتبره مناطق عازلة في سوريا بهدف تثبيتها. وقد بدأ التفاوض برعاية أمريكية.
وعلى صعيد الجبهة اللبنانية لم تعترف إسرائيل بالفعل، بل على الورق فقط، "باتفاق وقف الأعمال العدائية" الذي تم التوصل إليه في نوفمبر الماضي. وقد أقامت نقاط مراقبة (تلال محتلة) ضمن الأراضي اللبنانية فيما تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية بدرجات مختلفة من التخفيض والتصعيد. وما زلنا ننتظر من الأطراف الدولية (الأعضاء فى اللجنة الخماسية لمراقبة وقف إطلاق النار وغيرهم) العمل على دفع إسرائيل لاحترام الاتفاقية المشار إليها، بغية المضي بشكل فعال في التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 1701 وبدعم فعلي وواقعي لقرار السلطة اللبنانية بحصرية السلاح في يد المؤسسات المعنية.
مسار حرب إسرائيلية تغييرية مفتوحة، كما أشرنا ومدعومة من الولايات المتحدة، لإقامة إسرائيل الكبرى من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط مع ربما ترك مناطق تحظى بشكل من أشكال الحكم الذاتي تحت سقف منخفض من الصلاحيات لإدارة فلسطينية يتم الاتفاق حولها لاحقا. مناطق تكون بمثابة جزر محاصرة على أرض إسرائيل الكبرى. إنه مشروع حرب مستمرة ويمكن أن تشكل مادة دسمة للتوظيف في صراعات إقليمية. والتاريخ القريب والبعيد يقدم خير دليل على ذلك.
مقابل سيناريو الحرب المفتوحة والمستمرة بدرجات وأشكال مختلفة والتى تتغذى وتغذي "لعبة القوى" فى المنطقة، يأتي سيناريو مناقض لما أشرنا إليه. إنه سيناريو حل الدولتين الذي هو عنوان المبادرة المشتركة السعودية الفرنسية والذي يحظى بدعم دولى متزايد. وانعكس ذلك في الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الخصوص. قمة نيويورك ستعطي زخما قويا لدعم هذه المبادرة التي دون تحقيق أهدافها عوائق أساسية أهمها دون شك الرفض الإسرائيلي الكلي لحل الدولتين والموقف الأمريكي الداعم كليا لذلك.
القمة المصغرة الذي دعا إليها الرئيس الأمريكي مع زعماء دول عربية خمس وتركيا لبحث موضوع غزة يوفر فرصة مهمة لطرح موضوع حل الدولتين. بقي أن ينتج عن قمة حل الدولتين خريطة طريق لتحقيق ذلك الهدف الذي أمامه الكثير من الصعوبات وبالتالي مسار طويل كما أشرنا. ولكنه يبقى الوحيد الذي يسمح بتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم والذي يستند بشكل واضح إلى مبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت في 2002. المطلوب خريطة طريق وجدول زمنى ولو مرنا بعض الشىء ولكنه ليس مفتوحا بالمطلق، لإطلاق هذا المسار وتوظيف الإمكانات الموجودة، والقوية إذا ما أحسن توظيفها، لتحقيق هذا الهدف الصعب كما أشرنا ولكنه ليس المستحيل.
(الشروق المصرية)