صحافة

سيف الطاقة الأميركي يُطوّق روسيا وإيران والهند

يوسف بدر

المشاركة
سيف الطاقة الأميركي يُطوّق روسيا وإيران والهند

انتقلت سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من حرب الرسوم الجمركية إلى معركة جديدة تدور في ميدان الطاقة. ترامب الذي يسعى لترسيخ الهيمنة الاقتصادية لبلاده، لم يعد يكتفي بفرض تعريفات جمركية أو إبرام صفقات تجارية، بل وضع نصب عينيه سوق الطاقة بوصفها سلاحاً استراتيجياً لإخضاع الخصوم وجرّ الحلفاء إلى مسار يخدم المصالح الأميركية. وغايته منع قوى اقتصادية صاعدة مثل الصين، أو تحالفات مثل بريكس وشنغهاي، من بلوغ مستوى يوازي الاقتصاد الأميركي.

تجلّى ذلك في تصريحات وزير الطاقة الأميركي كريس رايت الذي دعا أوروبا إلى استبدال منتجات أميركية بوارداتها من الغاز والنفط الروسيين، في خطوة تتجاوز فكرة عقاب موسكو على استمرار حربها في أوكرانيا. فهذه الدعوة جاءت بينما كانت المُسيّرات الأوكرانية تضرب مصافي النفط الروسية، مسبّبة تعطيل نحو 20% من طاقة التكرير، ما يعني أن ترامب أيضاً يستثمر في هذه الحرب لمصلحته. وبالتوازي، عمدت واشنطن إلى التضييق على ميناء تشابهار الإيراني بإلغاء الإعفاءات الممنوحة له من العقوبات، وهدفها الضغط على الهند لخفض اعتمادها على النفط الروسي، ولإرباك القوى الاقتصادية المستفيدة من هذا الميناء.

وفي لقائه الأخير مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يتردد ترامب في تسليط سلاح الطاقة مباشرةً، عندما ربط رفع العقوبات والسماح لتركيا بالحصول على مقاتلات إف-35 بوقف استيرادها النفط الروسي. ورغم التوتر الناتج من تصريحات أردوغان الذي انتقد فشل ترامب في وقف الحروب في غزة وأوكرانيا، تظل الحسابات الأميركية اقتصادية بالدرجة الأولى. فقد انخفضت بالفعل واردات تركيا من الخام الروسي، بعدما كانت ثالث أكبر مشترٍ له وتعتمد على غاز روسيا لتغطية نصف احتياجاتها، مقابل التوجّه نحو الغاز المسال الأميركي والسعي لإحياء المشاريع النووية بمساعدة واشنطن بعد تعطيل محطة "أكويو" النووية إثر مصادرة ملياري دولار من الأموال الروسية المخصّصة لهذا المشروع.

أيضاً، ليس مصادفةً أن يتم في هذا التوقيت، حلّ الخلاف النفطي بين بغداد وكردستان ويُستأنف التصدير إلى تركيا بعد انقطاع دام أكثر من عامين، ما يعكس إمساك واشنطن بخيوط سوق الطاقة بما يخدم مصالحها. الهند بدورها لم تكن بعيدة عن هذه المعادلة. فهي أكبر مشترٍ للنفط الروسي المنقول بحراً، لكن واشنطن لوّحت لها بخفض الرسوم الجمركية على صادراتها إذا خفضت وارداتها من الخام الروسي. واللافت أن واشنطن تغاضت عن عودة نيودلهي لشراء النفط والبتروكيماويات من إيران خلال عام 2025 بعد توقف استمر منذ 2018، وهو ما يُفسَّر بأنه جزء من خطة لاستبدال النفط الروسي تدريجاً. وقد جاءت تصريحات وزير التجارة الهندي بيوش جويال، التي أشار فيها إلى رغبة بلاده في زيادة مشترياتها من النفط والغاز الأميركيين، كإشارة صريحة إلى أن الهند استوعبت الرسالة الأميركية.

ورغم التحوّلات العالمية نحو الطاقة النظيفة، وصف ترامب تغيّر المناخ في الأمم المتحدة بأنه "الخدعة الكبرى". ومنذ عودته إلى البيت الأبيض عام 2024، رفع شعاره الشهير "احفر، احفر فقط"، ليؤكد أن النفط والغاز، بجانب العناصر النادرة، في قلب استراتيجيته الاقتصادية. وهذا جزء من إدارة سياسته نحو دول مثل ليبيا وإيران وباكستان وآسيا الوسطى.

في النهاية، تبدو لعبة ترامب في سوق الطاقة ذات أبعاد مزدوجة؛ فمن جهة يسعى إلى تطويق خصومه عبر العقوبات، ومن جهة أخرى يعيد توجيه حلفائه لشراء الطاقة الأميركية ولو بكلفة أعلى. وقد لخّص المتحدث باسم الكرملين بيسكوف هذا المشهد بقوله: "ترامب رجل أعمال، يريد إجبار العالم كله على شراء النفط والغاز الأميركيين".

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن