صحافة

ترامب ناطقاً رسمياً باسم نتنياهو

راغب جابر

المشاركة
ترامب ناطقاً رسمياً باسم نتنياهو

لم يحتج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الكثير من الكلام أمام الصحافيين بعد اجتماعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الاثنين الماضي. تولى ترامب المهمة عنه وكان إسرائيلياً أكثر منه، ويبدو أن كلام الرجلين بعد الاجتماع بساعة أو ساعتين جاء منسقاً بينهما وبين فريقي عملهما في اتفاق على تبادل الأدوار تولى فيه ترامب دور محامي نتنياهو والناطق باسمه.

حمل ترامب عصا نتنياهو من رأسها معلناً للقريب والبعيد أن حروب إسرائيل السبع كرست انتصارها وما على المهزومين إلا الانصياع لمنطق القوة. وما على العالم كله إلا الاعتراف بذلك والتعامل معه، طوعاً أو قسراً. قال ترامب كل ما كان نتنياهو قاله وسيقوله: "حماس" حركة إرهابية يجب القضاء عليها نهائياً، إسرائيل تدافع عن نفسها وعن بقائها، وداعاً لقيام دولة فلسطينية، إسرائيل محمية أميركية، لا سلام إلا وفق ما تريده إسرائيل يقضي على كل مقاومة حالية ومستقبلية، غزة لن تعود كما كانت، على العرب تمويل إعمار غزة تحت سلطة الحاكم الجديد صاحب الدور المشبوه في تدمير العراق بحجة وجود مشروع تسلح نووي رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير....

بدا نتنياهو كالحمل الوديع إلى جانب ترامب الذي غلف خطابه الحاد مضموناً والإنساني شكلاً بطريقة إلقاء هادئة و"ناعمة" مكثراً من ترداد عبارات عن طيبة نتنياهو وبلير و"كرم" إسرائيل في قبول خطته لوقف الحرب في غزة. كان المشهد والخطابان مدروسين ومعدين بشكل متقن. صقران يتحدثان عن السلام كحمامتين، حتى تكاد المسكنة تطغى على حضورهما. شخصيتان تسعيان إلى السلام في مواجهة "حركة إرهابية" تدعمها "أطراف شريرة".

إخراج مشهدي محترف لمناسبة كبرى يمكن اختصارها ببضع كلمات هي تهديد واضح: هذا ما اتفق عليه ترامب ونتنياهو وعليكم قبوله وإلّا. هذه الإلّا تقول لـ"حماس" ألقي السلاح واخرجي من غزة. لا خيار آخر ولا مفاوضة. الصفقة لا تقبل المناقشة ولا فرصة لذلك. وتقول للبنانيين والسوريين، وحتى للإيرانيين انتظرونا.

في ساعة واحدة أخرج ترامب صديقه المأزوم من عنق الزجاجة، لا شك في أنه مارس ضغطاً عليه لقبول خطة وقف الحرب، لكنه قدم له تعويضاً مجزياً. كان نتنياهو الشخص الأكثر عزلة في العالم هو ودولته. مجرم حرب ملاحق من محكمة الجنايات الدولية ومدان في محكمة العدل. العالم كله نبذه، حتى حلفاؤه التقليديون في دول الغرب حيث تتوالى الدول في الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتعم التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في مدن العالم وتضج وسائل الاعلام ومواقع التواصل بأخبار المجازر اليومية وصور الاطفال المذبوحين والجائعين.

في لحظة قلب ترامب الصورة، أمّن لخطته دعماً عالمياً واسعاً ووضع مستشاروه بنودها بعناية ورسموا الإخراج بدقة والنتيجة: ترامب بطل سلام ونتنياهو "رجل طيب" (كما وصفه ترامب) يستجيب لرغبات العالم في السلام ويقدم تنازلات رغم معارضة داخلية من متطرفي حكومته وبعض جنرالات الجيش. رمى ترامب القنبلة في مرمى "حماس"، وبشكل ما في مرمى الدول العربية والإسلامية التي عليها أن تقنع الحركة بقبول الخطة كما صاغها من دون أي اعتراض. لم يترك لها فرصة طويلة. ربما كان نتنياهو يضحك في سره، فإذا قبلت "حماس" الخطة تخلص منها من دون تكلفة استمرار الحرب، واذا لم تقبل سيكمل المهمة أيا كانت التعقيدات وسينهيها بالشكل الذي يريده محملاً قيادة الحركة مسؤولية عدم التقاط فرصة النجاة.

ابتهج العالم بخطة ترامب، تخلص من عبء معارضته لنتنياهو وحربه الوحشية على غزة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان قاد حملة ضغط على نتنياهو تحت عنوان الاعتراف بالدولة الفلسطينية أن على "حماس" قبول الخطة فوراً محملاً إياها مسؤولية استمرار الحرب إذا رفضتها...ومثله فعلت دول أخرى كثيرة. ستضع الحرب أوزارها بعدما غيرت الشرق الأوسط ورسمت ملامحه لفترة طويلة قادمة، وستبقى صورة ترامب ونتنياهو وهما يعلنان خطة سلامهما معلماً بارزاً في فن إدارة الرأي العام والتلاعب به.

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن