هل تنجح خطة ترامب؟

حظي إعلان نيويورك الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية في إطار حل الدولتين، باهتمام إعلامي ضخم، وربما كان الحدث الأهم خلال الأسبوعين الماضيين، قبل أن يفقد الزخم الذي اكتسبه بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب خطته لاحلال السلام وإنهاء الحرب في غزة، لتصبح هذه الخطة هي محور النقاش العام والجدل الدائر الآن في العديد من العواصم العربية والعالمية والشرق أوسطية.

والواقع أن الحدثين ليسا منفصلين عن بعضهما، كونهما يعبران عن الحاجة الملحة للخروج من مأزق الحرب المستعرة في القطاع والتي أكملت عامها الثانى، ومن هنا جاءت مبادرات الاعتراف المتتالية من قبل الدول الأوروبية الكبري، والتي تزعمها فى البداية الرئيس الفرنسي ماكرون، قبل أن تلحق بباريس كل من بريطانيا وكندا وأستراليا وبلجيكا وغيرها، في خطوة تُعد الأولى من نوعها على مدى أمد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، صحيح أن هناك عددا كبيرا من بلدان العالم سبق وأن اعترف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، إلا أن الجديد في الثقل الدولي الذي تتمتع به تلك الدول، علاوة على أنها حليفة للدولة العبرية ومن الأكثر قربا منها.

لكن السؤال هو إلى أى مدى يمكن أن تسهم هذه الخطوة في تغيير الواقع والتأثير في مجريات الأحداث؟

لاشك في أن مسألة الاعتراف وحدها لا تكفي لأحداث فارق حقيقي، بدليل تصعيد إسرائيل عملياتها العسكرية في التوقيت نفسه وعدم تراجعها عن سياستها، بل وقال رئيس وزرائها بنيامين نيتانياهو "إن الاعتراف هو مكافأة لحماس، وإن بلاده لن تتخلى أبدا عن السيطرة الأمنية المطلقة على غزة والضفة الغربية" وفق "الإندبندت"، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لا توجد دولة فلسطينية على الأرض يمكن الاعتراف بها، أي حدود واضحة وعاصمة وحكومة موحدة، ما يعني أنها من الناحية القانونية والعملية لم توجد بعد، وهو ما يضعف مبدأ الاعتراف المبكر، بالاضافة إلى معارضة الولايات المتحدة بشدة لخطوة حلفائها الأوروبيين، ما يقلل من تأثيرها الدولي، وأكد البيت الأبيض أن حل الصراع لن يكون إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين دون استباق لنتائجها.

وبالتالي تظل أهمية تلك الاعترافات في دلالتها الرمزية وليس في قدرتها على تغيير الوضع القائم، وهو ما نشهده الآن. وبالتزامن مع هذه التطورات، طرح ترامب خطته للسلام في غزة، باعتبارها السبيل لإنهاء الحرب، وبموجبها سيتم إطلاق سراح الرهائن، وإفراج إسرائيل عن قرابة الألفي فلسطيني من سجونها، وفي غضون ذلك يتم تعليق عملياتها القتالية حتى يتم الاتفاق على شروط انسحابها على مراحل، وألا يجبر أحد على مغادرة القطاع، وأن يكون لمن خرجوا منه طواعية حق العودة، وعن شكل الحكم المدني الإداري، فسيُعطى لهيئة دولية، برئاسة أمريكية، وتضم شخصيات بارزة ومسؤولين دوليين يُعلن عنهم لاحقا ويتقدمهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، مع إنشاء قوة دولية وعربية للتدخل السريع وحفظ السلام، وتقوم بتدريب ودعم قوات الشرطة الفلسطينية بالتنسيق مع كل من مصر والأردن.

وتعتبر هذه الهيئة بمثابة حكومة انتقالية لحين استكمال سلطة رام الله برنامجها الاصلاحي في الضفة الغربية، لتتمكن في النهاية من استعادة السيطرة على غزة بشكل آمن وفعال، ولكن لن يكون لحماس أي دور أو سلطة في مستقبل هذا الحكم، كما يُطلب منها نزع وتسليم سلاحها أسوة بما يحدث مع حزب الله في لبنان، وفي الوقت نفسه لم تنص الخطة صراحة على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولم تذكر "حل الدولتين" وإنما تحدثت فقط عن إدارة مدنية للضفة وغزة بصورة غامضة تجعلها أقرب إلى الحكم الذاتي، خاصة مع التصريحات الاسرائيلية المتكررة، والتي مفادها بأنه "ستكون لغزة إدارة مدنية لا تديرها حماس ولا السلطة الفلسطينية". لذلك فهناك تحديات كثيرة تحيط بالخطة، وأهمها قبول كل من إسرائيل وحماس بها، وهو ليس بالأمر السهل، فكما صرح المتحدث باسم الأخيرة، بأن لديها تحفظات يجب أن تؤخذ في الاعتبار، ومنها رفض تسليم السلطة الفلسطينية الخدمات المدنية، واستبعادها كليا من المشهد، والاعتراض على عدم وجود ضمانات واضحة لالتزام إسرائيل بعدم ملاحقة عناصره، لكن هذا لا يعني أنها ستقوى على الاستمرار في الرفض، خاصة بعد أن خسرت الكثير من قدراتها، علاوة على فقدانها أكبر قوة مساندة وداعمة لها وهي إيران التي فقدت بدورها جانبا كبير من قدرتها على حماية وكلائها وتوظيفهم بما يخدم استراتيجيتها التوسعية في المنطقة.

في هذا السياق وبعيدا عن الشعارات، جاء بيان حماس براجماتيا يعكس الحقائق الفعلية على الأرض، فقد قبل بصفقة تبادل الأسر بشرط توفير الظروف الميدانية لهذه العملية، وإن لم يحدد ما هو المقصود بذلك تحديدا، كما رحب بالطبع بالبند الخاص بعدم تهجير الفلسطينيين، وكذلك بتسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية من المستقلين التكنوقراط بناء على التوافق الوطني، ولكنه اختلف مع الخطة، في الهيئة الدولية الانتقالية لحكم غزة، ونشر قوات أجنبية مؤقتة، وعن عدم وجود دور للحركة فى حكم غزة، رد البيان بأن الأمر مرتبط بموقف وطني جامع يتم مناقشته من خلال هذا الاطار، على أن تكون حماس من ضمنه، ولم يعلق على نزع سلاحها، وهو الموقف الذي طالما رفضته، والواضح أنه كما هو لم يتغير، كما ظهر في اجتماعات شرم الشيخ على لسان متحدثها فوزي البرهامي.

أما حكومة نتنياهو فقد يكون لديها اعتراضاتها أيضا، فالخطة وإن استجابت لمطلبها في استبعاد حماس، لكنها قد تحرمها من السيطرة على غزة وتهجير سكانها، حسب خطتها المعلنة، أو بعبارة أخرى ستمنعها من تحقيق "النصر الكامل" الذي طالما تحدثت عنه، بعدما ضيقت الخناق على حماس، ودمرت الكثير من أنفاقها، وكأنها ستكون بالنسبة لها عملية ناقصة، فهل ستنجح خطة ترامب التي وصفها بأنها عُرضت لتنجح؟ خاصة المرحلة الثانية الأصعب والأعقد، لأن المرحلة الأولى التي بدأت أمس بوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى أسهل نسبيا.

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن