صحافة

من الوصاية إلى المواجهة... حين تتمرّد "طالبان" على صانعها

يوسف بدر

المشاركة
من الوصاية إلى المواجهة... حين تتمرّد

تسعى باكستان إلى تحقيق هدف مزدوج في تصعيدها الأخير ضد حركة "طالبان" الأفغانية، إذ لا تقتصر مهمتها على تأديب الحركة التي فرضت سيطرتها على أفغانستان وتقدّم الدعم إلى نظيرتها الباكستانية، ما زاد من مستوى التهديد ضد الجيش الباكستاني فحسب، بل تمتد مهمتها إلى تحقيق توازنات أوسع تتجاوز فكرة مكافحة التطرف. فقد تمكنت إسلام آباد خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب من استعادة موقعها الجيوسياسي في جنوب آسيا بعد فترة تراجع خلال عهد جو بايدن، بخاصة أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان عام 2021 أضر بمكانتها الإقليمية، لتأتي الفرصة اليوم لتصحيح هذا الخلل في ظل تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة على حدودها الغربية.

ظهر هذا النجاح بوضوح من خلال إشادة ترامب المتكررة بإسلام آباد وقيادتها العسكرية، إذ أشاد خلال إعلان اتفاق غزة في 13 تشرين الأول/أكتوبر بدور قائد الجيش الباكستاني، كما ثمن رئيس الوزراء الباكستاني جهود ترامب في تحقيق السلام. ومع تصاعد التوتر العسكري بين باكستان وكابول، تدخّل ترامب عشية اجتماع مسؤولي البلدين في الدوحة في 17 تشرين الأول قائلاً: "إذا كان عليّ حلها، فسيكون الأمر سهلاً بالنسبة إليّ"، في إشارة إلى استعداد واشنطن للعب دور مباشر في إدارة الأزمة.

يبدو أن هناك تنسيقاً متزايداً بين واشنطن وإسلام آباد بشأن أفغانستان، بعدما بدأت "طالبان" تفرض نفسها سلطة مطلقة بلا منازع، خصوصاً بعد رفضها إعادة قاعدة باغرام إلى القوات الأميركية. وهكذا، تبدو العمليات الباكستانية كأنها محاولة لتأديب الحركة التي ظنت أنها باتت قادرة على كسب شرعيتها من خلال إدارة الجماعات المتطرفة والمصالح مع القوى المناوئة لباكستان والولايات المتحدة، مثل الهند والصين وروسيا.

لكن باكستان أرادت سحب هذه الثقة منها، إذ صرح المتحدث باسم خارجيتها بأن "لا حكومة شرعية في أفغانستان حالياً، لأن طالبان سيطرت على الشعب بقوة السلاح، وسيأتي يوم ينتخب فيه الأفغان حكومة تمثلهم فعلاً". وفي سياق الضغط المتزايد، دعا وزير الإعلام في بلوشستان جان أتشكزاي إلى فتح محادثات بين إسلام آباد وأحمد مسعود، زعيم جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية، في إشارة إلى رغبة في إعادة تشكيل المشهد الأفغاني.

استنساخ فيدرالية باكستان

تُلوّح باكستان بإمكان الدفع نحو نموذجها الفيدرالي في أفغانستان، إذ أيّد أتشكزاي نظام الحكم اللامركزي باعتباره الأنسب لتحقيق أفغانستان سلاماً دائماً مع جيرانها، وقد استضافت باكستان لقاءات غير رسمية مع شخصيات أفغانية معارضة لـ"طالبان". في المقابل، يبدو ظل باكستان الثقيل في أفغانستان رسالة موجهة أيضاً إلى الهند التي تحاول تعزيز حضورها غرباً، خصوصاً بعد تحذير قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير الهند من "أي عمل استفزازي قد يؤدي إلى حرب نووية"، بعدما استضافت نيودلهي وزير خارجية "طالبان" أمير خان متقي الذي زار "دار العلوم ديوبند"، المرجعية الفكرية لـ"طالبان"، ما يعكس دورها في معادلة الصراع داخل أفغانستان والتهديدات التي تطاول باكستان.

لذلك يجب عدم تجاهل عقدة تقسيم شبه القارة الهندية في فهم سياسة باكستان نحو أفغانستان، فهي تشغلها عن صراعها مع عدوتها الهند التي لا ترحب بوجودها وتسعى إلى إضعافها أو تدميرها. إن عدم اعتراف الأفغان بخط "ديورند" الفاصل مع باكستان، تراه إسلام آباد محاولة هندية لإضعافها عبر تشجيع رفض الأفغان ترسيم الحدود معها.

المحصلة، تُظهر التطورات أن أفغانستان أصبحت جزءاً من مشهد جيوسياسي معقد يتجاوز حدودها، إذ تستغل الولايات المتحدة "طالبان" لأهدافها الاستراتيجية، وتستغل باكستان ذلك لتأمين مصالحها، بينما تجد الحركة نفسها هدفاً للترويض أو العقاب كلما حاولت الاستقلال عن القوى التي صنعتها.

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن