دخلت العقوبات الأممية على ايران حيّز التنفيذ بعد أن وصلت المباحثات إلى طريق مسدود. فالشروط الثلاثة التي وضعتها دول "الترويكا" الأوروبية لتمديد فترة تخفيف العقوبات، والتي تقوم على استئناف المفاوضات المباشرة وغير المشروطة، ووصول مفتشي الوكالة الدولية للطاثة الذرية بشكل كامل إلى المواقع النووية الايرانية كما الحصول على معلومات دقيقة عن مواقع المواد المُخصبة، لم تستجب لها طهران بالشكل الكافي بحسب ما أعلنت هذه الدول صباح اليوم، الأحد، مؤكدة أن ما قدم كان "ضئيلًا جدًا" بحيث لا يكفي لوقف دخول آلية العقوبات أو ما تُعرف بـ"آلية الزناد" أو الـ"سناب باك". وبرّرت هذا الإجراء بعدم وفاء طهران بالتزاماتها المتعلقة ببرنامجها النووي.
وهذا ما سيزيد من حجم الأعباء الملقاة على عاتق ايران التي تحاول إعادة تنظيم نفسها بعد حرب الـ12 يومًا مع اسرائيل بمؤازرة أميركية، إلى جانب الانتكاسات الكبيرة التي تعرّض لها محورها بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأبرزها سقوط حليفها نظام بشار الأسد في سوريا واغتيال كبار شخصيات وقادة "حزب الله" في لبنان واضعافه عسكريًا. ودون أن نغفل عن انعكاسات العقوبات على اقتصاد البلاد وما تسببه من معاناة للإيرانيين على أكثر من صعيد. وهذا الاعلان من جانب ألمانيا وفرنسا وبريطانيا (الترويكا الأوروبية) يأتي بعد أن منح مجلس الأمن الضوء الأخضر لمثل هذه الخطوة غداة فشل مسعى روسي صيني مشترك ليل الجمعة، في تمديد المهلة. ونتيجة ذلك، أُعيد اليوم فرض عقوبات توصف بـ"القاسية" على إيران، وتشمل حظرًا على نقل أو بيع الأسلحة وحزمة كبيرة من التدابير الاقتصادية بعد 10 سنوات من رفعها. من جهته اعتبر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن قرار مجلس "يؤكد أن العالم لن يرضخ لتهديدات طهران وأنها ستحاسب"، مشيرًا إلى أن الرئيس دونالد ترامب "كان واضحًا بأن باب الدبلوماسية لا يزال مفتوحًا والوصول لاتفاق لا يزال الخيار الأفضل لشعب إيران".
واحتجاجًا على هذه التطوّرات، سارعت إيران إلى استدعاء السفراء في فرنسا وألمانيا وبريطانيا "للتشاور"، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي الإيراني وذلك بعدما هدّدت بخطوات تصعيدية، في وقت سابق، بحال تم إعادة فرض آلية "سناك باك". وكان الرئيس مسعود بزشكيان، كشف عن معارضة واشنطن اتفاقًا أوليًا مع "الترويكا" بشأن العقوبات، كما وصف مقترحًا أميركيًا تضمّن إعفاءً مؤقتًا لمدة ثلاثة أشهر مقابل تسليم كامل مخزون إيران من اليورانيوم المخصب، بأنه "غير مقبول بأي شكل من الأشكال". أما وزير الخارجية الايراني فعقب على فشل المساعي الدبلوماسية بالقول إن "الأميركيين خانوا الدبلوماسية، والأوروبيين قاموا بدفنها"، محذرًا من "عواقب وخيمة" قد تترتب على هذا القرار في المرحلة المقبلة. وبإنتظار ما ستؤول اليه الأمور التي تشي بمزيد من التراشق الكلامي والخطوات التصعيدية لاسيما أن الاتفاق النووي الذي تم إبرامه في عام 2015 بين ايران والقوى الكبرى بات يُنظر اليه بحكم "المنتهي" وغير القابل "للإنعاش" مجددًا.
المستجدات الايرانية على أهميتها وخطورتها تترافق مع دعم طهران المطلق لـ"حزب الله"، وهو ما دأب المسوؤلين عليه في الأيام القليلة الماضية وكرّره بوضوح الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني خلال زيارته بيروت للمشاركة في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الأمينَين العاميّن السابقين للحزب، حسن نصر الله وهاشم صفي الدين. إذ وصف لاريجاني "حزب الله" بأنه "حصن للشعب اللبناني"، عادّاً أن "المقاومة تمثل رأس مال للأمة الإسلامية، وأن الحزب يمثل سدًا منيعًا أمام إسرائيل". وبارك لاريجاني خطوة الانفتاح على المملكة العربية السعودية، والتي أعلن عنها الأمين العام للحزب نعيم قاسم، بعد سنوات طويلة من القطيعة والتصريحات الهجومية قائلًا "السعودية دولة شقيقة لنا". والترحيب الايراني هذا له سياقه وأسبابه خاصة أن العلاقات بين طهران والرياض شهدت تطورًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة بعد اختلال موازين القوى وحاجة ايران إلى "حلفاء جدد" في مواجهة التمدّد الاسرائيلي غير المسبوق.
ويؤدي الدفاع الايراني "المستميت" عن "حزب الله" إلى سجال داخلي لبناني خاصة أن رئيس الحكومة نواف سلام جدّد التأكيد على الثوابت اللبنانية والتي تقوم على أسس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. بينما حملت كلمة نعيم قاسم موقفًا ثابتًا لجهة رفض تسليم السلاح ومواجهته "كربلائيًا" ودعوة الحكومة للعودة عن قرارها "الخطيئة"، بما يؤكد أن البلاد أمام أيام صعبة ستشهد المزيد من الكباش على وقع استمرار الضربات والاعتداءات الاسرائيلية. ويحاول الحزب، الذي "تعافى جهاديًا"، بحسب قاسم، ان يعيد فرض أجندته على الساحة الداخلية بينما تتزايد الضغوط الممارسة على لبنان لتنفيذ قرار حصر السلاح وبسط الدولة سيطرتها على كامل أراضيها. وفي هذا السيّاق، برزت تصريحات الموفد الأميركي توم برّاك الذي تنصل من أن تكون "الولايات المتحدة الأميركية ضامنًا في اتفاق وقف إطلاق النار"، ملمحًا إلى ضرورة المفاوضات بين لبنان واسرائيل حين قال، في تصريحات تلفزيونية: "لبنان يقول إن إسرائيل لا تلتزم بالاتفاق المبرم بين الجانبين، وإسرائيل تقول نفس الشيء والمشكلة أنهما لا يتحاوران".
كلام برّاك يأتي بعد الدعوة التي وجهها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، من على منبر الأمم المتحدة، إلى الحكومة اللبنانية للدخول في مفاوضات مباشرة، معتبرًا أن "السلام مع بيروت أصبح ممكنًا، إذا واصلت العمل على نزع سلاح "حزب الله". وهذه الدعوة العلنية تضع لبنان أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما القبول بما هو معروض عليه، أو أن يبقى مسرحًا للانتهاكات والاغتيالات التي يمكن أن تزداد وتيرتها بظل "الغطرسة" الاسرائيلية التي تستمد قوتها من الضوء الأميركي الممنوح لها. والسيناريو المرسوم للبنان هو نفسه ما يتم تطبيقه في سوريا لجهة دفعها نحو ابرام اتفاق أمني بعد الشروع في مباحثات مباشرة أكثر من مرة، بهدف الحدّ من التعديات على البلاد وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل سقوط النظام السابق بينما اسرائيل لديها شروط تضعها على طاولة المباحثات وتتمسك بها وأهمها رفض العودة إلى اتفاقية عام 1974 وعدم التنازل عن قمة جبل الشيخ الاستراتيجية والمطالبة بمناطق منزوعة السلاح.
وفي حين لم يبصر الاتفاق بين دمشق وتل أبيب النور بعد لوجود العديد من النقاط الخلافية رغم المحاولات الاميركية الدؤوبة لإحداث خرق ما، تستمر "المحرقة" في غزّة حيث ارتكبت قوات الاحتلال مجزرتين أمس في حي الدرج بمدينة غزة وفي مخيم النصيرات مخلفة عددًا كبيرًا من الشهداء جلّهم من الأطفال والنساء. هذا في وقت يلفظ القطاع الصحي والاستشفائي أنفاسه الأخيرة نتيجة الضربات الاسرائيلية المتعمدة وعدم دخول المساعدات وغياب العلاجات الأساسية ما يعني المزيد من الخسائر البشرية. وبينما يعمل الفريق الطبي بشكل يفوق قدراته الاستعيابية، تستمر العملية العسكرية وسط توغل اسرائيلي في عدد من أحياء مدينة غزّة التي يواصل عدد كبير من سكانها الصمود في أرضهم بينما نزح الآلاف خلال الأسبوع الحالي نحو المناطق التي تدعي اسرائيل بأنها "آمنة" رغم أنها تقصفها من حين إلى آخر.
وتتكثف التظاهرات في مختلف عواصم العالم من أجل وقف حرب الابادة في غزة ومحاسبة اسرائيل على وحشيتها ووقف تسليحها، في وقت تتوجه الأنظار إلى اللقاء الذي سيجمع بين ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض غدًا، الاثنين. وهذا الاجتماع الثالث بينهما منذ تسلّم الرئيس "الأقوى" حكم البلاد، يتزامن مع الخطة التي كشف الاعلام الاسرائيلي عنها والتي تعمل عليها الادارة الأميركية لانهاء الحرب في غزة بعد أن ناقش الرئيس الأميركي بنودها مع 8 من القادة العرب والمسلمين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك. وضمن السيّاق عينه، قالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن من المتوقع أن يعرض ترامب جداول زمنية واضحة على نتنياهو خلال لقائهما المرتقب ويوضح أن الحرب يجب أن تنتهي. في حين نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر مطلعة، لم تكشف عنها، أن معظم عناصر الخطة المطروحة "مقبولة بل ومناسبة لإسرائيل".
إلى ذلك، تنص الخطة المُحكى عنها على 21 بندًا أبرزها إطلاق سراح الاسرى الاسرائيليين في غضون 48 ساعة مقابل انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من غزة، ولكن دون تحديد جدول زمني. وفيما تؤكد عدم وجود أي دور "لـ"حماس" في مستقبل القطاع، تنص على مستويين من الحكم المؤقت في غزة، وهما هيئة دولية شاملة ولجنة فلسطينية. وتشير الخطة ذاتها، التي نشرتها صحيفة الشرق الأوسط" بالتفصيل، إلى دور الأمم المتحدة في تقديم الدعم الإنساني، دون الإشارة إلى "مؤسسة غزة الإنسانية" التي لا يزال نتنياهو يتمسك بها، معتبرًا أن إيقاف عملها "خطيئة كبرى". وكانت "حماس" أكدت مجددًا انفتاحها على أي خطوة من شأنها إيقاف الحرب، معلنة مرارًا وتكرارًا عدم تمسكها بالحكم وإزاحة نفسها عن المشهد السياسي الراهن. وعليه، ستكون الساعات المقبلة حاسمة لمعرفة مدى انصياع نتنياهو للإدارة الأميركية التي، وبحسب القناة الـ13 الإسرائيلية، قررت تغيير مسارها تجاه الحرب في غزة.
وكان خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة شهد على العزلة المتزايدة التي تعيشها اسرائيل، حيث خطب أمام قاعة شبه خالية بعد انسحاب معظم الوفود فور صعوده المنبر لإلقاء كلمته التي حاول فيها بكل الطرق تبرير العمليات العسكرية ورفض "مزاعم" الإبادة كما شنّ هجومًا على الدول التي اعترفت بفلسطين. حتى وصل بصحيفة "هآرتس" إلى وصف خطابه بـ"المكرّر والفارغ من أي رسائل جديدة"، معتبرة أنه أثبت مجددًا "أنه لا يقدم أي جديد ولا يملك خطابًا للحوار مع العالم، بل يضع كل آماله وجهوده في اتجاه واحد: البيت الأبيض، في تبعية مطلقة لترامب". في غضون ذلك، تستعد سفن "أسطول الصمود" العالمي لمغادرة جزيرة كريت اليونانية باتجاه غزة خلال الساعات المقبلة، رغم تعرضها في الأيام الماضية لهجمات عديدة بمسيّرات اتهم القائمون على المبادرة إسرائيل بالوقوف خلفها.
على المقلب الدولي، حذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي من أن "أي عدوان على روسيا سيُقابل برّد حاسم"، مؤكدًا في الوقت نفسه استعداد بلاده للحوار حول ملفات دولية كبرى شرط احترام مصالحها الحيوية. وترتفع وتيرة التصعيد الذي يدخل المنطقة في أتون صراع جديد ذات تكاليف مرتفعة، فيما شدّد رئيس اللجنة العسكرية لحلف "الناتو" الأدميرال جوزيبي كافو دراغوني أيضًا على أن كل اختراق لحدود الحلف الجوية والبرية والبحرية سيقابل "بحزم ضد سلوكها (موسكو) المتهور"، موضحًا أن الرّد "يعتمد على حجم وشكل كل انتهاك تقوم به روسيا".
واليكم أبرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم في مقالاتها وتحليلاتها:
اعتبرت صحيفة "الأهرام" المصرية أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "قد يكون موجهًا بقدر كبير إلى الداخل الأوروبي، كخطوة لامتصاص الغضب الشعبي، أكثر من كونه التزامًا استراتيجيًا بتغيير قواعد اللعبة في مسألة الاحتلال الاسرائيلي ذاتها"، موضحة أن "الاعترافات ستظل عملًا شكليًا حتى تتوج بإجراءات عقابية تحد من بلطجة إدارة ترامب وإرهاب الصهاينة إذا أرادت الدول الغربية أن تجعل اعترافها خطوة مفصلية لا مجرد شعار، فعليها أن تتبعه بإجراءات ملموسة مثل عقوبات اقتصادية كحظر استيراد منتجات المستوطنات وفرض قيود على الشركات المتورطة والداعمة للاحتلال. وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي وتمكين المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق في جرائم الحرب".
صحيفة "عُمان" العُمانية، بدورها، نفت أن يكون "المشروع الصهيوني الذي يعمل على تسريع إعادة تشكيل الشرق الأوسط رغم كل الدعم الأمريكي الذي تجاوز حدود الحسابات الاقتصادية وخسارة الحلفاء وثقتهم قادر على النجاح"، لاسيما بعدما "انتقل إلى المراهنات التوراتية وأوهام سردياتها الصهيونية غير الواقعية". وقالت "العالم يتغيّر، ورغم أنّ التغيير الإيجابي ليس في صف الحلف الصهيوني الذي تقوده أمريكا، ولا في صف الدول العربية التي ما زالت تعاني من تصدعات حضارية عميقة، وإنما أقرب أن يصبَ في صالح المعسكر الصيني وحلفائه، أهمهم الروس، فالتنين الصيني يعمل بكل ثقل مع الاحتفاظ على سمته السياسي المتصف بالصمت والعمل الجاد"، بحسب تعبيرها.
وأشارت صحيفة "الغد" الأردنية إلى أن "حرب الإبادة في غزة كشفت عن كل المخططات التي كانت تتسرب المعلومات حولها سابقًا، لكننا اليوم نعبر مرحلة أصعب ستؤدي بالتأكيد إلى نشوب حرب ممتدة تحرق كل المنطقة". وخلصت للقول "حرب غزة ليست إلا بوابة لشأن اعظم بكثير، حتى يفهم بعضنا أن المشروع الإسرائيلي في الأساس ليس موجها نحو الفلسطينيين فرادى حيث إن فلسطين حجر الارتكاز في المشروع، وهذا المشروع يريد ما هو أكبر، وما نراه اليوم هو ثمن طبيعي لترك الفلسطينيين وحدهم عبر العقود السابقة، ليأتي الدور اليوم على البقية بما يعني أن أهل المنطقة عليهم أن يستيقظوا من وهم الحصانة".
من جانبها، تساءلت صحيفة " الصباح" العراقية إذا ما كانت تصريحات المرشد الايراني علي خامنئي في 23 أيلول/ سبتمبر الجاري بعدم جدوی المفاوضات مع واشنطن راهنًا؛ هي فعلا اسدال الستار علی هذه المفاوضات والتوجه نحو ادارة البلاد في ظل عقوبات اقتصادية صادرة عن وزارة الخزانة الامريكية، إضافة إلى العقوبات المفعلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي؟"، معتبرة أنه بظل الاجواء الراهنة حاليًا "لا يسود الاعتقاد بإمكانية استئناف المفاوضات بين واشنطن وطهران علی القواعد السابقة، خصوصًا أن كيان الاحتلال الذي لديه اليد الطولی علی البيت الابيض لا يريد بأي حال من الأحوال أي نوع من المفاوضات ما دامت لا تؤمن "الأمن الإسرائيلي".