صحافة

"المشهد اليوم"... خطة ترامب بإنتظار ردّ "حماس" ونتنياهو يعتذر من قطرالتصعيد العسكري الاسرائيلي يتصاعد في مدينة غزّة وعملية تركية سورية مشتركة ضد "داعش"

الصورة الأولى التي تظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال اتصال من البيت الأبيض اعتذر فيه من نظيره القطري عن القصف الإسرائيلي للدوحة (القناة 12 الإسرائيلية)

خطف البيت الأبيض الأضواء مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسميًا عن خطته لإنهاء الحرب في غزة التي وافق عليها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي بدا "مسلوب الإرادة" وراضخًا لقرارات واشنطن التي أجبرته على تقديم الاعتذار لقطر بسبب الضربة التي استهدفت قادة "حماس" في الدوحة، متعهدًا في إتصال اجراه برئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بعدم تكرار ذلك في المستقبل. وهذه الخطوة تأتي بعدما أصرت الدوحة على أن يبادر نتنياهو بالاعتذار كشرطًا لاستمرار مشاركتها في مفاوضات وقف النار، بحسب ما أفادت به "هيئة البث الاسرائيلية" فيما وصفت وسائل اعلام عبرية نتنياهو بـ"رجل الاخفاقات والاعتذارات".

وهذه ليست المرة الأولى التي يقدم الأخير اعتذاراته على "طيش" و"تهور" تصرفاته فسبق أن قدم الاعتذار لتركيا عند مهاجمة أسطول الحرية في العام 2010 كما اعتذر لملك الأردن الحسين بن طلال في العام 1997 عن محاولة اغتيال القيادي في حركة "حماس" خالد مشعل في عمّان. وبذلك يمكن القول إن الصفحة التي فجرت غضب دول الخليج العربي، تحديدًا، قد تم طويها أو على أقل تقدير تحجيم الخسائر، خاصة أن ترامب يدرك اهمية "الحلفاء" العرب ودورهم الأساسي في عدة ملفات، ومن بينها الملف الفلسطيني بعد تشاوره مع القادة العرب والمسلمين بشأن خطة غزّة قبل اللقاء مع نتنياهو الذي أكد أمس دعمه وتأييده للرؤية الأميركية، بينما بدت حركة "حماس" شبه مُغيبة عن المشهد بعدما تسلمت نص المبادرة عقب الكشف عن تفاصيلها والاعلان عنها إعلاميًا مما يضعها أمام موقف حرج وفي غاية الصعوبة، لأن رفضها سيعني استمرار الحرب الوحشية إلى ما لا نهاية.

وهكذا وضع ترامب ونتنياهو الكرة في ملعب الحركة التي وعدت بدراستها "بمسؤولية"، فيما بدا نص الخطة متوافقًا إلى حد كبير مع مطالب تل أبيب ولم يعالج جوهر الأزمة وتداعياتها في ظل حرب الابادة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة والتهجير في الضفة الغربية. وبحسب ما ورد في النص الرسمي للخطة التي نشرها البيت الأبيض كاملة، سيتم إطلاق حوار بين إسرائيل والفلسطينيين للتوصل إلى أفق سياسي يضمن تعايشًا سلميًا ومزدهرًا، مع تأكيد أن إسرائيل لن تحتل قطاع غزة أو تضمها، ولن يُجبر أي طرف على مغادرتها. وتشمل المبادرة أيضًا تعليق جميع العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع، بما فيها القصف الجوي والمدفعي، مدة 72 ساعة من لحظة إعلان إسرائيل قبولها العلني بالاتفاق، يطلق فيها سراح جميع الأسرى الأحياء وتسليم رفات القتلى. فيما ستفرج إسرائيل، بعد استكمال عملية إطلاق الرهائن، عن 250 سجينًا محكومًا بالمؤبد إضافة إلى 1700 معتقل من سكان غزة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر2023.

كما تتعهد الخطة عينها بإدخال المساعدات بشكل كامل وفوري إلى القطاع عند القبول بالاتفاق عبر الأمم المتحدة ووكالاتها والهلال الأحمر، في حين سيتم تنفيذ البنود، بما فيها توسيع نطاق المساعدات، في المناطق التي يصفها الاتفاق بـ"الخالية من الإرهاب" إذا تأخرت حركة "حماس" أو رفضت المقترح. وفي الحديث الصحفي بعد انتهاء اللقاء مع نتنياهو، كشف الرئيس الأميركي عن أن الخطة المقترحة تدعو لتأسيس هيئة دولية إشرافية جديدة على قطاع غزة باسم "مجلس السلام"، وقال "سأترأس شخصيًا هذا المجلس بمشاركة توني بلير"، موضحا أن غاية المجلس ستكون تشكيل حكومة في غزة بمشاركة فلسطينيين وغيرهم، و"حماس" لن تكون جزءًا منه، مثنيًا على "كرم" الاسرائيليين بالتخلي عن غزة، كما وصف نتنياهو بأنه "محارب وإسرائيل محظوظة بوجوده لكن الشعب يريد السلام والتطبيع". أما رئيس الوزراء الاسرائيلي فجدّد الحديث عن "الصديق الأعظم في البيت الأبيض"، معتبرًا أن رؤية ترامب ساهمت في "تغيير العالم إلى الأفضل". ورأى أن الخطة المعروضة "ستشكل بداية جديدة للمنطقة"، مقدرًا خلوها من أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة قبل ما أسماه "استيفائها عددًا من الشروط".

ومع إعلان ترامب الذي وصفه بـ"اليوم التاريخي للسلام في الشرق الأوسط"، سارعت العديد من الدول الأجنبية إلى الترحيب بالخطة واعتبارها خطوة متقدمة على طريق انهاء الحرب فيما أعلن وزراء خارجية السعودية والأردن والإمارات ومصر وقطر إلى جانب دول عربية وإسلامية أخرى في بيان مشترك عن استعدادهم للتعاون الإيجابي مع الولايات المتحدة والأطراف المعنية من أجل إتمام الاتفاق وضمان تنفيذه. حتى أن السلطة الفلسطينية التي تم استبعادها عن مشهد "اليوم التالي" أبدت ترحيبها بالجهود الأميركية والعربية المبذولة لوقف "حرب الإبادة" مقدرة موقف ترامب. وحده الأمين العام لـ"حركة الجهاد الإسلامي" في فلسطين، زياد النخالة، بدا متشائمًا إذ اعتبر أن الخطة تمثل "وصفة لتفجير المنطقة"، وأضاف "إسرائيل تحاول من خلالها فرض ما لم تستطع تحقيقه بالحرب". هذا وتابع الشارع الفلسطيني تفاصيل المؤتمر على وقع التصعيد الاسرائيلي العسكري وسط توغل متقدم لقوات الاحتلال التي باتت على بُعد مئات الأمتار من "مستشفى الشفاء" الذي يقع على أطراف حي الرمال غربي مدينة غزة، بحسب "رويترز" وسط معلومات عن اشتباكات عنيفة تجري على أكثر من محور.

من جهتها، أقرت القوات الإسرائيلية بإصابة 5 من عناصرها بجروح خطيرة أمس الاثنين في مدينة غزة وذلك بعدما تسلل مسلحين فلسطينيين إلى موقع للكتيبة التابعة للواء كفير وقاموا بتركيب عبوتين على دبابة، بحسب بيان الاحتلال، الذي أشار أيضًا إلى وقوع اشتباك آخر منفصل. في غضون ذلك، أشار المستشار الإعلامي لوكالة "الأونروا" عدنان أبو حسنة، في مقابلة تلفزيونية، إلى أن "هناك نحو نصف مليون فلسطيني في مدينة غزة محاصرين في مساحة لا تتجاوز 8 كيلومترات مربعة"، مؤكدًا أن المدينة "تعيش انهيارًا كبيرًا في منظومة العمل الإنساني"، محذرًا من أن الوقود سينفد خلال 48 ساعة. أما اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في السلطة الفلسطينية فقد فندت زيف ما ورد في خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي من اتهامات للفلسطينيين المسلمين بأنهم تسببوا في هجرة المسيحيين، وأن تل أبيب هي التي تحمي المسيحيين. وجزمت في بيان رسمي بأن "إسرائيل دمرت الوجود المسيحي بفلسطين، وتواصل قصف الكنائس ومؤسساتها في حرب الإبادة بقطاع غزة".

"العرض" الأميركي الذي استحوذ على اهتمام العالم بشأن "صفقة غزّة"، يترافق مع استمرار الانتهاكات الاسرائيلية للأراضي اللبنانية وسط مخاوف من احتمالات زيادة منسوب التصعيد العسكري بعد تنصل واشنطن من اعتبار نفسها شريكًا ضامنًا لاتفاق وقف النار. ونفذت قوات الاحتلال غارات أدت إلى مقتل شخصين بعدما استهدفت حفارة في بلدة سحمر البقاعية شرق لبنان وصهريجاً لنقل المياه على طريق بلدة النبطية الفوقا. تزامنًا، شدّدت قوات "اليونيفيل"، في بيان، على "أن استمرار وجود القوات الإسرائيلية في جنوب البلاد يحول دون الانتشار الكامل للجيش اللبناني في المنطقة. وكانت الـ"اليونيفيل" قد أعلنت، في وقت سابق هذا الشهر، إنها ساعدت الجيش اللبناني على الانتشار في أكثر من 120 موقعًا جنوبي البلاد؛ مما يعزّز سلطة الدولة وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي 1701.

وهذه الاوضاع المتشجنة تنعكس على الحكومة التي تعيش مخاضًا سياسيًا جديدًا برز بعد تطيير نصاب الجسلة النيابية التي عقدت أمس، الاثنين، على خلفية قانون الانتخاب وخصوصًا ما يتعلق بتصويت المغتربين. وأمام هذه السجالات المحتدمة إلى جانب الواقع المستجد، يحاول لبنان لملمة تداعيات أحداث صخرة الروشة والتصريحات العالية السقف التي صدرت عن الامين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم خصوصًا في ما يتعلق برفض نزع السلاح والتوعد بمعركة "كربلائية" للدفاع عنه وحمايته بدعم ايراني واضح المعالم. بدوره، علّق الرئيس جوزاف عون خلال استقباله وفد الجامعة العربية المفتوحة على مجمل الأحداث الجارية في البلاد بالتأكيد بأن "لبنان يمرّ بمرحلة دقيقة تتطلب مقاربات مسؤولة وواقعية للمشاكل التي تعترضه بعيدًا عن المزايدات والحسابات الانتخابية؛ لأن مصلحة البلاد العليا تسمو على أي مصالح أخرى"، مشيدًا بدور القوى الأمنية والجيش الذي رفض التصويب عليهما "لأنهما خط أحمر".

في المشهد السوري، تمكنت قوات الأمن التركية بالتنسيق مع جهاز الأمن الداخلي السوري من القضاء على خلية تابعة لتنظيم "داعش"، بعملية مشتركة نُفذت في مدينة أطمة بريف محافظة إدلب شمال البلاد. وتُعدّ هذه أول عملية منسقة بين المخابرات وقوات الأمن التركية والسورية منذ إعلان وزارة الدفاع التركية في آب/ أغسطس الماضي عن إنشاء مركز عمليات مشترك ضد التنظيم الارهابي. تزامنًا، ذكر تقرير إعلامي بأن "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، نفّذت حملة اعتقالات واسعة في مدينة الرقة، وذلك بهدف التجنيد الإجباري. وتركزت عمليات الاعتقال عند الحواجز المنتشرة على مداخل المدينة، وفي أسواقها وشوارعها، وسط انتشار كثيف لدوريات "قسد" المدججة بالعناصر والمدرعات. هذا الوضع الداخلي المعقد يزيد من الأعباء الملقاة على عاتق الحكومة التي تسعى إلى إستعادة الاستقرار وضبط الأمن بظل تفشي السلاح وكثرة مشاريع التقسيم والمطالبات بالحكم الذاتي.

ومن سوريا إلى إيران التي تدرس الرّد على إعادة فرض العقوبات الأممية عليها في حين دعت القوى الأوروبية أمس طهران وجميع الدول، إلى الامتثال الكامل لقرارات الأمم المتحدة، بعد تعثر الجهود الدبلوماسية لحل البرنامج النووي الإيراني. وأوضحت دول "الترويكا" الثلاثة (ألمانيا، بريطانيا وفرنسا)، في بيان مشترك، أنها ستواصل المسار الدبلوماسي والمفاوضات، مجددة دعوتها لإيران بتجنب الإجراءات التصعيدية والامتثال لمعاهدة حظر الانتشار النووي. من جانبها، أعلنت اليابان استئناف العقوبات وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني يوشيماسا هاياشي "القضية الآن في مفترق طرق"، مشددًا على أهمية ألا تضيع فرص الحوار.

هنا نورد أبرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم في مقالاتها وتحليلاتها:

كتبت صحيفة "الوطن" القطرية "تتسارع في كواليس العواصم الغربية مسودات "خطة ما بعد الحرب على غزة" التي يُروَّج لها كحلٍّ إنساني وإداري، لكن جوهرها ليس إلا إعادة إنتاج وصاية قديمة بوجه جديد. حتى اللحظة، الخطة نفسها مشروطة بقبول اليمين الإسرائيلي المتطرّف الذي يعلن صراحة رفضه لأي سيادة فلسطينية". وأضافت "حتى الآن، ما تسرّب من الخطة يكشف ملامح "إدارة انتقالية" بإشراف دولي يقودها بلير أو شخصية شبيهة، مع وعود بإعادة الإعمار، إقامة مناطق صناعية، جذب استثمارات، تطوير بنية تحتية، وتحويل غزة إلى نموذج اقتصادي جديد. لكن اللافت غياب جدول زمني واضح لتسليم السلطة للفلسطينيين، وعدم وجود ضمانات لحقوق الإنسان أو مشاركة سياسية حقيقية. والأخطر أن ما يرشح من التفاصيل يُظهر أن الأمر يُدار بعقلية "هيكلية شركة" لا عقلية "بناء دولة".

صحيفة "الغد" الأردنية، علّقت على كلام الموفد الأميركي توم برّاك ورأت "أنه انطوى على إهانة بالغة لتجربة العالم العربي منذ الاستقلال قبل عقود طويلة وحتى يومنا هذا". إلا انها اعتبرت أنه "لم يجاف الحقيقة في كل ما قاله. ربما مبعث صدمتنا كعرب أنه قدم صورة كاشفة، لحال الدولة الوطنية في عالمنا العربي، التي أخفقت في معظم دولنا العربية، في الانتقال بالمجتمعات من مرحلة ما قبل الدولة إلى مستوى الأنظمة الحديثة، التي تخطتها أغلبية الدول في العالم". وتابعت "الولاءات البدائية التي تحدث عنها براك، هي التي قفزت للسطح مجددا. لكن ما لم يقله ، هو مدى تورط القوى الكبرى التي رسمت الحدود وانتجت الكيانات فيما وصلنا إليه".

من جهتها، رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "هناك تحوّلات سياسية حقيقية في البيئة الحاضنة لهذا الكيان الاسرائيلي المنبوذ، الذي كشفته هذه الحرب المجنونة، التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة. هذا العدوان، الذي يُشن على الفلسطينيين في غزة، ويقض مضجع الأمن والسلام في طول الشرق الأوسط وعرضه، وصولاً إلى الشمال الأفريقي (العربي)"، مشددة على أن "إسرائيل دولة منبوذة، كمن أُُصيب بالجرب.. أو تفشى فيه الطاعون أو انتشرت فيه جائحة كرونا، لا يرغب ولا يريد أيُّ أحدٍ الاقتراب منها أو اللقاء بها، أو التطبيع معها. دولة منبوذة، يلفظها النظام الدولي بمؤسساته وسلوكياته وقيمه وقوانينه".

أما صحيفة "الوطن" البحرينية، فلفتت إلى أن "كلمة نتنياهو في الأمم المتحدة، تؤكد فقده لمكانته في الأوساط الإسرائيلية، وهو ما قد يعجل بسقوطه في انتخابات 2026، رغم محاولاته المستميتة تلميع صورته أمام الرأي العام المحلي، ولكنه فشل محليًا كما بالتأكيد فشل خارجيًا، وأثبتت أن سياسته وأساليب إدارته لأزمات بلاده لم يجانبها صواب أبدًا، بل إنه يحرج برعونته حلفاء بلاده، ويجعلهم تحت ضغط كبير".  وخلصت إلى أن "ما جاء في كلمته التي ألقاها في قاعة شبه فارغة في الأمم المتحدة، ما هو إلا دليل على عدم رضا الأسرة الدولية عن إرهابه في فلسطين وغزة والمنطقة عمومًا".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن