صحافة

نتنياهوــ ترمب... والاحتلال العكسي

إميل أمين

المشاركة
نتنياهوــ ترمب... والاحتلال العكسي

ما زلنا ننتظر لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، الاثنين المقبل، فيما التساؤل الذي بات لا مفر منه، رغم الدعاية الإعلامية، والعرض المسرحي الأخير لترمب في الأمم المتحدة: "هل سيعطي سيد البيت الأبيض مباركته لإطلاق مشروع إسرائيل الكبرى؟". حكماً، هي زيارة غير اعتيادية، على ثلاثة أصعدة، الفلسطيني والسوري والمصري، مع ما يستجد من أوهام فائض القوة الإسرائيلية، المرتكنة إلى الدعم الأميركي من ترمب، ودَعْ عنك سرديات البحث عن "وهم السلام"، والتعبير للمبعوث الأميركي لسوريا توماس برّاك.

الحقيقة المؤكدة هي أن القوة الوحيدة القادرة على كبح جماح إسرائيل هي شريكتها الاستراتيجية، التي تُوهم العالم طويلاً بأنها وسيط نزيه، أو شريك عادل، في السعي لإحقاق الحقوق. سبقت زيارة نتنياهو إلى واشنطن، زيارة روبيو البائس إلى إسرائيل، حيث ظهر عند حائط البراق، وهو يعتمر الكيباه اليهودية على رأسه، يتلو صلاة خاصة، ومُظهراً، بالقوة، ما يتجاوز أي شرعية، في وقوف واشنطن بجانب تل أبيب، تلك التي كانت قد قصفت العاصمة القطرية للتو.

من قلب دعم إدارة أميركية، ترى أنه من الطبيعي أن يتم تفريغ أرض غزة من سكانها، وتحويلها لريفيرا شرق أوسطية، يرى نتنياهو أنه الوقت القيّم لبلورة رؤية إسرائيل الكبرى، ذلك المصطلح الذي شاع وذاع بعد حرب "الستة أيام" عام 1967، وتم ترسيخه عام 1977 في الميثاق التأسيسي لحزب الليكود، والذي يشير إلى أنه "بين البحر المتوسط ونهر الأردن لن تكون هناك سوى السيادة الإسرائيلية". في ظل مثل هذا الزخم الإمبراطوري الأميركي، بات نتنياهو في وضع قوي يسمح له بضم قطاع غزة، ثم توسيع نطاق الولاية القضائية الإسرائيلية رسمياً لتشمل جميع المستوطنات الإسرائيلية، حيث يعيش أكثر من 700 ألف مستوطن تحت حماية قوات الاحتلال.

غالب الظن أن قصة غزة ليست هي بيت القصيد الأول في زيارة نتنياهو إلى واشنطن، فهي تحصيل حاصل، إنما الهدف الحقيقي يدور في إطار قضيتين جوهريتين، كانتا، منذ البداية، نقطتين جوهريتين، أو إنْ شئت الدقة عقبتين رئيسيتين في سياق مشروع "إسرائيل الكبرى". الركيزة الأولى في زيارة نتنياهو ستتمحور حكماً حول سوريا، حيث التسريبات الأقرب إلى التصريحات تقطع بأن هناك احتمالاً كبيراً أن يلتقي نتنياهو الرئيس السوري أحمد الشرع في واشنطن، ليعقد معه لقاءً هو الأول من نوعه منذ زمن بعيد بين قيادتين إسرائيلية وسورية تحت رعاية ترمب.

أكثر من ذلك، من المتوقع أن تُعقد اتفاقية أمنية بين دمشق وتل أبيب تعيد رسم معالم وملامح العلاقات بين البلدين، تشمل العديد من القضايا الخلافية، وفي مقدمها الجولان، وبقية الحدود. يدرك نتنياهو أن دعم ترمب له فرصة ذهبية لبلورة واقع حال جديد مع سوريا، يخدم فكرة مطاردة وكلاء إيران في الشرق الأوسط، ويضمن أمن إسرائيل على طول حدودها الشمالية. النقطة أو المطلب الثاني، الذي سيركز عليه نتنياهو حكماً في لقائه ترمب، محاولة الضغط على مصر، بشأن مزاعم تعزيزاتها العسكرية في شبه جزيرة سيناء، التي تقول إسرائيل إنها تثير قلقها.

مهّدت تل أبيب، قبل زيارة نتنياهو، لهذه الجزئية، عبر أدوات ظاهرة وخفية، منها، على سبيل المثال لا الحصر، مقال السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر دافيد غوفرين، عبر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، والمملوء بالزيف التقليدي، عن محاولات القاهرة ممارسة خطوات لتآكل الملحق العسكري في سيناء، وكيف أن التطورات الأخيرة حول غزة تفتح الباب لمشهد خطير جداً بين البلدين، من دون أن يكلف نفسه ذكر شيء من الحقيقة عن إسرائيل التي نشرت عسكرها في محور صلاح الدين، والتي تخطط لدفع الغزاويين إلى البحر، ليختاروا بين الموت غرقاً، أو إجبار المصريين على التقاطهم أحياء، ليتحقق سيناريو التهجير المقيت.

وقد يكون من المفيد والجديد في زيارة نتنياهو واشنطن أن يعاد طرح علامة الاستفهام عن حدود العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا سيما بعد أن باتت تمثل نوعاً من الاستعمار أو الاحتلال العكسي. اعتاد السياسي الأميركي الشهير بات بوكانان، مستشار عدد من الرؤساء الأميركيين، أن يقول إن مبنى الكابيتول "أرض محتلّة من قِبل إسرائيل". وفي عام 1996، سأل الرئيس بيل كلينتون المُحبط، بعد لقائه نتنياهو المُتغطرس: "من يظن نفسه؟ مَن القوة العظمى اللعينة هنا؟".

الاثنين المقبل، سوف يطرح الأميركيون السؤال عينه، وربما يكون الجواب الحاسم والجازم لدى الدولة الأميركية العميقة، وليس لدى سيد البيت الأبيض... من يعلم؟

(الشرق الأوسط)

يتم التصفح الآن