العرب وتحديات الذكاء الاصطناعي

"خوارزميات" تُنقذ الماء! كيف يعيد الذكاء الاصطناعي رسم خريطة الموارد المائية في العالم العربي؟

القاهرة - آية أمان

المشاركة

تتصاعد أزمة ندرة المياه لتصبح التحدّي الأكثر إلحاحًا في المنطقة العربية. في مواجهة هذا الواقع، لم يعد الذكاء الاصطناعي خيارًا، بل أصبح أداةً أساسيةً بدأت الحكومات والقطاعات المعنية بالمياه في العالم العربي الاعتماد عليها لتحقيق الإدارة المائية الذكية والمُستدامة. وذلك عبر دمج تطبيقاته المُبتكرة في محطات تحلية المياه، والتوسّع في مشروعات الزراعة الدقيقة، وإرساء قواعد الحوكمة المائية الذكية، وهي التجارب التي لا تزال قيد الاختبار في عددٍ من الدول العربية في إطار الحلول لتعظيم الاستفادة من الموارد المحدودة وتقليل الضغوط البيئية على المنطقة.

وفقًا لتقارير "المجلس الوزاري العربي للمياه" التابع لجامعة الدول العربية، فإنّ الأمن المائي العربي يواجه واقعًا حرجًا ومُقلقًا، فالمنطقة العربية أكثر بقاع العالم تعرّضًا لندرة المياه، وهو ما يبرز ثلاث ضغوط وتحدّيات رئيسية هي: تفاقُم أزمة التغيّرات المناخية مع انخفاض معدّلات هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، وبالتالي ارتفاع معدّلات التبخّر وتهديد الإمدادات السطحية والجَوْفية. كذلك، التزايد السكّاني المُطّرد، وتوسّع الأنشطة الاقتصادية التي تُشكّل ضغطًا هائلًا على الموارد المائية المحدودة. وهو ما ينعكس بشكلٍ مباشرٍ على الأمن القومي العربي والاستقرار الاجتماعي، وما يبرز أهمية الحفاظ على الموارد المائية التي لم تعد رفاهيةً أمام الحكومات العربية، بل ضرورة استراتيجية لضمان استدامة الحياة.

لسنواتٍ ماضيةٍ، بدأت الدول العربية بتبنّي حلول غير تقليدية لتعظيم الاستفادة من الموارد المُتاحة، عبر رفع كفاءة استخدام المياه وإعادة التدوير، حيث حققت مصر على سبيل المثال أعلى معدّل لكفاءة استخدام المياه وصل إلى 21 مليار مترٍ مكعّبٍ سنويّا. فضلًا عن التوسّع في مشروعات تحلية المياه، حيث حققت السعودية إنتاجًا وصل إلى 11.1 مليون متر مكعّب من المياه المُحلّاة يوميًّا، بينما تُنتج دولة الإمارات ما يقرب من 8.4 ملايين متر مكعب من المياه المحلّاة يوميًّا، وهو ما يبرز إمكانيات التوسّع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحويل الإدارة المائية التقليدية إلى نظام ذكي وفعّال.

إلى جانب ندرة الموارد المائية المُتاحة، تظلّ مشكلة إدارة المياه وتعزيز قدرات الإدارات المحلّية في الدول العربية هي التحدّي الأكبر في إدارة الموارد المحدودة ورفع كفاءة الاستخدام والتوسّع في سياسات الترشيد وتقليل الهدر. وفقًا للمعهد الدولي للمياه (IWMI)، فإنّ الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون الأداة المحورية لإدارة المياه عبر القدرة الفائقة على تحليل البيانات الضخمة لأجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية ومحطات الأرصاد الجوية، وشبكات توزيع المياه، حيث تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بمعالجة ملايين المُدخلات في لحظات، وكشف الأنماط المخفية، وتقديم تنبؤات دقيقة للغاية حول استهلاك المياه، ومستويات الخزّانات، ومواقع التسريبات، وحتى التنبّؤ بحدوث الجفاف. هذا التحليل المُعمّق يُمكِّنُ صانعي القرار من اتخاذ إجراءاتٍ استباقيةٍ ومُحكمةٍ، ممّا يضمن الاستخدام الأمثل لكلّ قطرة ماء في المنطقة.

في مصر، بدأت وزارة الموارد المائية والريّ التوسّع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإدارة توزيع المياه وتدقيق الحصص المائية المنصرفة، بما يُمكّن مُتخذي القرار الاستجابة بسرعة لتحقيق اتّزان شبكة المياه على مدار الساعة ووصول المياه في مواعيدها إلى المستخدمين كافّة. ففي مارس/آذار الماضي، أطلقت الحكومة نموذجًا رياضيًا مُتطوّرًا يعمل بالذكاء الاصطناعي ويعتمد على تحليل البيانات كافّة المتعلّقة بالمياه، بدءًا من معدّلات التدفّق ورصد وتقييم جودة ونوعيّة المياه، وصولًا إلى استخدامات الأراضي الزراعية والاحتياجات المائية لمختلف القطاعات.

وحقّقت السعودية تجاربَ رائدةً وناجحةً في تسخير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وفقًا لبيانات رسمية لوزارة المياه السعودية، تمّ تبنّي حزمة من المبادرات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، في مرافق تحلية المياه، وتمّ توظيفها في إطار عمل 32 منظومة إنتاج، بما ساهم في تمكين الذكاء الاصطناعي من عمليات تحلية المياه وتحقيق الاستدامة وتقليل الهدر، خاصةً في ظلّ التحدّيات الجغرافية كالمناطق الصحراوية والمناخ الجاف. وهو ما ساهم في تحقيق قفزةٍ في إنتاج المياه المُحلّاة وصلت إلى 7.9 ملايين متر مكعب من المياه المحلّاة يوميًّا، لتصبح أكبر دولة في العالم إنتاجًا للمياه المحلّاة بنسبة 22% من الإنتاج العالمي.

في سبتمبر/أيلول الماضي، تبنّت الأردن مشروعًا قوميًّا لاستخدام الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية للتنبّؤ بخصوبة التربة وتوزيع وترشيد المياه. وتمّ البدء بمناطق تجريبية لتوزيع المياه عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات المُتاحة عن عمليات إدارة المياه عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي - حسب تصريحات رسمية لوزير المياه والريّ الأردني رائد أبو السعود.

وتتجاوز استخدامات الذكاء الاصطناعي في معالجة نُدرة المياه في المنطقة العربية إلى تطبيقات متقدّمة. ففي أبو ظبي، تزرع الطائرات المُسيّرة المُزوّدة بالذكاء الاصطناعي أشجار "المانغروف" على نطاقٍ واسعٍ، باستخدام نظمٍ بيئيةٍ توفّر المرونة اللازمة لمواجهة تغيُّر المناخ، فيما تطوّر الإمارات نماذج رياضية تُساعد على توقّع الخيارات والقرارات السياسية والبيئية لمختلف سياسات المياه.

ويشير بعض الدراسات إلى تحدّيات مرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي لكونه مستهلكًا للمياه في الكثير من الأحيان، وهو ما تظهره البصمة المائية للذكاء الاصطناعي، حيث تستهلك مراكز البيانات التي تدعم التعلّم الآلي كمياتٍ كبيرةً من المياه للتبريد. في الخليج، قد يصل استهلاك المياه السنوي المرتبط بالذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات إلى 426 مليار ليترٍ بحلول عام 2030. إلّا أنّ هناك افكارًا لا تزال قيد الدراسة حول استخدام تصاميم حديثة للتبريد بالهواء، واستخدام الطاقة الحرارية الأرضية، أو استخدام مياه الصرف الصحي المعالَجة بدلًا من المياه العذبة، إذ تعدّ هذه الحلول ضرورةً حتّى لا يتحوّل الذكاء الاصطناعي إلى تكنولوجيا مُستهلِكة للمياه.

وتُظهر التطبيقات السابقة قدرة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كأحد الحلول الذكية التي يمكن تبنّيها في استراتيجيّات إدارة المياه الوطنية، ودعم صُنّاع السياسات لاتخاذ قرارات تعتمد على البيانات، وتعزيز الحوكمة، ودعم الأمن المائي على المدى الطويل، وكذلك حلّ أزمات المياه وتقليل الخسائر في شبكات التوزيع. 

لكن على الرَّغم من التقدّم الملحوظ في التوسّع في استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على مدى زمنيّ قصير، إلّا أنّ هذه التكنولوجيا لا تزال بحاجةٍ إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتدريب الخبرات المحلية ورفع مستوى التعاون بين قطاعات المياه والطاقة والغذاء والبيئة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن