صحافة

"المشهد اليوم"...وقف النار يدخل حيّز التنفيذ وترامب يزور الشرق الأوسطالشيباني في بيروت بأول زيارة رسمية سورية وموسكو على خط "الغليان" الايراني - الاسرائيلي

إسرائيلية ترفع لافتة شكر للرئيس الأميركي دونالد ترامب في ساحة الرهائن بتل أبيب (أ ف ب)

دخل اتفاق وقف النار حيّز التنفيذ فجر اليوم بعد أن صدّقت الحكومة الإسرائيلية رسميًا على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة. فبعد 735 يومًا من الحرب سيستطيع سكان القطاع الاعلان عن نجاتهم من المذبحة اليومية التي كانت تجري على مرأى ومسمع من العالم أجمع. وهذا ما يبشر بأن مرحلة جديدة ستطل من بين ركام المنازل والأبنية التي سوتها قوات الاحتلال في الأرض، ما يعني أن المرحلة الأولى التي جرى الاتفاق عليها بين وفدي "حماس" واسرائيل في مفاوضات شرم الشيخ المصرية برعاية أميركية وتركية وقطرية إلى جانب الدور المصري سيبدأ العمل بها، ومن أهم بنودها إطلاق سراح كافة الرهائن الأحياء والأموات خلال 72 ساعة من التوقيع على الصفقة مقابل اطلاق سراح 1950 أسيرًا فلسطينيًا، 250 منهم من أصحاب المحكوميات العالية إلى جانب ادخال المساعدات الانسانية وفتح معبر رفح بالاتجاهين.

وهذه المفاوضات التي ستكون أمام اختبار مدى جدية اسرائيل في الالتزام بالخطة أمامها ملفات معقدة وشائكة تم ترحيلها إلى ما بعد اتمام المرحلة الاولى، لاسيما أنها تتناول مستقبل القطاع ومصير حركة "حماس" وسلاحها وصولًا إلى خطط الانسحاب الاسرائيلي الكامل من القطاع والتي لا تزال غير واضحة ويعتريها الكثير من الغموض. وتفاوض تل أبيب من موقع "المنتصر" وتتمسك بسقف عالي جدًا بينما تحاول الحركة الحصول على بعض المكاسب مع تأكيد عدم مشاركتها في "اليوم التالي". في وقت تراهن السلطة الفلسطينية على دور أكبر في مرحلة ما بعد الحرب وتعوّل على الدعم العربي لضمان مكانتها على الرغم من الاعتراضات الإسرائيلية وتهميشها من قبل الخطة الأميركية الحالية وربط اي تواجد لها بسلسلة من الاصلاحات. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعلن بالفعل التزامه بالتصدي للفساد وإجراء الانتخابات وغيرها من المطالب التي تصرّ عليها الدول الغربية.

في الأثناء، حاول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تلميع صورته وتسويق ما أسماه بـ"الانجازات"، مشددًا على أن "إسرائيل في خضم تطور حاسم...وأن هذا التقدم لم يكن ليتحقق لولا "المساعدة الاستثنائية" التي قدمها الرئيس ترامب وفريقه". في وقت ستتوجه الانظار إلى القطاع الذي من المفترض أن يشهد انسحابًا اسرائيليًا وإعادة لتموضع القوات خلال 24 ساعة من موافقة الحكومة الاسرائيلية وفق خريطة تم الاتفاق عليها مسبقًا، وتضمن خروج الاحتلال من المناطق المكتظة سكنيًا وفق ما يُسمى بـ"الخط الأصفر". بدوره، أكد رئيس "حماس" في قطاع غزة خليل الحية "أن الحركة تعاملت بمسؤولية عالية مع الخطة الأميركية"، واضعًا ردها في إطار "تحقيق مصلحة الشعب الفلسطيني وحقن الدماء". وقال إن الطرف الفلسطيني المفاوض تسلم ضمانات من الوسطاء ومن الإدارة الأميركية، وإن جميع هذه الأطراف أكدت أن الحرب انتهت "بشكل تام". ويصب تصريح وزير الخارجية الاسرائيلية جدعون ساعر، في هذا الإطار، حيث لفت إلى أن "تل أبيب لا تعتزم استئناف الحرب"، مشددًا على الالتزام الكامل بخطة ترامب كإطار لإنهاء القتال والتوصل إلى اتفاق طويل الأمد.

هذا وسارعت مختلف الدول العربية والأجنبية للاعلان عن ترحيبها بالاتفاق والإشادة بدور الرئيس ترامب، حتى ان بعضهم ذهب به الأمر إلى ترشيحه واعتباره الأجدر بالحصول على "جائزة نوبل للسلام". والجائزة التي يأمل ترامب بالحصول عليها، وهو الذي يعتبر نفسه "عرابًا للسلام" في المنطقة بعدما جدد في أكثر من تصريح بأنه ساهم في إنهاء 7 حروب، ستقوده في نهاية المطاف إلى زيارة "استثنائية" إلى الشرق الأوسط، حيث أعلن بأنه سيشارك في مراسم توقيع الاتفاق رسميًا في مصر. كما ذكر بأن حركة "حماس" فقدت نحو 70 ألف شخص خلال الحرب، مشددًا على أن "هذه الحرب ينبغي أن تتوقف". وقال إن "غزة سيعاد إعمارها، وإن دولا عدة ستقدم مساعدات مالية كبيرة من اجل تحقيق ذلك". وهذا الملف الحيوي والأساسي سيكون عنوان المرحلة المقبلة خاصة أن قوات الاحتلال دمرت أكثر من 90% من القطاع ما يحتاج إلى أموال واستثمارات ضخمة وإعادة السكان رويدًا رويدًا مع قرب فصل الشتاء ما يضيف من معاناة سكان القطاع، الذين هللوا أمس لوقف الحرب وخرجوا إلى الشوارع معلنين عن فرحة وغصة في الوقت عينه.

وضمن هذا السياق، قدرت "منظمة الصحة العالمية"، تكاليف إعادة إعمار القطاع الصحي في قطاع غزة بأكثر من 7 مليارات دولار، مشيرة على لسان مديرتها الاقليمية للشرق الأوسط حنان بلخي إلى أن "الخطوة الأولى ستكون إعادة تشغيل المستشفيات وفي الوقت نفسه مواجهة الجوع وسوء التغذية". إلى ذلك، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الخميس، "إن الساعات المقبلة ستكون حاسمة في ترسيخ السلام في قطاع غزة". وكلام الأخير جاء خلال استضافة باريس اجتماعًا لوزراء خارجية دول غربية وعربية لمناقشة تشكيل قوة دولية لحفظ السلام والمساعدة في إعادة إعمار غزة بمجرد توقف القتال. فيما بدا ماكرون اضحًا لجهة رفض خطط الاستيطان التي تقوم بها اسرائيل في الضفة الغربية المحتلة معتبرًا أنها "تشكل تهديدًا وجوديًا لدولة فلسطينية" كما "تؤجج التوترات والعنف وتتناقض مع الخطة الأميركية وطموحنا في منطقة تنعم بالسلام".

إنسانيًا، من المتوقع أن تبدأ فورًا عملية ادخال المساعدات التي حددت بـ400 شاحنة يوميًا ما أسهم في انحفاض حاد في أسعار السلع الموجودة في القطاع. في وقت أفادت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن "مؤسسة غزة الإنسانية"، المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، تستعد لإقامة موقع جديد لتوزيع المساعدات في شمال القطاع. ونقلت الصحيفة عن مصدر مُطّلع على عمليات المؤسسة قوله إنه لم يُطلب من العاملين بها تقليص خدماتهم، و"أنه حتى في حال تفكيك المؤسسة، فإن عمليات التوزيع التي تقوم بها الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى ستستغرق بعض الوقت حتى تستعيد زخمها، نظرًا لتدمير العديد من منشآتها في غزة". وكان الجانب الفلسطيني رفض ان تتولى المؤسسة عملية توزيع المساعدات التي أراد حصرها بالمؤسسات الدولية السابقة لضمان وصولها لمستحقيها وشفافية التوزيع بعيدًا عن الكيدية الاسرائيلية والقتل الممنهج الذي استهدف في السابق طوابير المجوعين وخلف عشرات الضحايا والجرحى.

ومع بزوغ "فجر" جديد إثر تصديق الحكومة الاسرائيلية على الخطة الأميركية بوجود كل من المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف وصهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، في خطوة فسرّت بأنها إشارة دعم مباشرة من واشنطن لنتنياهو في مواجهة وزرائه "اليمينيين" الذين يعارضون اتفاق وقف النار وسبق أن أعلنوا مواجهتهم لمثل هكذا قرار، ستكون الساعات المقبلة اختبارًا ميدانيًا لوقف اطلاق النار الذي استمر حتى اللحظة الأخيرة. وارتكبت قوات الاحتلال مجزرة قبل ساعات من دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، إذ دمرت منزلًا على رؤوس ساكنيه بحي الصبرة جنوبي مدينة غزة ما ادى إلى استشهاد 4 اشخاص وفقدان 40 آخرين. وستتكشف الحصيلة النهائية للشهداء في المرحلة التالية لاسيما أن هناك أعدادًا كبيرة من المفقودين الذين طمروا تحت ركام منازلهم ولم يستطع أحد العثور عليهم او فقدوا واختفوا في ظروف غامضة ولا تزال اسرهم تبحث عنهم.

ومن أخبار غزة الدافعة للأمل إلى الكباش المستمر بين الإدارة الأميركية وايران التي تختبر إعادة فرض العقوبات الأممية عليها بعد موافقة مجلس الأمن إثر فشل التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي. وصعّدت واشنطن أمس من خطواتها معلنة أنها ستفرض عقوبات جديدة على نحو 100 فرد وكيان وسفينة، على خلفية مشاركتهم في تجارة النفط والبتروكيماويات. وشددت وزارة الخزانة الأميركية على أن العقوبات شملت شركات صينية مستقلة وعددًا من الناقلات. بدوره، وضع وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت هذه العقوبات في إطار "إضعاف التدفق النقدي الإيراني من خلال تفكيك العناصر الرئيسية لآلة تصدير الطاقة التي تعتمد عليها طهران في تمويل أنشطتها المزعزعة للاستقرار". ولم تصدر ردود فعل رسمية من السفارة الصينية في واشنطن أو من البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة حتى الساعة.

في غضون ذلك، تتمسك ايران بما وصفه رئيسها مسعود بزشكيان، في وقت سابق، بـ"الصمود" وتؤكد بأنها لن تستسلم للضغوط المفروضة عليها ولن تساوم على برنامجها الصاروخي. وفي هذا الإطار، قال وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب إن "القوات المسلحة الإيرانية أفشلت مخطط إسقاط النظام وتقسيم البلاد". وأشار إلى أن بلاده حققت "نصرًا استراتيجيًا كبيرًا" خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا. تزامنًا، يبدو أن موسكو دخلت على خط الأزمة المشتعلة بين طهران وواشنطن وتل أبيب، إذ كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن إسرائيل أبلغت بلاده بعدم رغبتها في الدخول في مواجهة مع إيران، منوهًا لضرورة حل ملف طهران النووي عبر الدبلوماسية والمفاوضات. ولفت إلى أن روسيا "تحافظ على اتصالات وثيقة مع شركائها الإيرانيين، وتلمس التزامهم بإيجاد حلول مقبولة للطرفين، واستئناف التعاون البنّاء مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

لبنانيًا، ستكون بيروت على موعد مع زيارة رسمية سيقوم بها وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني، والتي تعتبر الأولى من نوعها منذ توليه منصبه، والأرفع لمسؤول سوري إلى لبنان منذ سقوط نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من أنها وضعت في إطار اللقاءات البروتوكولية العادية، إلا أنه من المتوقع أن تتطرق إلى ملفات تهم البلدين وتشكل نقطة خلاف ومن أهمها موضوع الموقوفين السوريين إلى الحدود وضرورة ضبطها وترسيمها. ومع أن اللجان المشتركة بين البلدين تقوم بوظيفتها، إلا ان هذه الزيارة تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات التي شابتها في سنوات الحرب على سوريا خلافات وتعقيدات كبيرة بعد مشاركة "حزب الله" إلى جانب النظام السابق في المعارك ضد الرافضين لحكمه. وتركت هذه المشاركة ندوبًا كبيرة لا تزال تحتاج إلى وقت لتضميدها وعلاجها ولكن تبدو الحكومة السورية، بحسب ما صرح الرئيس احمد الشرع نفسه، تسير نحو علاقات من دولة إلى دولة بعيدًا عن تبعات الماضي، وهذا ما يبشر بالخير في حال صدقت النوايا على الجبهتين.

دوليًا، أعلنت السلطات البلجيكية، أمس، إحباط ما أسمته "مخططًا إرهابيًا" كان يستهدف شخصيات سياسية بارزة في البلاد، منهم رئيس الوزراء بارت دي ويفر، في هجوم بطائرات مسيّرة. وقالت النيابة العامة الفدرالية، إنها أوقفت 3 أشخاص مشتبه بهم في مدينة أنتويرب في إطار تحقيق في "محاولة قتل إرهابية" و"المشاركة في أنشطة جماعة إرهابية". وتتزامن هذه التطورات في وقت تشهد فيه بلجيكا وأوروبا عمومًا تصاعدًا متفاقمًا للحوادث المرتبطة باستخدام طائرات مسيّرة، كان أحدثها رصد طائرة مشبوهة فوق قاعدة عسكرية بلجيكية قرب الحدود الألمانية، في واقعة وصفت بـ"المقلقة". وتتهم هذه الدول روسيا في الوقوف خلف هذه الأحداث على الرغم من رفض الأخيرة ووضع ذلك في إطار المعلومات الكاذبة والمغلوطة.

وهنا اليكم أبرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم والتي تمحورت حول الحدث الغزّي بشكل خاص على إثر وقف الحرب:

رأت صحيفة "الأهرام" المصرية أنه "رغم التوصل إلى إتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، فليس مستغربًا على مجرم الحرب نتنياهو أن يعمل لمصالحه الخاصة، ويستمر فى الحرب وصولا لانتخابات العام المقبل، ليدخل هذه الانتخابات في ظل حالة الحرب التي يريد استمرارها لأهداف شخصية بحتة"، مشددة على أن "رئيس حكومة إسرائيل يعمل جاهدًا على إفشال خطة ترامب، بل وهدمها من أساسها خاصة في المرحلة الثانية عبر إعاقة تنفيذ بقية بنود الخطة، فما أعلنه الرئيس الأميركي يحظى بدعم عربي ودولي كبير، وحتى من حركة "حماس" التي تجاوبت مع هذه الخطة لتفويت الفرصة على نتنياهو، وعدم منحه أي سبب ليستمر فى الإبادة والتدمير".

صحيفة "الخليج" الإماراتية، أشارت إلى أنه "من المهم أن المقتلة توقفت، وهذا إنجاز كبير ومهم، ونقطة فارقة في حرب غزة، وهي مرحلة أولى من تنفيذ خطة الرئيس ترامب، على أمل تنفيذ بقية بنود الخطة، لعلها تكون مدخلًا لحل سياسي يحقق الأمن والسلام العادل والشامل ويفضي إلى حل الدولتين"، داعية إلى "مواصلة المفاوضات لاستكمال تنفيذ كامل الخطة، والتوصل إلى الحلول المتعلقة بإعادة الإعمار، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، ومصير حركة "حماس"، ومن سيحكم قطاع غزة، وكلها قضايا تحتاج إلى جهد دبلوماسي كبير، وإلى صدق في التنفيذ وصولًا إلى فتح مسار تفاوضي يؤدي إلى الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية"، على حدّ قولها.

أما صحيفة "القدس العربي"، من جهتها، فأكدت أن "الشاغل الأكبر الآن لسكان القطاع هو توقّف آلة الإبادة والتدمير الإسرائيلية وتوفير الأمن، وهذا مطلب رئيسيّ تتمركز حوله، بعد ذلك، المطالب الإنسانية الأولية الأخرى، من الغذاء والصحة وانتهاء بحقهم في البقاء في أرضهم، وصولا إلى تقرير مصيرهم، وإنشاء الدولة التي يبتغون أن يعيشوا تحت ظلها"، جازمة بأن "ما فعلته إسرائيل، خلال 733 يومًا من العدوان هو انتهاك كل هذه الحقوق بسوية تجعل غزة عارًا كبيرًا للإنسانية جمعاء، ومن حق غزة أن تخرج من الركام لتدفن شهداءها، وتداوي جرحاها، وتستعيد الحياة التي فقدتها".

ولفتت صحيفة "النهار"  اللبنانية إلى أن "الرئيس الأميركي حقق اختراقًا في سياسته الخارجية، هو الأهم منذ عودته إلى البيت الأبيض قبل 9 أشهر، بدفعه إسرائيل و"حماس" إلى التوقيع على وقفٍ للنار في غزة، قد يشكل في حال صموده بدايةً لوقف الحرب المستمرة منذ عامين، وربما إرساء أسس لانفراجٍ إقليمي أوسع". وتابعت " ما يتيح للاتفاق الجديد أن يصادف ولو حظًا ضئيلًا بالثبات، هو انخراط ترامب في المساعي لوقف الحرب، ووجود إطار سياسي لـ"اليوم التالي" في غزة، وإن كانت الشكوك تبقى قوية في ما إذا كانت الأمور ستجري بسلاسة عند بلوغ المراحل الصعبة من الخطة الأميركية".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن