فيروز أكثر من فنانة. هي ميلودية النغم الأكثر انتشارًا اليوم بين الشباب العربي، من غرفة واحدة في "زقاق البلاط" في بيروت، إلى الغرفة الموسيقية والغنائية، من أقصى العالم العربي إلى أقصاه، بجذور غنائية - شعورية عميقة تشكّل اليوم الضمير المشترك.
كأنها تقريبًا موجودة في كلّ الأمكنة، وفي متناول أمزجة حداثية من الجيل الرابع والخامس العربي وما ينشده. أكان صرخة. صلاة. ابتهالات، إيقاعًا خاصًا به، فريدًا أو اجتماعيًا. ما كان الناشر يقصد المكان العربي بأثر الصوت. لكن فيروز تفاجئك دومًا بإضافة جسدية / مكانية، يتشكّل منها ملمحًا عربيًا غنائيًا يتبقّى منه خصوصية لبنانية غير مقصودة.
"تناثرت" لتشمل العالم العربي... كتلة صوت متموّجة خلف البحار وفي الضواحي والمنافي
يمكن أن ترى إلى فيروز في المكان والزمان والثلاثية السينمائية وإضاءة الكينونة في المغرب العربي مع (عبد الإله بلقزيز- سليمان الحقيوي - محمد المعزوز)، فيروز الكلمات في السعودية (سعد البازعي)، فيروز السيرة الذاتية والفرادة وعمق المضامين وعابرة اللغات في العراق (مؤيد الشيباني - نادية هناوي – شوقي عبد الأمير) فيروز جوزف حرب في الأردن (زياد جمال حداد). التعبير عن المعاني في سوريا والدلالات والمفاعيل القومية في بلاد الشام وعلى خشبة المسرح وتصويت اللّون (سعداالله آغا القلعة – نبيل سليمان - حنان قصّاب حسن - طلال معلّا). مقرّ القمر وبناء الأيقونة في الخليج العربي وفي البحرين (عصام الجودر - غسان الشهابي - حسن مدن). فيروز والولد الفلسطيني وباب المدينة الذي لن يقفل (فيصل درّاج - جوني منصور). فيروز وأم كلثوم والائتلاف والإختلاف، فيروز والرحابنة، في حديقة الذاكرة المصرية (كريم جمال - عمرو ماهر- محبّ جميل). وجهة نظر جزائرية (سعيد هادف). فيروز الصوت / اللوز والسكّر / حديث البدايات والمبدأ والمآل والإرث وسط المثلّث الرحباني / والظاهرة الصوتيّة وثنائيتها في تعبيرها الغنائي الدرامي وما فوق الجمالي / والذاكرة العميقة لأم كلثوم في الهند / وخلاص لبنان (عقل العويط - حسن جواد قبيسي - سليمان بختي – عمار مروّة - فادي العبدالله - هاشم قاسم – فكتور سحاب - الهام نصر تابت - أحمد فرحات – نبيه البرجي).
ممكن الإفادة من تلك الأصالة والفرادة في الحاجة إلى تكوين التربية الجمالية العربية
كتابات تُظهر إلى أي مدى انصهرت الفنانة اللبنانية في الاجتماع العربي الحديث، وعلى نحو بدايات أوسع من تلك التي كانت في السبعينات والستينات. أغنية ليست بلا جذور، متّصلة بشكل وآخر بإنجازات تلك الفترة الذهبية، وإن لم يتبقَّ منها الكثير. أغنية الشعر والموسيقى كانت أكثر التصاقًا بيوميات ومتطلّبات تبحث عن منحاها الشاعري البسيط، وتمتد إلى نقد المجتمع وعلاقاته وتناقضاته، وتحاكم العالم الذي يقاتل فيه الحاكم شعبه. الصرخة التي تدين الانفجارات الشاملة والمجتمعات ما بعد الاستهلاكية، وزمن الحروب والانكسارات والخيبات.
كأنه عالم اليوم مهدّد في علاقاته الاقتصادية والإجتماعية. "تناثرت" فيروز لتشمل العالم العربي. حكاياته. كتلة صوت متموّجة خلف البحار وفي الضواحي البعيدة والمنافي. إنه الصوت / المكان اليوم، شوكه. وعره. بنفسجه. كل أشكال الحب. ناسه يشبهون بعضهم في رومانسية وحنين. عنوان آخر للدرامية وقوّتها وجمالياتها، وبتواصليّة اجتماعية غير مسبوقة.
كأنها المرحلة التأسيسية على هذه الأنسام من مكوّنات الرحابنة كفكرة خاصة وبقوة ألحانها بعد انتكاسات مطردة تلت وفاة السيّد درويش، وممكن الإفادة من تلك الأصالة والفرادة والتأثّر الجمالي في الحاجة إلى تكوين التربية الجمالية العربية، إلى التعبيرات بالحسّ والنغم مع إرث كبير جمع شعراء كبار كالأخطل الصغير وأمين نخلة وسعيد عقل وصلاح لبكي والياس أبو شبكة، ومن ضمن مقاربة ضمنية تلقي الضوء على تحوّلات ومتغيّرات البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية العربية.