صحافة

"المشهد اليوم"..."حزب الله" يتحدّى الحكومة ودمشق تعود للأروقة الدوليةالسعودية تعلن عن تحالف دولي لتمويل السلطة الفلسطينيّة وصنعاء تحت النيران الاسرائيليّة

من إضاءة صخرة الروشة بصورتين لحسن نصر الله وهاشم صفي الدين في ذكرى اغتيالهما أمس (رويترز)

كثيرة هي الملفات الموضوعة على طاولة البحث من خطة الرئيس الاميركي دونالد ترامب لمستقبل غزة ووقف إطلاق النار إلى الاتفاق الأمني بين اسرائيل وسوريا، والذي تدفع بإتجاهه واشنطن بكل ما أوتيت من دبلوماسية ونفوذ إلى متابعة نزع سلاح "حزب الله" ورمي الكرة في ملعب الحكومة اللبنانية. وقد خيّم الملف الفلسطيني بكل تبعاته وتداعياته، لاسيما بعد الاعترافات بالدولة الفلسطينينة، على أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80 المنعقدة في نيويورك وسط مفارقات لافتة وأهمها الرفض الغربي المتزايد لخطط اسرائيل وعملياتها إلى الاحتفاء الواسع بالرئيس السوري أحمد الشرع مما يؤكد أن دمشق حجزت لنفسها مكانًا متقدمًا في الأروقة الدولية.

فدمشق التي عاشت لعزلة لسنوات طويلة ولا تزال تحاول الخروج من تداعيات الحرب الدموية التي أرهقت البلاد، تسعى للإستثمار في علاقاتها الخارجية وتوسيع مروحتها بينما تضع نصب أعينها أهدافًا واضحة، تتجلى في التوصل إلى اتفاق مع اسرائيل تأمل من خلاله أن يكون بوابة للحدّ من الاعتداءات شبه اليومية على الرغم من أن الخلافات شاسعة بين الطرفين خاصة أن الجانب السوري يتمسك بالاتفاق المبرم في العام 1974 فيما تل أبيب تريد الحصول على المزيد من المكاسب وتكريس احتلالها لقمة جبل الشيخ الاستراتيجية. إلى جانب مساعي حكومة الشرع لجذب الاستثمارات والمشاريع للانطلاق بعملية اعادة الاعمار وصولًا إلى المطالبات المتواصلة برفع العقوبات. وتستفيد سوريا من حلفائها، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية وقطر إلى جانب تركيا التي عزّزت من نفوذها بعد سقوط النظام السابق، الذي اعتبر الرئيس ترامب بأن الفضل في اسقاطه يعود لمن نعته بـ"الرجل الصعب والقاسي"، في إشارة إلى الرئيس رجب طيب اردوغان الذي حل ضيفًا على البيت الأبيض حاملًا معه أجندات اقتصادية وعسكرية وسياسية، ومن بينها الملف السوري.

 هذا وبالتزامن مع زيارة الرئيس الشرع "التاريخية" إلى نيويورك، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية  (OFAC)، عن تعديل جذري في نظام العقوبات. إذ أشارت الوثيقة الرسمية، إلى أن المرحلة الجديدة لم تعد تستهدف الدولة السورية بحدّ ذاتها؛ بل الأفراد والكيانات المتورطين في الجرائم والانتهاكات وتهريب الكبتاغون، كما غيّرت الاسم الرسمي للبرنامج ليصبح: "لوائح العقوبات لتعزيز المساءلة عن الأسد واستقرار المنطقة"، في إشارة واضحة إلى نهاية مرحلة العقوبات الشاملة التي ارتبطت بالنظام السابق. وتمثل هذه الخطوة اعترافًا أميركيًا ضمنيًا بشرعية الحكومة الانتقالية بقيادة الشرع، وإشارة إلى أن واشنطن لم تعد تنظر إلى دمشق بوصفها دولةً معاقَبة؛ بل شريكًا محتملًا في إرساء الاستقرار بينما تدفع بإتجاه ترتيبات أخرى. وبينما تتعرض دمشق لضغوط أميركية، وإن أنكرها الشرع، في تصريحات سابقة، لإبرام اتفاق "ولو جزئي" مع تل أبيب، يبدو المشهد مغايرًا في بيروت التي كانت أمس مسرحًا للسجالات السياسية بعدما تحدّى "حزب الله" الحكومة اللبنانية وأضاء صخرة الروشة بصور الأمينين العامين السابقين للحزب، حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.

وقد شارك الآلاف من مناصري الحزب في تجمّع أمام صخرة الروشة إحياء للذكرى السنوية الأولى لمقتل نصر الله بغارات إسرائيلية. في وقت يصب الحزب جام غضبه على رئاسة مجلس الوزراء ويحملها تبعات كافة القرارات والأحداث الجارية على الرغم من أن هذا التصويب يصب لصالح اسرائيل التي تدفع نحو اقتتال داخلي بينما هي تكرس احتلالها للتلال الخمسة وتتعدى على سيادة لبنان وأراضيه. فمنذ قرار "وحدة الساحات"، أدخل "حزب الله" لبنان في أتون حربًا لم يخرج من تداعياتها بعد، فعملية إعادة الإعمار لم تبدأ وعودة السكان لقراهم الحدودية تبدو غير متاحة حاليًا بينما يضغط المجتمع الدولي على لبنان لنزع سلاح "حزب الله"، وكانت تصريحات المبعوث الأميركي توم برّاك خير دليل على الموقف الرسمي الذي تتبناه واشنطن التي تعتبر أن ذلك يقع على عاتق المسؤولين اللبنانيين دون سواهم. وينعكس هذا التباعد والتنافر بين قيادة الحزب من جهة ورئيس الحكومة نواف سلام على مسار الأحداث خصوصًا ان الحزب لا يبدو في مرحلة المهادنة بل على العكس يصعّد داخليًا بينما تسرح وتمرح تل أبيب دون أي رادع أو وازع.

في السياق، اعتبر الرئيس سلام أن "ما حصل في منطقة الروشة يشكل مخالفة صريحة لمضمون الموافقة المعطاة من محافظ مدينة بيروت لمنظمي التحرك الذي على أساسه صدر الإذن بالتجمع والذي نص بوضوح على عدم إنارة صخرة الروشة مطلقًا لا من البر ولا من البحر أو من الجو، وعدم بث أي صور ضوئية عليها"، مؤكدًا أن "هذا يشكل انقلابًا على الالتزامات الصريحة للجهة المنظمة وداعميها ويعدّ سقطة جديدة لها تنعكس سلبًا على مصداقيتها في التعاطي مع منطق الدولة ومؤسساتها". وسبق الاحتفال التراشق الكلامي بين لبنان والمسؤولين الايرانيين الذي اكدوا بقاء الحزب واستعادته عافيته، من منطلق التأكيد على أن طهران لا تزال تمتلك نفوذًا واسعًا على الرغم من الاختلال في موازين القوى منذ أحداث 7 تشرين الأول/ نوفمبر 2023. يُشار إلى أن البلاد تجاوزت قطوعًا بعدما رفضت الحكومة طلبًا تقدمت به السفارة الإيرانية في بيروت للسماح، استثنائيًا لطائرتين إيرانيتين بالهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي، وعلى متنهما شخصيات رسمية ومرجعيات دينية كانت تعتزم المشاركة في المراسم التي أقامها الحزب أمس.

ومن لبنان "المتخبط" الذي يفشل، حتى اللحظة، في حلحلة الملفات والقضايا العالقة إلى الملف الفلسطيني الذي تحول إلى الشغل الشاغل بعدما تخطت الحرب على غزة كل الخطوط الحمر. وفي خطوة من شأنها تعزيز التوصل إلى إتفاق ما، أعلنت المملكة العربية السعودية عن إطلاق التحالف الدولي الطارئ لدعم تمويل السلطة الفلسطينية المباشر، مع عدد من الشركاء الهامّين، وتقديم الرياض دعمًا بمبلغ 90 مليون دولار أميركي لها، مجددة التأكيد على أنه "لن يكون هناك مسار للتطبيع مع إسرائيل من دون دولة فلسطينية". هذا الموقف الذي أفصح عنه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان جاء بعد لقاء القمة الذي عقده الرئيس الأميركي مع قادة عرب ومسلمين من أجل طرح خطته لإنهاء الحرب في غزة ووصف بـ"المهم"، فيما قدم المشاركون رؤيتهم وأكدوا على أمور جوهرية واضحة ومن بينها رفض ضم الضفة الغربية وعدم القبول بكل خطط تهجير الفلسطينيين وضرورة التوصل إلى حل يقضي بوقف القتال وإنهاء أزمة الرهائن الإسرائيليين.

 في غضون ذلك، صرّح ترامب بأنه لن يسمح لإسرائيل بتعزيز احتلالها للضفة الغربية، كما توقع التوصل إلى اتفاق "وشيك"، قائلًا "تحدثنا مع بيبي نتنياهو اليوم (الخميس)، وتحدثنا مع جميع القادة في الشرق الأوسط الذين هم أشخاص رائعون، ونحن نقترب جدًا من التوصل إلى اتفاق بشأن غزة وربما حتى إلى سلام". وسيكون هذا الملف على طاولة النقاش بين ترامب ونتنياهو يوم الاثنين المقبل في البيت الأبيض، بينما أشارت معلومات اسرائيلية بأن الأخير سيجتمع برفقة مستشاره للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف في نيويورك. ووفقًا للقناة "12" الإسرائيلية، يضغط فريق ترامب على نتنياهو للموافقة على الخطة المطروحة على الطاولة والتي سبق وتمت مناقشتها مع 8 من القادة العرب والمسلمين، يوم الثلاثاء، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال مصدر أميركي للقناة نفسها: "إن استمرار الحرب سيزيد من عزلة إسرائيل، لكن قبول الخطة وإنهاء الحرب سيُخرجان إسرائيل من عزلتها ويُمكّناها من التقدم في اتجاهات أكثر إيجابية في المنطقة، بدعم من الولايات المتحدة".

وفي هذا الإطار، جدّد الرئيس الفلسطيني إدانته لما حدث في 7 تشرين الاول/ أكتوبر، داعيًا حركة "حماس" وغيرها من الفصائل إلى تسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية. هذا الموقف رفضته الحركة التي أكدت، من جهتها، التمسك بـ"السلاح ما دام الاحتلال جاثمًا على أرضنا وفي صدور شعبنا"، داعية إلى "الوحدة والتوافق الوطني على برنامج نضالي شامل في مواجهة الاحتلال" بإعتباره "سبيلًا وحيدًا "لحماية قضيتنا الوطنية والتصدي لمشاريع الاحتلال". وتترافق هذه المستجدات بينما يخوض سكان القطاع حربًا على عدة اصعدة بظل تصعيد العملية العسكرية واستمرار الحصار الذي يزيد من المعاناة ناهيك عن آلاف الحالات الطبية التي تحتاج إلى الخروج العاجل من القطاع المنكوب لتلقي العلاج. وأفادت مصادر طبية في غزة باستشهاد أكثر من 57 فلسطينيًا بنيران جيش الاحتلال الذي يواصل قصفه المدفعي والجوي لمدينة غزة بهدف دفع سكانها للنزوح نحو الجنوب في رحلة شاقة ومضنية وبتكلفة خيالية وسط انعدام مقدرات السكان الذين فقدوا مصادر دخلهم.

إلى ذلك، كانت صنعاء أمس مسرحًا للضربات الاسرائيلية، حيث أفادت وسائل إعلامية تابعة للحوثيين بأن الغارات الجديدة استهدفت محطة ذهبان الكهربائية، وحيًا سكنيًا ما أدى إلى مقتل شخصين وإصابة 48 آخرين. ويأتي ذلك في معرض الرّد على الهجوم الذي شنّه الحوثيون يوم الأربعاء على مدينة إيلات وأدى لإصابة العشرات. وقالت إذاعة جيش الاحتلال، إن القوات الإسرائيلية استخدمت أكثر من 65 قذيفة وهو أكبر عدد ذخائر في هجوم جوي على اليمن. إلا أن القصف لم يحول دون إطلاق "الحوثيين" المزيد من الصواريخ، إذ أفادت وسائل إعلامية بأن الملايين دخلوا الملاجئ إثر إطلاق صاروخ من اليمن، بعد أن دوت صفارات الإنذار في القدس ومنطقة تل أبيب الكبرى.

إيرانيًا، شدّد الرئيس مسعود بزشكيان على أن بلاده "مستعدة تمامًا للتعامل مع أي سيناريو محتمل"، مشددًا على أن "سياساتها وتوجهاتها ستتكيّف مع أي مستجدات"، في حال أقدمت الترويكا الأوروبية على تفعيل آلية "سناب باك" لإعادة العقوبات. وكان الأخير وجه انتقادات لاذعة إلى الاوروبيين خلال الكلمة التي ألقاها في نيويورك وسط تصعيد كلامي متواصل مع قرب دخول العقوبات الأممية على طهران حيّز التنفيذ دون التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف. وكانت "الترويكا" وضعت 3 شروط لتمديد فترة تخفيف العقوبات، وهي استئناف المفاوضات المباشرة وغير المشروطة، ووصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل إلى المواقع النووية الإيرانية، والحصول على معلومات دقيقة عن مواقع المواد المُخصّبة.

وفي الصحف العربية الصادرة اليوم، الجمعة، تركيزٌ على التطورات المحلية والإقليمية وهنا أبرزها:

علّقت صحيفة "القدس العربي" على خطة واشنطن بشأن غزّة بالقول "إدارة ترامب، تقترب من إدراك وصول إسرائيل إلى "نقطة حرجة" عالميّا، وأنها اقتربت من فهم عواقب سياسة القوة التي تتبعها، عبر الإبادة الجماعية في غزة، وإجراءات ضم الضفة الغربية، وإلغاء السلطة الفلسطينية، والتوغلات في سوريا ولبنان، والقصف المتكرر في اليمن، واستهداف قادة "حماس" في قطر، والحرب على إيران، واستهداف أسطول الصمود في تونس وعبر البحر المتوسط، وتهديد الأردن ومصر بفرض واقع التهجير القسري للفلسطينيين". وأضافت "لقد تحوّلت إسرائيل إلى وحش كاسر والعالم إلى غابة عنف منفلت، فأضحت الدولة المارقة المكروهة عالميًا، وتجلى هذا الغضب العالمي في حفلات الموسيقى، وملاعب كرة القدم، والمنظمات الدولية، ومحاكم الأمم المتحدة" على حدّ قولها.

أما صحيفة "الخليج" الاماراتية، فلفتت إلى أن الحرب على غزة "لم تكشف فقط عن حجم الكلفة الإنسانية الباهظة، بل أظهرت أيضًا حدود القوة الإسرائيلية في ضمان الاستقرار. وقد دفعت هذه الوقائع عواصم غربية إلى مراجعة قناعاتها، والاقتراب أكثر من المقاربة الواقعية: إن أمن إسرائيل لا يستقر إلا إذا رُسّخت أسس الدولة الفلسطينية"، معتبرة ان "الفلسطينيين بحاجة إلى دولة تحفظ كرامتهم وحقوقهم، والإسرائيليين بحاجة إلى بيئة آمنة ومستقرة. وبين هذين المطلبين تتشكل المعادلة التي يمكن أن تنقل المنطقة من دوامة الصراع إلى أفق التسوية التاريخية وتعيد مسار الاستقرار والنماء في منطقة الشرق الأوسط وتعيد تسريع عجلة التوافقات في كافه القضايا الدولية لمسار الازدهار المستدام".

من جانبها، رأت صحيفة "الأهرام" المصرية بأن "ما رأيناه، خلال الأيام القليلة الماضية، بعد التحول التاريخي باعتراف عدد من الدول الكبرى بالدولة الفلسطينية وما خرج به اجتماع نيويورك يؤكد أن وقت السلام قد حان". وأردفت قائلة "وإذا كانت مصر صاحبة خيار السلام تدفع بكل الجهود، نحو ضمان مستقبل آمن ومستقر لشعوب الشرق الأوسط التي أنهكتها الصراعات والحروب؛ فإنها تتحمل مسئولية كبيرة في الحفاظ على السلام، وترسيخه وتتطلع إلى تنفيذ مبادرة الرئيس ترامب في أقرب وقت ممكن، لإحلال السلام وفتح مسارات للأمل؛ بعيدا عن غطرسة القوة، وسياسة فرض الأمر الواقع التي تقود المنطقة إلى الدمار".

صحيفة "اللواء" اللبنانية، بدورها، تناولت الحدث الداخلي إذ دعت إلى "المضي قدمًا في الإصلاحات البنيوية ومكافحة الفساد، كي لا يبقى ملف "حصرية السلاح"، ذريعة لتقويض صورة الدولة، والتشكيك بقدرات الجيش والقوى الأمنية، بل جزءًا من مسار متكامل لإعادة الثقة الداخلية والخارجية". وخلصت إلى أن "حزب الله" قد أضاع فرصة ثمينة لإظهار انسجامه مع منطق الدولة، لكن الحكومة ما زال بإمكانها تحويل هذه الانتكاسة إلى محطة تأكيد لصلابتها. فإما أن يكون ما جرى مجرد حادث  تتم معالجته بالحكمة والحزم معاً، أو يتحوّل إلى شرخ إضافي يعمّق أزمة الثقة في لبنان".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن