صحافة

"القوة الدولية في غزة" .. مخاطر مؤكدة

عماد الدين حسين

المشاركة

الولايات المتحدة أرسلت إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي مسودة قرار لإنشاء قوة دولية لحكم غزة، لمدة عامين بقيادة واشنطن. ولو صحت البنود الواردة في المسودة، كما نشرها موقع "أكسيوس" الأمريكي الاسرائيلي، أمس الأول الإثنين، فهي تعني أن احتلال إسرائيل للقطاع سوف يستمر برعاية ودعم أمريكي ودولي وشرعي. طبقًا للتسريبات فإن مشروع القرار سيكون أساسًا للمفاوضات التي ستعقد خلال الأيام المقبلة، وفي حال الموافقة سيتم نشر القوة في يناير المقبل.

مشروع القرار يقول إن القوة ستكون للإنفاذ، وليست لحفظ السلام، وبالتالي فلديها صلاحيات واسعة. ومن خلال قراءة سريعة للبنود فإن الصلاحيات التي ستحصل عليها إسرائيل بلا حدود، فقوات الأمن الإسرائيلية ستكون مكلفة ليس فقط بحماية الحدود مع غزة، لكن بحماية المدنيين والممرات الإنسانية، وهو يعني أنه تم تكليف "الذئب بحماية الدجاج"، فالمدنيون هنا هم الميليشيات التى شكلتها إسرائيل ضد المقاومة، بحيث يستمر الانقسام إلى ما لا نهاية. وكذلك فإن إسرائيل ستظل موجودة على الحدود بين مصر وغزة، وكذلك "الممرات الإنسانية"، وهو ما يعني أن ورقة المساعدات الإنسانية ستظل بيد إسرائيل تتحكم فيها كما تشاء، وتستمر في عرقلتها كما تفعل الآن.

وهناك بند غريب يقول، إن القوات الإسرائيلية ستشارك في تدريب قوة شرطة فلسطينية جديدة تشاركها في مهمة حفظ الأمن، علمًا بأن مصر والأردن بدأتا هذه المهمة مند شهور طويلة. بنود الخطة تقول أيضًا إن قوات الأمن الإسرائيلية سوف "ترسخ البيئة الأمنية فى غزة من خلال ضمان عملية نزع السلاح من القطاع، وتدمير ومنع إعادة بناء البنية التحتية العسكرية والهجومية، ونزع السلاح بشكل دائم من الجماعات المسلحة غير الحكومية". وهذا البند مثير للسخرية، فكيف يمكن تصور أن قوات الأمن الإسرائيلية سترسخ بيئة الأمن، في حين أنها هي من دمرت القطاع وقتلت وأصابت نحو ربع مليون شخص خلال عامي العدوان؟!

المسودة تقول إنه إذا لم يتم نزع سلاح حماس طوعًا، فإن قوات الأمن الإسرائيلية ستتولى مهام إضافية قد تكون ضرورية لدعم اتفاق غزة. وبند آخر يقول إن قوات الأمن الإسرائيلية ستتواجد خلال الفترة الانتقالية فى غزة، وسوف تنتشر في القطاع تحت قيادة موحدة ومقبولة من مجلس السلام الذي يرأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذه البنود مجتمعة تعني أن إسرائيل سوف تستمر في احتلال قطاع غزة، ليس فقط بالقوة المسلحة لكن بتقويض رسمي وشرعي من مجلس الأمن، وبموافقة كل الدول التى ستقبل المشاركة في هذه القوة.

مشروع القرار يقول إن مجلس السلام الذي سيدير فترة الحكم الانتقالية هو الذي سيتولى عملية تحديد الأولويات وجمع التمويل لإعادة إعمار غزة، وهو الذي سوف يشرف على لجنة التكنوقراط الفلسطينية التي ستكون مسئولة فقط عن العمليات اليومية للخدمة المدنية والإدارة فى القطاع، وبالتالي فإن عملية إعادة الإعمار ستظل في يد أمريكا وإسرائيل، وهو ما يعني عمليًا أنها لن تتم. وهناك بند غريب يقول إن المنظمات العاملة مع مجلس السلام بما في ذلك الأمم المتحدة والصليب والهلال الأحمر هي التي ستتولى عملية تسليم المساعدات لكن سيتم حظر أي منظمة تسيء استخدام المساعدات أو تحولها إلى جهات غير المدنيين، ومن الواضح أن هذا البند مصمم خصيصًا لاستبعاد منظمة "الأونروا".

هذه هي العناصر الأساسية في مشروع القرار الأمريكي وبموضوعية شديدة فإنه يسهل القول إنه لو أن إسرائيل هي التي كتبت المسودة، فلم يكن ممكنًا أن تكون متحيزًا لها بمثل هذه الفجاجة! ومن الواضح أيضًا أن رون ديرمر وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية هو الذي وضع هذه البنود مثلما فعل في خطة ترامب الأصلية في نهاية سبتمبر الماضي. الخطة ومشروع القرار يحتويان على كل العناصر التي تجعل غزة ملكية أمريكية وتحت الحماية الأمنية الإسرائيلية، ولذلك على الدول العربية والاسلامية الأساسية خصوصًا مصر والأردن والسعودية وقطر والإمارات وتركيا وإندونيسيا وباكستان أن تبذل كل الجهود الممكنة مع الولايات المتحدة لإقناعها بأنه يستحيل قبول هذه البنود المجحفة، لأنها ببساطة تسلم غزة إلى إسرائيل وأمريكا لتفعل بها ما تشاء خصوصًا إجبار الفلسطينيين على الهجرة بمئات الوسائل، بعد أن فشل العدوان العسكري فى ذلك.

فرص نجاح الضغوط العربية كبيرة جدًا، وقابلة للتحقق مثلما نجحت في وقف مؤقت للعدوان في 10 أكتوبر الماضي. المهم أن يكون هناك تحرك جماعي ليس لدعم حماس لكن لحماية الفلسطينيين وثباتهم على أرضهم.

(الشروق المصرية)

يتم التصفح الآن