كل يوم يتأكد أن العدو الأصيل هو أمريكا.. وأن العدو الفرعي هو الكيان الصهيوني.. وما حدث يوم الخميس 18 سبتمبر الماضي، داخل مجلس الأمن، يؤكد هذه الحقيقة. حيث تقدمت بعض الدول في مقدمتها الجزائر، بمشروع قرار يتضمن وقف الحرب الصهيونية على غزة، وقفاً نهائيا ودائماً، والانسحاب الكامل منها، ... الخ، إلا أن أمريكا استخدمت "الفيتو"، وحدها، في مواجهة باقى الأعضاء وعددهم (14) عضواً، منهم الأربعة الكبار (روسيا/ الصين/ بريطانيا/ فرنسا)، الذين وافقوا جميعهم، بينما أمريكا هي التي استخدمت سلطتها الاعتراضية.
وبذلك فإن أمريكا تؤكد العديد من الحقائق هي: الحماية الكاملة للكيان الصهيوني، باعتبار أنه الامتداد لأمريكا الاستعمارية، بلا جدال، والموافقة الصريحة على استمرار العدوان الصهيوني على غزة، والقيام بالإبادة الجماعية للبشر، والحجر، ورفض المفاوضات لتحقيق السلام!، والدعم المطلق لحكومة نتنياهو وعصابة الحكم اليمينية المتوحشة (بن غفير/ سموتريتش) ووزير دفاعهم المتوحش (كاتس)، بأن تفعل ما تشاء من تدمير شامل في غزة، والضفة.
وبهذا الشكل.. فقد أفصحت أمريكا عن الجزء المخفي حتى لو كان بسيطا، بل طالبت نتنياهو، بسرعة إنهاء المهمة والسيطرة على غزة واحتلالها وإبادة البشر والحجر، وتسوية الأرض كلها، تمهيدا لتسليمها لأمريكا، ولترامب، ليجعل منها "ريفييرا"!! ما هذه الجرأة التي يتحدثون بها عن شعب يعاني الاحتلال والحصار والتهجير القسري والتشتيت، خلال (77) عاماً، حتى الآن !!.إلا أن الخطورة، في تداعيات ذلك على الإقليم، واحتمالات الاتجاه نحو حرب شاملة، لا تترك أخضر ولا يابسا!!
وباستخدام أمريكا الفيتو، وللمرة السادسة منذ "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر 2023م، وأوشك على حدوثه، عامان، ولم يحقق العدو الصهيوني، انجازا واحدا مما أعلنه من أهداف في حربه على غزة، حتى الآن، يثور التساؤل حول مصير الأمم المتحدة.. وجدواها، في ظل ما حدث ويحدث، حتى لحظة الاستخدام الأمريكي للفيتو للمرة السادسة داخل مجلس الأمن؟.!
لقد عبر مندوب الجزائر فى مجلس الأمن (ممثل المجموعة العربية بالمجلس)، عن الاستخدام السيئ للفيتو من جانب أمريكا، قائلاً: "نقدم الاعتذار والأسف للشعب الفلسطيني فى غزة.. لأننا لم نستطع حمايتهم ووقف الحرب ضدهم، وعدم قدرة الأمم المتحدة على حمايتهم"! ولذلك فإن هذه المنظمة المسماة "الأمم المتحدة"، قد فشلت في أداء وظائفها في حماية الأمن والسلم الدوليين، وتحقيق مقاصدها. الأمر الذي مكن أمريكا وولايتها الـ (51) وهي "الكيان الصهيوني"، في الإقليم العربي والشرق أوسطي، من إسقاط هيبة هذه المنظمة، وإظهار صورتها بالعجز الكامل!!. فلا هي قادرة على وقف الحرب الصهيونية المستمرة من عامين!! ولا هي قادرة على توصيل المساعدات الغذائية إلى شعب غزة!!
واكتفت المنظمة من خلال الأمين العام، ومساعديه، ببيانات التنديد والإدانة للكيان الصهيوني!! وعقد المؤتمرات الصحفية، والتيييعلن فيها جرائم الكيان الصهيونى، وفضح ذلك على مرأى ومسمع من العالم كله!!. ونذكر أن منظمة "عصبة الأمم" التي أنشئت عقب الحرب العالمية الأولى في عام 1919م، كان هدفها هو: منع الحروب، وعدم تكرار قيام حرب عالمية مرة أخرى، ولكن عندما اندلعت حرب عالمية ثانية (1939 – 1945م)، سقطت المنظمة، بسبب إخفاقها في الحيلولة دون اندلاع الحرب، وتم حلها. وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي أخرياتها، تم التفكير والإعداد لمنظمة بديلة لها اختصاصات أكبر وأكثر فاعلية، مما كانت في عصبة الأمم. إلا أنه بعد (80) ثمانين عاما، على إنشائها، فإنها قد أثبتت فشلها في تحقيق السلام، وتفادي الحروب.
ونحن الآن على أبواب حرب عالمية شاملة، إن لم تكن قد بدأت فعلاً، منذ حرب أوكرانيا في فبراير 2023م. ومن الثابت أن الفشل يأتي من داخل المنظمة ذاتها. فعلى حين ينص دستورها على إمكان تجميد عضوية الدولة، أو إبعادها وفصلها، في حالة عدم الالتزام بمقررات الأمم المتحدة، إلا أن ذلك لم يتحقق مع الكيان الصهيوني، المدعوم من إحدى الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن وهي (أمريكا)، رغم تحديها لمقررات المنظمة، وتعوق معاقبتها الدولة الأكثر هيمنة على الأمم المتحدة، من خلال توظيف مقعدها الدائم في مجلس الأمن، لمصلحة هذه الدولة المارقة، والتي تعمل من خلال عصابة حكم تتحدى القانون الدولي، وترفض أحكام العدل الدولية، والجنايات الدولية، وأصبح هذا الكيان الصهيوني، وراعيه (الولايات المتحدة)، وكأنها فوق العالم، وفوق القانون الدولي، وفوق كل شيء!! وتسلك سلوك البلطجية، فتضرب العواصم العربية، بلا حدود أو سقف، وبمساعدة أمريكا!!
ولذلك فإن هذا المشهد يصب في تأكيد انهيار الأمم المتحدة، مكانا ووظيفة وأهدافا، ويستلزم الأمر، إعادة النظر في هذه المنظمة بمنظمة بديلة، مع الحفاظ على المنظمات المدنية التي تنظم العلاقات بين الدول البعيدة عن السياسة.
(الأهرام المصرية)