استحوذت عملية اغتيال اسرائيل للرجل "الثاني" في "حزب الله" هيثم علي طبطبائي في الضاحية الجنوبية لبيروت على سلم الأحداث، خاصة أن الشخصية المستهدفة لها وزنها وثقلها داخل الحزب ما يُعد "الضربة" الأقوى بعد توقيع اتفاق وقف النار العام الماضي ويضع لبنان و"حزب الله" أمام حقيقة واحدة، وهي أن تل أبيب ماضية في خروقاتها وانتهاكاتها ما يُحتم مقاربة واقعية واضحة من أجل وقف الاستنزاف الحاصل وحماية لبنان من المخططات التي تُرسم له. ومن هنا يمكن فهم الدعوات المتكررة التي يطلقها رئيس الجمهورية جوزاف عون للتفاوض غير المباشر سعيًا وراء وقف الاعتداءات واستعادة الاستقرار، وهو ما يبدو بظل المعطيات الحالية غير متاح.
فالحزب نفسه يوافق "بالسرّ" على المفاوضات ولكنه يحصرها بالانسحاب الاسرائيلي ووقف الخروقات مشترطًا عدم التطرق لسلاحه الذي يعتبره شأنًا داخليًا بحتًا يستوجب حلًا بين اللبنانيين أنفسهم، وهو ما ترفضه تل أبيب التي تعيد صياغة المنطقة وفق مصالحها ومطامعها بمباركة أميركية واضحة. أما ايران، التي لا تزال تحتفظ بدور متقدم على الساحة اللبنانية، فكان ردها سريعًا على عملية اغتيال طبطائي، إذ رأى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني إن استمرار العمليات الإسرائيلية "لن يترك خيارًا سوى المواجهة". فيما دعا القيادي في "الحرس الثوري" وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي، "حزب الله" إلى إعادة النظر في سياسة الصبر الاستراتيجي، متهمًا إسرائيل بـ"استغلال وقف إطلاق النار وضبط النفس الذي تبديه المقاومة". وبالتوازي، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان، أنها "تدين بشدة" الاغتيال، معتبرة أنه "يشكّل انتهاكًا صارخًا لوقف إطلاق النار المُبرم واعتداء وحشيًا على السيادة الوطنية اللبنانية".
وهذه الردود تعكس حجم المكانة التي كان يتولاها طبطائي، الإيراني الأصل، داخل الحزب، خاصة أنه كان له دور "قيادي" وعسكري في سوريا واليمن وتولى "القيادة العسكرية" بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، التي سارعت إلى التخمين بمن سيكون خليفة الأخير في هذا الموقع الحساس، حيث وبحسب صحيفة "إسرائيل هيوم" فإن أبرز الأسماء المرشحة هي: محمد حيدر الذي شغل سابقًا مقعدًا نيابيًا ضمن كتلة "الوفاء للمقاومة" بين عامي 2005 و2009، ما يمنحه مزيجًا من الخبرة العسكرية والسياسية أو طلال حمية، المعروف بلقب "عصمت مزاراني"، وهو رئيس وحدة 910 المسؤولة عن العمليات الخارجية لـ"حزب الله". ويبرز أيضًا اسم خضر يوسف نادر، رئيس وحدة الأمن 900، وهي وحدة تُشبَّه في بعض التقديرات بـ"جهاز مكافحة التجسس" الداخلي. كما وتذهب ترجيحات أخرى إلى احتمال أن تلعب طهران دورًا مباشرًا في اختيار الشخصية المقبلة، وربما تسمية قياديّ من "قوة القدس" لتولّي المهمة مؤقتًا. وإلى حين حسم هذه التسمية، ستراقب تل أبيب الأوضاع عن كثب مع استمرار التهديد والوعيد بزيادة الضربات وتكثيفها.
وفي هذا الإطار، كشف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، عن إمكان الدخول في "جولة قتالٍ جديدة" ليس فقط مع لبنان، وإنّما كذلك مع إيران. وقال إنّ الجيش الإسرائيلي "يواصل هجماته يوميًا في كل الساحات، ومن الممكن أن يطلب منّا القتال في الساحات التي سبقت، ونحن نستعدّ لذلك"، مضيفًا "لقد قمنا باغتيال رئيس أركان "حزب الله"، الذي كان يعمل طوال الوقت على الاستعداد للمعركة المقبلة، وهذه هي الطريقة التي نتصرّف بها طوال الوقت، فلا ندع التهديدات تتطوّر". وبإغتيال طبطائي تكون اسرائيل وجهت رسائل في غاية الوضوح للحكومة اللبنانية بأنها هي من تفرض موازين القوى وتحدد شروط التفاوض وأخرى لـ"حزب الله" بأنها لن تقبل بإعادة تأهيل ترسانته العسكرية وأنها ماضيةٌ في عملياتها لتقليص قوته وزرع الرعب والخوف داخل صفوف بيئته الحاضنة، فاستهداف الضاحية يوضع في هذا الإطار بظل عجز الحزب عن الرّد لعدم الدخول في حرب جديدة لا يمكن له أن يتحمل تبعاتها.
ففي جنوب لبنان تمنع تل أبيب إعادة الإعمار بشتى الطرق والوسائل وتستهدف أي محاولات ولو فردية، حتى أن الكثير من التقديرات الاسرائيلية تؤكد أن الجيش بات يتصرف في لبنان كما يتصرف في الضفة الغربية المحتلة، وأنه ينفذ اقتحامات يومية؛ إذ نفذ 1200 عملية اقتحام منذ إعلان اتفاق وقف النار في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، و175 عملية اغتيال لقادة في "حزب الله"، ونفذ غارات جوية ليس فقط في الجنوب اللبناني؛ بل أيضًا في البقاع والهرمل شرق لبنان. هذا الواقع المُعقد يضع تحديات كبيرة بينما تتسارع الجهود الدبلوماسية من أجل منع انزلاق البلاد إلى ما لا تحمد عقباه. ولكن الوسطاء، وعلى رأسهم فرنسا، يدركون أن تل أبيب تريد من لبنان تقديم المزيد من الخطوات في إطار سحب سلاح "حزب الله". وكان الناطق باسم الخارجية الفرنسية، باسكال كونفافرو، أعرب عن "قلق" باريس العميق إثر الضربة الإسرائيلية الأخيرة، داعيًا جميع الأطراف إلى "ضبط النفس وضرورة اللجوء إلى آلية مراقبة وقف إطلاق النار المخصّصة للإبلاغ عن التهديدات".
ومع هذه المستجدات وإعلان اسرائيل بأنها على "أهبة الاستعداد" وإجراء مناورات عسكرية لمدة يومين في الجليل الشرقي لاختبار وتحسين جاهزية الجيش الإسرائيلي لمختلف السيناريوهات، تمرّ المنطقة بمرحلة شديدة الخطورة. فالأوضاع لا تقتصر على لبنان فحسب، بل تشمل غزة والضفة الغربية كما سوريا التي تحاول التوصل لإتفاق أمني مع تل أبيب يوقف الاعتداءات المتفاقمة في جنوب البلاد، والتي ارتفعت وتيرتها بعد سقوط نظام بشار الأسد. وتفرض اسرائيل أجندتها ضاربة عرض الحائط بكل الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة، وهو ما تسلكه في غزة أيضًا التي يعيش سكانها على وقع هدنة هشة وعدم الانتقال للمرحلة الثانية من المباحثات المجمدة بسبب تعنت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وكان وفد من حركة "حماس" ناقش في القاهرة أخر المعطيات. ووفقًا للمتحدث باسم الحركة حازم قاسم، فقد ناقش الوفد مع رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد، أمورًا من بينها إلزام إسرائيل بضرورة وقف خروقاتها التي تهدّد بتقويض الاتفاق، كما شدّد على ضرورة فصل قوة حفظ الاستقرار الدولية المزمع تشكيلها، بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال. وتسعى الحركة الفلسطينية لدفع المباحثات قدمًا خاصة أمام هول المعاناة الانسانية التي لا يزال يعيشها السكان مع عدم التزام تل أبيب بوعودها واستمرار اغلاق معبر رفح والتحكم بحجم ونوعية المساعدات. في سياق متصل، أعلنت "مؤسسة غزة الإنسانية "المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، أمس، إنهاء عمليات توزيع المعونات بعد انتقادات على مدار أشهر بسبب مقتل مئات الفلسطينيين بالقرب من مراكزها. وقالت المؤسسة في بيان، إنها "أنجزت مهمتها في تقديم نموذج بديل وفعال لإيصال المساعدات إلى سكان غزة"، مشيرة إلى أنها وزعت خلال فترة عملها أكثر من 187 مليون وجبة. ولم تقدم أي جدول زمني أو خطة لخلافة عملياتها، في وقت يعتمد فيه مئات آلاف المدنيين على المساعدات الدولية.
أما في الضفة الغربية المحتلة، فالأمور تسير من سيء إلى أسوأ بظل الممارسات الوحشية للقوات الاسرائيلية والمستوطنين. وفي أخر التفاصيل، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن الجيش قتل فلسطينيًا تتهمه إسرائيل بتنفيذ عملية دهس قبل نحو عام ونصف أسفرت عن مقتل جنديين، وفُقد أثره منذ ذلك الحين، قبل أن تقتله قوة إسرائيلية ليل أمس، الاثنين. وكانت قوات الاحتلال قد نفذت سلسلة اقتحامات في نابلس، شملت البلدة القديمة ومحيطها، حيث سُمع دوي إطلاق نار كثيف خلال عمليات المداهمة والاعتقال، وفق شهود عيان. وقد أسفرت الاعتداءات في الضفة عن استشهاد 1066 فلسطينيًا وإصابة نحو 10 آلاف آخرين، إضافة إلى اعتقال أكثر من 20 ألف فلسطيني بينهم 1600 طفل.
وفي الأخبار العربية الأخرى، أكدت السلطات اليمنية نجاة محافظ تعز نبيل شمسان إثر هجوم استهدف موكبه وأسفر عن مقتل خمسة من مرافقيه واثنين من المسلحين المهاجمين في محافظة لحج المجاورة جنوبي البلاد. أما في السودان، فقد أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، من طرف واحد، وتشمل وقف الأعمال العدائية، غداة إعلان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان رفضه الورقة التي طرحها مستشار الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولس، ووصفها بأنها "أسوأ ورقة يتم تقديمها"، واصفًا اللجنة الرباعية لوقف الحرب في السودان بأنها "غير محايدة". في إطار مختلف، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمرًا تنفيذيًا يوجّه وزارتي الخارجية والخزانة إلى دراسة إمكانية تصنيف عدد من فروع جماعة "الإخوان المسلمين"، كـ"منظمات إرهابية أجنبية وكيانات إرهابية عالمية خاصة".
دوليًا، أبدى الرئيس الأميركي تفاؤلًا كبيرًا بالتوصل إلى اتفاقات تنهي الحرب الروسية - الأوكرانية، وذلك غداة الاجتماع الذي عقده الجانبان الأميركي والأوكراني في جنيف، وانتهى بإدخال تعديلات على خطة ترامب للسلام. من جانبها، شدّدت كييف على خطوطها الحمراء حول الأراضي التي تحتلها روسيا ورفضها تقييد قدراتها العسكرية وفرض قيود على إبرام تحالفات مستقبلية. ووافقت الولايات المتحدة خلال المحادثات على إجراء تغييرات وتعديلات على خطة ترامب، واقترحت الدول الأوروبية منح أوكرانيا جيشًا أكبر مما هو مذكور في الخطة الأميركية، وأن تبدأ محادثات تبادل الأراضي من خط المواجهة الحالي. أما في الميدان، فلا تزال العمليات العسكرية الروسية متواصلة وتشهد مزيدًا من التوسع، حيث أشارت وزارة الطاقة الأوكرانية، في وقت مبكر من صباح اليوم، إلى هجومًا "ضخمًا" يستهدف منشآت للطاقة بينما أفاد الجيش بتعرّض العاصمة كييف لهجوم بالمسيّرات والصواريخ.
وفي جولة اليوم على الصحف العربية نرصد التالي:
رأت صحيفة "الغد" الأردنية أنه "بعد السابع من أكتوبر، أطلق نتنياهو وعده الشهير بتغيير وجه الشرق الأوسط، وقد شهدت المنطقة تغييرات سياسية هائلة على عدة جبهات، ممتدة من بيروت إلى دمشق وصولًا إلى طهران وصنعاء، وبالطبع الكارثة الكبرى في قطاع غزة". وأضافت "إسرائيل تعيش عقدة العمق الديموغرافي والجغرافي، ولهذا سعت على مدى تاريخها إلى ضمان التفوق العسكري لردع من تصفهم بالأعداء، وتقطع الطريق على كل من يفكر بالهيمنة على حسابها".
وفي السياق الاسرائيلي عينه، اعتبرت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "الإسرائيليين يعدّون قضية تهجير الفلسطينيين أمرًا حتميًا، ويرون أن عدم تحققه يشكل "خطرًا وجوديًا"، باعتبار أن دولتهم تعيش حالة تهديد وجودي دائم. فالصهيونية ترى أن وجود الفلسطيني يفضح حقيقة الإسرائيلى بوصفه محتلاً للأرض ومغتصبًا للحقوق"؛ متسائلة "كيف نصدق أنه يمكن أن يكون هناك مسار "موثوق" نحو دولة فلسطينية يعيش فيها الفلسطيني بكرامة؟ كيف نصدق أن الصهيوني "المقاتل" يريد السلام؟ كيف يقبل من تربّى على إخضاع "الأغيار" بالقوة أن يتعايش مع من يعتبره كائنًا بلا حقوق ..؟"، على حدّ وصفها.
وتحت عنوان "بين المطرقة الإسرائيلية والسندان الإيراني"، كتبت صحيفة "اللواء" اللبنانية عن عملية الاغتيال الاسرائيلية التي أشارت إلى أنها "ليست مجرد اختراق أمني جديد، بل إعلان إسرائيلي صريح بأن مرحلة "الضربات الموضعية" انتهت، وأن تل أبيب تحاول أن تتعامل مع الحزب ومؤسساته وقيادته كهدف مفتوح لا تحكمه أي خطوط حمراء". وقالت "تبدو إيران حريصة على تجنّب حرب شاملة في لبنان، لكنها تستخدم الجبهة اللبنانية كأداة توازن إقليمي تمنع تل أبيب وواشنطن من فرض وقائع سياسية على طهران في ملفات أكثر حساسية: من المفاوضات النووية إلى مستقبل العراق وسوريا".
صحيفة "الخليج" الإماراتية، بدورها، لفتت إلى أن "إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه على تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" كجماعة إرهابية أجنبية، يشكل تحولًا أمريكيًا مهمًا تجاه هذه الجماعة الإرهابية، وفي فهم دورها وأهدافها"، مستنتجة أنه "بعد طول انتظار، بدأ العالم يعي أن جماعة الإخوان ليست جماعة دينية وسطية، تحمل رسالة الإسلام الحقيقية التي تدعو إلى السلام والإخاء والتسامح والمحبة، بل هي في الأساس تنظيم إرهابي يبيح المحرمات، ويتخذ من الإسلام مطية لتحقيق أهدافه الخبيثة."
(رصد "عروبة 22")

